هبت نسائم «الربيع العربي» على الحركات النسائية في البلدان العربية ,التي رأت في هذا الحراك فرصة تاريخية للرفع من سقف مطالبها في اتجاه المساواة والمناصفة في ظل هاجس تحصين المكتسبات المحققة مخافة الإجهاز عليها من قبل بعض الأصوات المحافظة، التي أتاحت لها التحولات الديمقرطية بالمنطقة هامشا من التحرك قد يمس بحقوق المرأة. ففي سياق الحراك الذي تعرفه المنطقة العربية، تأتي الحركات النسائية لتؤكد تشبثها بحقوقها من أجل تحقيق المساواة الفعلية بين النساء والرجال، على اعتبار أن تثبيت مبادىء الحرية والكرامة والمساواة بين الجنسين هو الضمان الفعلي للديمقراطية وحقوق النساء. وتعتبر الفعاليات النسائية أن الإصلاحات الدستورية التي أقدمت عليها بعض الدول العربية وخصوصا تلك التي تمر بمراحل انتقالية، تمنح نساء المنطقة في هذه الظرفية بالذات فرصة من أجل تكريس مكاسبهن في الحقوق المدنية والاقتصادية والسياسية وتكريس مبدأ المساواة في النصوص الدستورية وتأسيس ديناميات وحركيات تعزز المشاركة السياسية الفعلية والكاملة للنساء لضمان مشروع ديمقراطي منسجم وعادل ودائم. وقد شكلت التحولات الديمقراطية وأجندة المساواة والمناصفة في الدول العربية محور ندوة إقليمية نظمتها نهاية الأسبوع الماضي الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب بشراكة مع تحالف المساواة دون تحفظ، ومشاركة ممثلي منظمات غير حكومية تعمل في مجال حقوق الإنسان وحقوق النساء في الدول العربية ومنظمات وشبكات دولية وممثلين عن الحكومة المغربية. وتمحورت أشغال هذه الندوة حول التفكير في الممارسات الوطنية والجهود الحكومية بخصوص تفعيل الاتفاقيات الدولية المتعلقة بإرساء مبدأ المساواة وحظر التمييز وتبادل الخبرات والتجارب بين فاعلين وفعاليات من مختلف المشارب حول القضية الحيوية المتعلقة بالمشاركة السياسية للنساء العربيات في التحولات الديمقراطية. وفي هذا الإطار، قالت أمينة المريني مؤسسة ورئيسة سابقة للجمعية الديمقراطية لنساء المغرب في مداخلة لها خلال هذا اللقاء أنه «عندما نتحدث عن الربيع العربي فانه يتم الحديث عن جيل جديد من الشابات يعتبرن أن المشاركة السياسية للنساء لا تعني فقط احتلال الفضاء العام ولكن أيضا اقتسام السلطة». ولاحظت أن بعض الأحزاب السياسية بما فيها المحافظة تطالب بالمساواة في المشاركة السياسية لكن تتغاضى عن الحقوق المدنية متسائلة «أية قرارات يمكن لنساء محافظات في البرلمان أن يتخذن لصالح حقوق المرأة خاصة المدنية». من جانبها، اعتبرت عائشة أيت محند، رئيسة مكتب الجمعية بالدار البيضاء، أنه يتعين استغلال هذا الظرف الذي يعمم فيه التأكيد على حقوق الإنسان والحق في الكرامة للمطالبة بتمكين المرأة من المناصفة في تدبير الشأن العام وصنع القرار وفي التنمية وغيرها من المجالات، لتمتيعها بالمواطنة الكاملة. وأبرزت في هذا السياق أن الجمعية وجهت مذكرة للجنة الاستشارية لمراجعة الدستور والتي تؤكد أن «الطموح إلى المساواة في الحقوق والتمتع بالكرامة الإنسانية هو طموح مشترك بين النساء والرجال وبالتالي لا يمكن تحت أي ظرف أو لأي سبب من الأسباب أن يعترف به لنصف المجتمع وينكر على النصف الأخر». وتطالب هذه المذكرة على الخصوص بإقرار سمو المواثيق الدولية في مجال حقوق الإنسان على القوانين الوطنية يما يضمن الحقوق الإنسانية والحريات الأساسية بدون تمييز، وجعل المساواة من أهم مرتكزات الدستور بإدراجها كقيمة كونية، وإقرار المناصفة في كل ما يتعلق بمواقع القرار. من جهتها، قالت آمال عبد الهادي، من مصر، وهي منسقة التحالف الإقليمي «المساواة من دون تحفظ» في تصريح مماثل أن «المناصفة تحققت خلال الثورة المصرية بمشاركة الشابات إلى جانب الشباب في الاحتجاجات