الحلم بوطن اليوم ممكن.. احتضن المركز التربوي الجهوي محمد الخامس بآسفي مؤخرا، عرضا مسرحيا بعنوان «خبز وطن وسمك» قدمه النادي المواطنة والتربية على حقوق الإنسان والمبادرة التابع لثانوية الحسن الثاني. النص مقتبس من رواية «خبز وحشيش وسمك» للكاتب عبد الرحيم حبيبي، وقد أعد النص المسرحي الشاب علي البويشة وشهر شباب العرض على إعداد العرض وإخراجه تحت إشراف الأستاذة جحا فاطمة الزهراء مع المساهمة الفعلية في إعداد الممثل للمسرحي المهدي تاليل (من مسرح رؤى). واللافت أن مسرحية «خبز وطن وسمك»، تندرج في إطار التحسيس على القيم بحس تربوي وفني مع ترك مساحة مهمة للممثلين كي يكشفوا عن مواهبهم في الأداء المسرحي ولو بشكل متفاوت، وساعد التوليف الذي قام به الشاب علي البويشة في إيجاد صيغة لنص درامي، عبارة عن لوحات تحاول أن تخلق رابطا دراميا يتمثل في الحلم بوطن للجميع دون تمييز. وساهم العرض المسرحي في اعتماده على أداء الممثلين والتأثيث الموسيقي الذي أشرف عليه الموسيقي عبدالحق الوردي بمساعدة الفنان جمال بوطاهر بمعية الصوت الملائكي «الطفلة الكفيفة» حسيبة منصت، في جعل العرض المسرحي فضاء لإبراز مؤهلات شباب يحاول جاهدا أن يخلق لنفسه هامشا جماليا امتد طيلة ستون دقيقة، كي نحصل في النهاية على سلسلة من المواقف الساخرة التي ما تلبث أن تتحول دراميا الى مشهد جنائزي ينتقد بشدة المؤسسة/السلطة التي سلبت روح شاب يحلم بتمثيل الساكنة عوض الهجرة لكنه يسقط صريعا جراء سلب هذا الحق. وقد حاولت المسرحية من خلال الصور الثابتة أن تعيدنا لتاريخ قديم، استلهمته من أجواء النص الروائي، تاريخ آسفي، وهي السوينية بأناسها وقد أجادت الممثلات في اللوحة الأولى (حفصة رمضان، نورالهدى كركور، زينب محسين ولمياء الشونة) بحس فني بالغ إدخالنا في أجواء وطقوس هذه العوالم، كما شكلت بعض اللوحات الأخرى لعل أبلغها لوحة «مقدم الحي» (لعب دور المقدم الشاب شكيب الفطناسي ببراعة) في إعطاء صورة كاريكاتورية ورمزية في آن عن طبيعة «المخزن» حين كانت اللوائح الانتخابية والصناديق تصنع في الخفاء في تهريب لإرادة المواطنين. وقد ساعد الحضور الساخر لشخصية المقدم، إلى جانب «مول الحامض» (ياسين الوغليسي) في جعل الصورة أكثر مدعاة للسخرية. ولم تخل مسرحية «خبز وطن وسمك» من نقد صارخ للمرحلة السابقة، ومن الوقوف على تناقضاتها وربما أسعف حضور شخصية «مول الحامض وتراب الصيني» في تكريس هذا المنحى رغم ما تمثله هذه الشخصية من بعد رمزي وتاريخي لدى العديد من ساكنة آسفي. كما أن شخصية جلال (علي البويشة) مع أولاد الدرب (مهدي بويشة، زهير معلوم، مهدي البصري) الذين قرروا تحقيق حلمهم في انخراطهم الواعي بهموم وقضايا وطنهم. وأضافت شخصية «الساردة/الممثلة دعاء الدريري» ملحا خاصا في مساحات الصمت التي تخلقه، ومن خلال حركة الإدانة. الأكيد أن العرض الذي قدمه النادي بفضاء المركز، ينم عن رغبة أبعد ما تكون عن أفق تربوي بسيط، بل إن القدرات والأداء التمثيلي لفريق العمل ككل، عبر عن قدرات فنية تحتاج للتأطير وتحتاج أكثر لتنفس فضاء يليق بإمكاناتها ويحتاج أيضا لمواضيعه هو ولهمومه ولأسئلته كي يمسرحها وهو ما كان يمكن أن يعطي نوعا من التحرر في الأداء والإحساس أكثر برسالتهم. ولا يمكننا هنا الحديث عن العمل المسرحي وبياضاته في الكتابة الدرامية والإخراجية، مادام الجيل الذي حلم ب»وطن» فيه «خبز وسمك» و»كرامة» يظل أفقا ممكنا.