أسماها إعلام العسكر هناك « السقطة الأخلاقية للإعلام المغربي »، وتبارت قنوات تتحدث عربية ركيكة، بأخطاء إنشائية وإملائية عديدة في وصف هاته السقطة، وفي التعريف بهاته الزلة، وفي التأكيد على أن أخلاق المغاربة وصلت إلى الحضيض هاته المرة فاجأتنا البكائيات الجديدة لإعلام الجنرالات في الجزائر، فذهبنا نبحث عن السقطة التي ارتكبناها في هذا الإعلام المغربي المسكين، فوجدنا أن مايعيبه علينا أهلنا وإخواننا هناك في الجزائر هو أننا لم نفهم مغزى وجود عدد كبير من الانفصاليين في طائرة عسكرية جزائرية قال القائل من علياء غبائه هناك إن الأمر يتعلق ب «رعايا صحراويين » كانوا في طريقهم لتلقي العلاج رفقة أقارب لهم. وقال القائل الآخر مزهوا بخرافته، إن الأمر يتعلق بمدنيين ضلوا الطريق إلى الطائرة العسكرية التي سقطت، ولم يعرفوا لماذا ركبوا فيها أصلا، وقالت تلفزيونات وإذاعات وجرائد البد الشقيق عديد التبريرات التي لا تقنع أحدا عن هذا الأمر. عدنا إلى هدوئنا المعتاد، ذلك الذي تلفع فيه هذا البلد منذ البدء مع جاره الشرقي المسيء لنا دوما وأبدا، وذكرنا الجزائريين أو من أراد تلقيننا دروس الأخلاق أننا في هاته الحكاية بالتحديد لا نحتاج لمن يلقننا دروسا دوما وأبدا كنا في هذا البلد نميز بين الشعب الجزائري الطيب، البريء المسالم، المحب للمغرب، وبين متنفذي المرادية الذين قادوا ذلك البلد إلى الهوان وإلى الصورة المخجلة التي يحتفظ عنه بها العالم اليوم دوما وأبدا في هذا المكان، كنا نقول إن سعار الحكام في الجزائر وإن دام منذ ستينيات القرن الماضي، ومنذ حرب الرمال، ومنذ أسست الجزائر من العدم كيانا وهميا أنفقت عليه ملايين الدولارات من مال الجزائريين الفقراء، إلا أن هذا السعار سحابة صيف وستمر، حتى وإن امتدت لقرون عديدة دوما وأبدا كنا نقول في هذا البلد الأمين، إن العقل سيجد طريقه ذات يوم إلى أذهان من يمسكون بتلابيب الجزائر، لكي يفهموا أن مصلحتهم توجد هنا في المغرب، وفي علاقة سوية وطبيعية مع المغرب، وليس في تمويل وتسليح انفصاليين وحمل رسالتهم إلى المنتظم العالمي والدفاع عنهم بكل الوسائل أمام دهشة الجميع لكن لم يسمعنا متنفذو الجزائر أبدا. ساهموا بمالهم وسلاحهم وعتادهم في مقتل أبناء لنا يوم كانت الحرب دائرة، ولم نقل لإعلامهم يوما إنه ساقط أخلاقيا وهو يحتفي بمقتل جنود من القوات المسلحة الملكية دفاعا عن وطنهم، لا دفاعا عن الارتزاق لم نذكر من يسيرون الجزائر يوما أن أكبر سقوط أخلاقي يمكن أن يتورط فيه جار هو أن يصنع من العدم لجاره مشكلة تدوم وتدوم وتعرقل تنمية البلدين معا منذ عقود. لم نذكر الساقطين الفعليين هناك أن عديد التوقف الذي تعرفه المنطقة، ثم عديد الكوارث من الإرهاب إلى الهجرة السرية إلى تهريب المخدرات وفي مقدمتها حبوب الهلوسة القادمة من الجزائر كل هذا يدل فقط على أن السقوط الأخلاقي ماركة مسجلة ومحفظة باسم متنفذي الحزائر وحتى عندما بلغنا النبأ الحزين لسقوط الطائرة لعسكيرة، وحتى مع علمنا بنبأ وجود انفصاليين ضمن العسكر الذين قضوا في ظروف غريبة وغير مفهومة ويلزمها التوضيح، إلا أننا امتلكنا مايكفي من المروءة المغربية، تلك التي نشترك فيها مع الشعب الجزائر لكن التي لا يعرفها حكام الجزائر، لكي نترحم على من ماتوا، ولكي يرسل عاهل البلاد تعزية صادقة وإنسانية مؤثرة إلى بوتفليقة، ولكي نقول بعد ترديد عبارات العزاء والحزن الصادقين « لا حول ولاقوة إلا بالله »، وبعدها استجمعنا قوتنا لكي نطرح السؤال « ما الذي كانت تفعله تلك الجماعة من الانفصاليين - وهم أيضا اليوم عند ربهم والرحمة تجوز على الحي قبل الميت - في تلك الطائرة العسكرية التي سقطت أو أسقطت الله أعلم؟ » أين السقوط الأخلاقي في كل هاته الحكاية المحزنة حزن ماتفعله الجزائر بالمنطقة منذ سنوات؟ لايوجد هنا في الرباط أو البيضاء أو مراكش أو وجدة أو فاس أو غيرها من مدن المملكة. نعلم علم اليقين مكان تموقعه ومكن تطوره حد التدهور وحد العته وحد الهذيان: إنه هناك في البلد الشقيق أيها « الأشقاء»، لكنه إسقاط الطائرات الشهير، ذلك الذي يجعلك تكذب وتكذب وتكذب إلى أن تشرع في تصديق نفسك، ولاتدرك أن الجميع يرى أنفك يزداد طولا يوما بعد يوم !