مومس مساء ضبابي آخر في عالمي، للمرة الألف يتعطل عمود النور، سأحاول أن تخيل أن الشارع مضيء لأخفف من إحساسي بالخوف، تزينت بمساحيق التجميل لأخفف من منظر شحوب وجهي والزرقة المحيطة بعيني، لبست الفستان البنفسجي الذي اشتراه لي احدهم، قال إنه أحب لونه على جسدي، لم أستطع تذكر اسمه أو شكله، فقد كان مجرد عابر سرير. خرجت من منزلي، وكلي أمل أن أجد إحساس الانتماء والطمأنينة الذي لم أجده لا في الملابس الثمينة ولا السقوط في أحضان العديدين، مررت من الشارع المظلم، كاد قلبي ينتزع من مكانه، فكرت لحظتها في الموت، ماذا لو أتى الآن؟ تركت السؤال عنه خلفي، بعد أن كاد تأنيب الضمير يعانقني عندما لمحت سيارة الأجرة في نهاية الشارع، ينتظرني سائقها كعادته في كل ليلة، ركبت بتثاقل، وبدأت باسترجاع ذكرياتي عن المنزل القصديري الذي ولدت فيه ،إلى الحرمان، ثم الضياع، صور من هنا وهناك، تسكن ذاكرتي المشتتة بين ماضي وواقعي المر، لا زلت أذكر عندما دخلت في دوامة التحدي، تحدي الفقر، ثم حصولي على الإجازة التي ظننتها منقذتي، والفارس الذي سينسى الليالي الطويلة من الكد والجهد... أخذت إجازتي ورحت أجوب بحثا عن عمل. جبت وجبت لكن لا عمل، انضممت لجماعات، ورحت اذهب في وقفات احتجاجية، في كل مرة كنت أسقط في أحضان الساحة، أما الآن فأسقط في أحضان الرجال.. قاطعني السائق: ''لقد وصلنا'' أجبت: «أنت وصلت أما أنا فنفيت». سموم بلبل من حروف تكبر الحروف في فمي تأبى انحباسها الحراري فتخرج فيحاء على غصن القلب الفينان تحط سوسنا لا يشاكسها همس أو صمت علنا تغازل شعلتي الملتهبة من المطاوي تبزغ قمرا من الارتعاش في شأن المفقودات تُقحمُني تنتشلني من ضباب يغشاني فأنبعث من رمسي زهرة ريحان في حضني الضاري أشد بلبل شعري من خيط في لساني يَسكُب شهده في وعائي الكسير فأردم نوازع تتأهب لاكتساحي.