من يتابع هذه الأيام القنوات التلفزيونية الجزائرية، يخيل إليه أن البلاد بصدد خوض حرب مع عدو أجنبي اعتدى عليها، وأنها عبأت إعلامها الرسمي، بدوره، لخوض الحرب. ولكن المشكلة ألا شيء من هذا وقع، وأن الأمر يتعلق فقط بجنرالات النظام العسكري هناك فرضوا على إعلامهم الرسمي، وحتى الخصوصي، أن يتفرغ كاملا للتهجم على المغرب وشتمه والافتراء عليه واستهدافه. المغاربة يتابعون كامل هذا الخواء التلفزيوني بالسخرية والتفكه، وأيضا بالإشفاق مما يقع لدى جارنا الشرقي. تفرض علينا الصراحة أن نقول لأشقائنا الجزائريين، ولزملائنا الإعلاميين هناك، إن ما يعرضونه في وجه الجمهور تنعدم فيه القواعد الأولى والبسيطة من المهنية، ولا يمتلك لا إتقانا في الحرفة، ولا جاذبية ولا إبداعا، ولكنه يطفح بالغباء. ونقول لهم خصوصا، وبالكثير من المحبة والشفقة، أن العقلية التي تقف وراء اقتراف هذا الخواء وتقديمه للناس، هي عقلية قديمة ومتكلسة وعمياء، وبلا نظر أو عقل أو ذكاء. عندما نقوم بفبركة مشاهد وقصص ووقائع لحرب غير موجودة في الميدان، وعندما نلقن لصحفيين حوارات وسيناريوهات ركيكة أعدت من خارج مقرات التحرير، ويتولون استظهارها أمام الكاميرات بكثير من التلعثم، فإن أصغر طفل في هذا الزمان يستطيع فضح المقلب، وبإمكانه أن يدرك أن الحكاية كلها ليست سوى كذبة من زمن آخر. كل من يصل هذه الأيام إلى الكركرات أو المحبس أو إلى أي نقطة في أقاليمنا الجنوبية، يلاحظ بسهولة أن الوضع آمن، ولا وجود لحروب ولا هم يحزنون، ووحدها وسائل الإعلام الجزائرية تختلق حروبا وتروج لها، ولا أحد شاهدها أو سمع بها، ولا أحد تابع الانتصارات المتخيلة من لدن إعلام الجيران سواهم وحدهم. ليس هناك اليوم أكبر أو أفظع من هذا الغباء، وعندما يكون الزملاء في الإعلام الجزائري وحدهم يتحدثون عن حروب لا أثر لها في الميدان، ووحدهم يصرون على ترويج تعليمات عسكر النظام بلا تفكير أو عقل أو يقظة ضمير، فالخوف أن يكون الجنون مس الأهل على مقربة منا، وأن تكون عقدة المغرب تفاقمت إلى هذا الحد الباتولوجي، ونجم عن ذلك كل هذا السعار، وكل هذه المهزلة التي يضحك عليها العالم بأسره. من المؤكد أن الشعب الجزائري نفسه يسخر من سيناريوهات العسكر وأكاذيب الإعلام الرسمي هناك، ومن هذه الحملة الممنهجة ضد المغرب والمغاربة، وهناك أصوات، فعلا، ترتفع وتبرز عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتعبر عن ذلك بشكل واضح. ومن المؤكد كذلك أن الطغمة الحاكمة هناك تعيش التيه، وباغتتها الإنجازات الديبلوماسية والسياسية والميدانية المغربية، وبدل الانكباب على أزماتها الداخلية ومطالب الشعب الجزائري، انفصلت عن العقل وعانقت عداءها المرضي للمغرب، وبقي كل المراقبين يتساءلون: أليس هناك عقلاء في هذا البلد؟ لم يكتف بارونات العسكر هناك بالكذب على التاريخ وتحريفه، وتجييش الشعب على العداء للمغرب والخوف منه، ولكنهم جروا أيضا الإعلام المحلي، وحولوه إلى ماكينة بروباغاندا لا تختلف عن أي فيلق في الجيش، وبذلك صارت وسائل الإعلام وعدد من الصحفيين جزءا من المشكلة بدل أن يكونوا أداة من أدوات الحل. الزملاء الجزائريون اختلفوا دائما، وطيلة سنين، بشأن تنظيمهم النقابي المهني الداخلي، ولم يعد لهم حضور مهم على صعيد التنظيم المهني العربي أو الدولي للصحفيين، ولم ينجح ناشرو الصحف في هيكلة تنظيم فيدرالي مغاربي للتنسيق والتعاون فيما بينهم، بسبب ذلك أيضا، ولكن، بشكل غريب، نجدهم يتفقون على تأسيس جمعية لدعم الانفصال واستهداف الوحدة الترابية للمغرب، وتحولوا بذلك ليكونوا أنفسهم تجليا آخر من تجليات العبث والغباء و… السقوط. كل ما تقترفه القيادة العسكرية الجزائرية وماكينتها الإعلامية صار معروفا ومكرورا وباعثا على السخرية والشفقة، ولن ينفع الجنرالات في شيء. لا يمكن أن نستمر إلى ما لا نهاية في الكذب على الناس، وفِي الحديث عن معارك وانتصارات هي أصلا غير موجودة إلا في العقل المريض لمن يتوهمها ويروجها. الزمان ليس هو الزمان، ووسائل التواصل والتنقل صارت تسهل الوصول إلى الحقيقة، وتفضح الأكاذيب، وتهزأ من المرضى ومتكلسي العقول ومنعدمي النظر. في المغرب، قضية الوحدة الترابية هي قضية المجتمع والدولة، والصحافة الوطنية عندما تتصدى لاستهداف الوطن وللأكاذيب المروجة ضده، تفعل ذلك باستقلالية ومن دون أوامر عسكرية…. هي تتصدى لكل الخصوم، ولكل المغالطات من باب القناعة الراسخة، واصطفافا في عمق الدفاع عن الوطن وعن حقوق وطنية مشروعة. أما إعلام جارنا الشرقي، فننصحه أولا بقليل من الذكاء والمهنية والتقيد بالأخلاقيات، وثانيا ببعض الاجتهاد والإبداع وتعلم الحرفة والرفع من المعرفة، ثم ننصحه كذلك بالاهتمام أولا بالأخبار والقضايا التي تعني الشعب الجزائري، ومنحه الأخبار التي يريد معرفتها، وتهم واقعه الاجتماعي اليومي، ومعضلات الحياة، وانتظارات الحراك الشعبي ومطالبه وتطلعاته، ومستقبل نظام الحكم وصراعات باروناته… نأمل للطغمة الحاكمة لدى جيراننا امتلاك العقل وبعض الذكاء، ونتمنى أن يكون الإعلام الجزائري داعما للحل، وحليفا للتلاقي والأخوة، بدل كل هذا السعار البليد. ولأهلنا في الجزائر السلام والتحية. محتات الرقاص