وفي التعبئة عبر شبكة الانترنت، غير أنها لاحظت أنه بعد الثورة وخلال مباشرة التعديلات الدستورية تم تغييب النساء وأكدت أنه لا يمكن تصور ديمقراطية بدون المساواة في الحقوق خاصة المدنية التي لا يكفي تضمينها في النصوص الدستورية بل يتعين تفعيلها في الواقع، مضيفة أن دسترة المناصفة في المجال السياسي لا تؤتي أكلها إلا بربطها بأنماط الاقتراع. أما عزة سليمان، مديرة مركز قضايا المرأة بمصر فترى أن النساء المصريات دفعن ثمنا غاليا من أجل التغيير إذ تعرضن للاعتقال والتحرشات لكن بعد الثورة هناك محاولة لإقصاء النساء من الشارع مع ارتفاع صوت التيار الإسلامي، وبروز الفتنة الطائفية، إلى جانب تغييب المرأة من المشاركة في لجنة التعديلات الدستورية، وفي التكتلات الشبابية. وأعربت عن أسفها لعدم وجود قرار لحد الآن بخصوص تضمين عدم التمييز ضد النساء في الدستور، مضيفة «نقوم الآن بحملة توعية للنساء على أساس أن تمنح المرأة صوتها مقابل خدمة قضاياها، لدفع الرجال المنتخبين إلى إدراج قضايا المرأة في أجندة أحزابهم. وتابعت «هناك انقسام في مصر على الكوطا نحن في وضع ملتبس كل مرة هناك فقاعات الاختبار في المجتمع، لكن القوى الوطنية لازالت تدفع في اتجاه أن يتم انتخاب عناصر ممثلة للأحزاب ولجمعيات المجتمع المدني في لجنة صياغة الدستور». واعتبرت أن «التغيير المراهن على الإرادة السياسية لا يمكن التراجع عنه لكن التغيير الذي جاء بضغط الشارع سيدوم وسيحول مصر إلى ربيع ديمقراطية النساء». من جانبها، نبهت حفيظة شقير، أستاذة ومحاضرة في كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة تونس إلى مسألة الخصوصيات الثقافية التي يتم استغلالها لتقييد الحريات، معتبرة أن حقوق النساء غير قابلة للتجزيء وجزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان. وقالت في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الاستقلال جاء بمجلة الأحوال الشخصية التي حققت مكاسب هامة للمرأة التونسية ساعدت على تغيير العقليات ونظرة المجتمع اتجاه النساء وبالتالي اكتساح الفضاء العام، مشيرة إلى أن الحركة النسائية تطالب الآن بعد الثورة بالحفاظ على المكاسب وتعديل مجلة الأحوال الاجتماعية على غرار المغرب والجزائر لتحقيق المساواة في كل المجالات. وأبرزت أن معظم النساء اللاتي شاركن في المظاهرات كن ينتمين إلى المنظمات غير الحكومية وأن المناصفة هي انتصار للمجتمع المدني هدفه تحقيق الديمقراطية والتمثيل المتساوي في كل الهياكل السياسية مما يفرض دسترة عدم التمييز بين الجنسين. من جانبها، أبرزت سوسن زكزك، عضوة بالمكتب التنفيذي للرابطة الديمقراطية للنساء السوريات في مداخلة لها خلال الندوة دور المرأة السورية في الحراك الديمقراطي الذي تشهده سورية من خلال تنظيم مظاهرات نسائية مستقلة والاعتصامات وتشييع الشهداء. ولم يفتها التذكير بتظاهرة «جمعة حرائر سوريا»؛ التي نظمها الثوار السوريون تضامنًا مع نساء تعرضن للاعتقال والإهانة على أيدي قوات الأمن. وأشارت إلى أن النساء يركزن في بياناتهن على قضايا تهم وقف العنف والاعتقالات والانفراج الديمقراطي إلى جانب المطالبة بإقرار قانون حديث للجمعيات غير الحكومية يسمح لها بالعمل دون تدخل الجهات الوصية. وأضافت أن قضايا المرأة كانت أيضا حاضرة بقوة في الاحتجاجات من قبيل إلغاء الميز القائم على الجنس وإقرار المساواة من اجل بناء مجتمع ديمقراطي حديث تظل تطلعات الحركات النسائية في هذا المنعطف التاريخي الذي يشهده العالم العربي مشتركة في سياقات متباينة مما يستدعي التكتل والعمل بشكل جماعي باستعمال أفضل الآليات للتأثير على صناع القرار لاسيما في ما يتعلق بعدم التمييز بين المرأة والرجل وتعزيز الحقوق المدنية.