شخص مراسلان في صحيفة فايننشيال تايمز مرض شركات تكرير النفط بالكآبة، بسبب انهيار أسواق النفط! المراسلان لم يتطفلا على مهنة الطبيب النفسي، بل كانا يمارسان مهنتهما الصحافية بامتياز وهما يعدان تقريرا عن الانهيار الأسوأ الذي تعاني منه مصافي النفط منذ عقود، تاركا المعامل حول العالم عرضة لخطر الإغلاق. وعزيا إصابة تلك الشركات بالكآبة كمرض العصر الذي يصاب به الإنسان وبدرجة أقل بعض الحيوانات، إلى انخفاض الطلب على الوقود بينما المخزون يتضخم، في حين أن عمليات تكرير النفط الخام أصبحت أكثر تكلفة بعد تخفيضات عميقة في الإمدادات بقيادة أوبك، ما يقلص هوامش المعامل التي تحوّل الخام إلى منتجات مثل الديزل ووقود الطائرات والبنزين. وهكذا تصبح الحكومات أطباء الشركات لحقنها بالأموال وخطط الإنقاذ لإبقائها على قيد الحياة. الكآبة لم تعد مرضا بشريا في شهور كورونا، إنها مرض شامل أصيبت به الطرقات والمتاجر والمطاعم والحانات، لكن بمجرد تأمل المباني الضخمة الخالية من الموظفين نعرف أن تعافي الشركات من الكآبة ليس واضحا بعد. إصابة الشركات بمرض معد ليس كإصابة الإنسان به، الكئيب لا يعدي جاره بالمرض ولا أفراد أسرته، أما الشركات الكئيبة المغلقة العاجزة عن دفع رواتب موظفيها وتقليص نشاطها والاستغناء عن العاملين فيها، فقد تنقل كآبتها إلى الأفراد لأنها تتركهم وحدهم في محنة البحث عن حل لمصيرهم بلا عمل. الشركة الكئيبة تكابر على خمولها وتجترح الحلول تأسيسا على وجهة النظر المتفائلة بوجود طلب مكبوت كبير بعد شهور الخمول التي أصابت العالم. لذلك ربما تكون هناك زيادة في الإنفاق إذا كان هذا يجعل الشركات أكثر ثقة، ربما توظف عددا أكبر مما هو متوقع. يعبر مارتن وولف المحلل الاقتصادي في فايننشيال تايمز عن شيء من هذا التفاؤل الحذر بقوله إن المرحلة الأولى من الاكتئاب الناتج عن كورونا انتهت وسرعة الانتعاش فاجأتنا حتى الآن، لكن الكثير من الأمور الغامضة تنتظرنا. ينبغي عدم تخفيض الإنفاق والتكاليف مبكرا، وينبغي الاستثمار في المستقبل والاستفادة من الفرص الجديدة. ويطالب أن تكون هذه الأفكار مرشدنا. كل الذي تعمله الشركات والمكاتب المكتئبة فإنه لا يتعدى أن يكون ضروريا لبقائها على قيد الحياة. ومن المؤكد أن صندوق الإنعاش الحكومي دواء جيد يمكن إدارته لمكافحة آثار الوباء، وستكون حكومات دول العالم مقصرة إذا خفّضت جرعته. لكن التجارب علمتنا مثلما علمت الشركات أن الحكومات حتى الديمقراطية منها ليست محبا عطوفا للناس وللشركات، بل هي أكثر أنانية حتى وإن أدت تلك الأنانية إلى إصابة قطاعات حيوية بالكآبة، لذلك سيكون من الخطأ التاريخي المبالغة في أهمية خطط تخليص قطاعات الاقتصاد من الكآبة.