قدمت النائبة البرلمانية عن حزب التقدم والاشتراكية فاطمة الزهراء برصات مقترح قانون جديد يروم قطع الطريق أمام الاستثناءات التي تتيح تزويج القاصرات في مدونة الأسرة. المقترح الذي يدخل في إطار المبادرة التشريعية البرلمانية، يهدف حسب فاطمة الزهراء برصات البرلمانية والقيادية في حزب التقدم والاشتراكية إلى وضع حد للاستثناء الذي تتيحه مدونة الأسرة لتزويج الطفلات، وهو الاستثناء الذي قالت البرلمانية إنه يوظف بشكل كبير في اتجاه الترخيص لهذا النوع من الزيجات، خصوصا في ظل السلطة التقديرية الواسعة للقضاء. وأوضحت النائبة البرلمانية في المذكرة التقديمية لمقترح القانون أن بعض الاستثناءات التي جاءت بها مدونة الأسرة جعلت الاستثناء يتحول إلى قاعدة، مشيرة إلى أن نسبة تزويج الطفلات بلغت 9.13 بالمئة من مجموع عقود الزواج المبرمة سنة 2018، أي ما يفوق 25 ألف طفلة متزوجة سنة 2018، حسب إحصائيات وزارة العدل. هذا، ويأتي مقترح القانون المذكور في إطار ملاءمة مقتضيات المدونة مع مقتضيات دستور المملكة وكذا الاتفاقيات ذات الصلة التي صادق عليها المغرب، بهدف حماية الطفلات اللواتي يعتبرن ضحية لهذا النوع من الزواج، لكون تزويجهن يعتبر سببا مباشرا في حرمانهن من حقوقهن الانسانية، وعدم التمتع بها على قدم المساواة مع باقي الأطفال، وعلى رأسها الحق في التعليم والترفيه والصحة، بالإضافة إلى حرمانهن من فرص تنمية أوضاعهن الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. كما نبهت برصات من خلال مقترح القانون إلى الآثار النفسية للظاهرة على الطفلات، مبرزة أن الآثار السلبية لهذه الظاهرة لا تتوقف عند الطفلات بل تمتد إلى الأسرة والمجتمع أيضا. وفي تصريح لبيان اليوم قالت النائبة البرلمانية بالمجموعة النيابية للتقدم والاشتراكية فاطمة الزهراء برصات إنه آن الأوان لمراجعة بعض الاستثناءات التي أتاحتها مدونة الأسرة والتي تسمح بزواج القاصرات، معتبرة أن الاجتهادات القضائية جعلت الاستثناء يتحول إلى قاعدة. في هذا الصدد، أوضحت برصات أنه بالعودة إلى مدونة الأسرة "نجد أن المادة 19 منها تحدد أهلية الزواج والذي يتم بإتمام الفتى والفتاة المتمتعين بقواهما العقلية 18 سنة شمسية، وبالتالي تعتبر مدونة الأسرة أن القاعدة هي 18 سنة، إلا أنه في المادة 20 يأتي الاستثناء على القاعدة بحيث يمكن لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن للفتى والفتاة أن يبرما عقد الزواج، لكن بقرار معلل يوضح الأسباب والمبررات المقنعة التي جعلت القاضي يصدر هذا القرار وكذا مصلحة القاصر في ذلك" تقول المتحدثة. وتضيف برصات أنه بالرغم من كون المشرع حاول مراعاة مصلحة القاصر من خلال هذا المدخل في المادة 20، إلا أن الاجتهادات القضائية جعلت العكس حاصلا، حيث أصبح الاستثناء هو القاعدة، مستدلة على ذلك بعدد الموافقات التي يتيحها القضاة في تزويج الطفلات والتي قاربت 90 بالمئة من مجموع القضايا. وقالت برصات، في هذا الإطار، "للأسف لم يتم تدبير السلطة التقديرية للقضاء بشكل صائب في الحد من الظاهرة وحصر الأمر في باب الاستثناء، إذ نجد أن نسب موافقة القضاء على هذا النوع من الزواج تتعدى 80 بالمئة، إلى حدود 85 بالمئة سنة 2018". وتابعت البرلمانية والقيادية في حزب التقدم والاشتراكية "كان بالإمكان اعتبار الأمر استثناء في حالة كانت نسب موافقة القضاء لا تتعدى 10 بالمئة، لكن حين تتعدى 80 و90 بالمئة فنحن لا نتحدث عن استثناء بل العكس، نحن أمام قاعدة، والقضاء مع الأسف لم يحسن التصرف مع السلطة التقديرية ولم يراع مصلحة الأطفال والطفلات أساسا". إلى ذلك، أكدت برصات أن الغاية التي جعلت المجموعة النيابية لحزب التقدم والاشتراكية ترفع مقترح قانون بهذا الشأن هو حماية الأطفال والطفلات، مشيرة إلى أنها ليست المرة الأولى التي يقدم فيها حزب التقدم والاشتراكية هذا المقترح، إذ سبق أن قدم مقترح قانون في هذا الصدد بمجلس المستشارين يرمي إلى نسخ هذه المواد من مدونة الأسرة ووقف تزويج القاصرات، مضيفة أن المجموعة النيابية للحزب، وفي ظل الارتفاع المهول للظاهرة، اختارت إعادة رفع مقترح قانون مكتمل لمجلس النواب لوقف هذه الظاهرة، خصوصا أن حوالي 10 بالمئة من عقود الزواج المبرمة تهم تزويج الطفلات. وعن كون القانون هم الطفلات بشكل خاص، أوضحت برصات أن ذلك يعود لكون الظاهرة في عمقها تمس الطفلات بنسبة تقارب 99 بالمئة، "ولذلك اعتبرنا أن الظاهرة تهم الطفلات أساسا، وهن اللواتي يتم تزويجهن في سن مبكرة وحرمانهن من حقهن في التعليم، الترفيه، وما يخلفه ذلك من آثار نفسية وصحية وكذا آثار اقتصادية واجتماعية، بحيث لا يصبح للفتاة حظوظ بأن تنمي مكانتها الاجتماعية أو الاقتصادية" تقول المتحدثة. وشددت المتحدثة أن النسبة الكبيرة التي يتم تزويجها يتراوح عمرها بين 15 و17 سنة وهي نسبة مرتفعة تصل تقريبا إلى 99 بالمئة، مجددة التأكيد على ضرورة وقف هذه الزيجات في هذا العمر باعتباره "سن الإنتاج وسنا يخول للطفلة أن تكون في مستوى متقدم من الدراسة، وهو الشيء الذي يمكنها من فتح أبواب نحو المستقبل وأن تساهم بدورها في التنمية" وفق تعبيرها. ودعت برصات إلى ضرورة التدخل لوضع حد لهذه الظاهرة التي تستفحل أكثر مما يضرب مصلحة الطفل، فضلا عن دعوتها لضرورة تكييف مقتضيات مدونة الأسرة مع مقتضيات دستور 2011 وكذا في ظل الاتفاقيات التي وقعها المغرب، وفي ظل التوجيهات والتوصيات والملاحظات المستمرة للآليات الدولية، التي توجه للمغرب من أجل وضع حد لتزويج الطفلات بما يضمن مصلحتهن ويمكنهن من حقوقهن الإنسانية كاملة على قدر المساواة مع باقي الأطفال، وهو نفس الشيء الذي ينص عليه دستور المملكة، أي ضمان المساواة بين الأطفال وحمايتهم اجتماعيا وقانونيا، مجددة التأكيد على أن الاستثناءات التي تتيحها مدونة الأسرة والتي تسمح بتزويج الطفلات "هي بمثابة عنف يمارس عليهن، لكونهن يعتبرن ضحايا لهذا النوع من الزيجات أساسا"، على حد وصفها. من جهة أخرى، وفيما يتعلق بالتفاعل الرسمي، سجلت برصات أن تفاعل الحكومة يبقى ضعيفا مع المبادرات التشريعية البرلمانية، وهو ما تؤكده الحصيلة الهزيلة لمقترحات القوانين التي يتم استكمال مساطرها حتى الأخير. وقالت برصات "إنه بالرغم من التدابير التي تقوم بها الحكومة، وبالرغم من كونها تضع لجانا لمناقشة هذه المقترحات، فهي تبدي التفاعل لكنه ليس بالضرورة تفاعلا إيجابيا، إذ يمكن أن يكون تفاعلا من أجل إدراج المقترح فقط، ولتعتبر نفسها أنها تفاعلت دونما أن تكون في حاجة لقبول هذا المقترح". وأضافت المتحدثة أن "المقترحات التي تصل إلى نهاية المسار ويتم التصويت عليها وتصدر في الجريدة الرسمية هي مع الأسف هزيلة جدا، ونحن في المجموعة النيابية لحزب التقدم والاشتراكية قدمنا مجموعة من مقترحات القوانين، كان آخرها مقترح قانون لحماية الأطفال والطفلات من العنف الجسدي والجنسي والاغتصاب الذي قدمناه كمقترح متكامل على هذا المستوى، لكن للأسف كان تفاعل الحكومة سلبيا، بالرغم من كون هذه الظاهرة تفرض نفسها وتؤرق المجتمع، وتعرض الأطفال للعنف بشكل يومي، فيما نجد بالمقابل أن العقوبات المفروضة في القانون الجنائي لا تتلاءم مع بشاعة الفعل الجرمي، ولم يتم التفاعل بإيجاب مع هذا المقترح". هذا، وأعربت فاطمة الزهراء برصات عن أملها في أن تقبل الحكومة بمقترح القانون الجديد، لكونه يتعلق بالمصلحة الفضلى للأطفال خارج كل الحسابات السياسوية الضيقة وفوق أي خلاف، داعية الحكومة إلى التفاعل إيجابا مع هذا المقترح، وكذا فتح الباب لمراجعة مدونة الأسرة بشكل شامل وملاءمة مقتضياتها مع دستور 2011 والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب.