تشتمل هذه السلسلة على حوارات مع مبدعات ومبدعين من مشارب مختلفة، تختلف اهتماماتهم واتجاهاتهم الإبداعية، لكنهم يلتقون حول نقطة بعينها، ألا وهي الصدق في العطاء الفني والطموح إلى التجديد. في هذه الأيام المطبوعة بالوباء وبإكراهات الحجر الصحي، فتحوا لبيان اليوم صدورهم وتحدثوا لنا عن تجاربهم الإبداعية، عن معاناتهم، وعن أحلامهم وطموحاتهم. من هو جاسم الصافي؟ جاسم الصافي كإسم أدبي وإعلامي، فيما جاسم محمد محسن هو الاسم الحقيقي، من مواليد البصرة سنة 1971، عضو اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين، عضو نقابة الصحفيين العراقيين، عضو اتحاد المسرحيين العراقيين، حاصل على شهادة البكالوريوس في كلية آداب من جامعة ذي قار، تنقلت في العديد من الأعمال كمعد برامج، ومونتير تلفزيوني، وأخيرا كصحفي، نشرت لي العديد من القصص والمقالات في صحف محلية وعربية ودولية، ومن أهم مؤلفاتي " شظية في الذاكرة " مجموعة قصصية، " قوافل الرحيل " مجموعة قصصية، " الموعد في زمن الغياب " رواية، " كنت نبيا " رواية، " سلطة النص المقدس " دراسة، " المثقف السياسي " دراسة، " المرأة نزولا من السماء " دراسة . ما هي المهنة التي كنت ترغب فيها غير التي تمارسها الآن ؟ اعتقد أني حصلت على ما أريد، رغم انه جاء متأخرا، وهو أن أجد وقتا لأمسك القلم وأكتب، وكما يقال أن يأتي متأخرا خير من أن لا يأتي أبدا، لذا أعتقد أني الآن في المكان المناسب الذي كنت أحلم به. ما هو أجمل حدث عشته في مسارك الإبداعي ؟ حين اعتليت خشبة المسرح شعرت حينها بدنوي من الحقيقة، وأننا نعيش زيفا كبيرا سنصحو منه ذات يوم، والحقيقة أن كل ما نمتلكه في هذا العالم ما هوإلا هذه اللحظة (الآن ) وهي الوحيدة التي نتحكم بها فلا ماضي يرجع بنا ولا مستقبل يمكن أن نخطط له، بل قدر عبثي يتخبط في نواميس إلهية ولا ينفلت منها إلا إلى نهاية واحدة وهي … الموت، وحين مثلت أدركت دور العبودية المناط بنا، ان نتحرك بحساب .. ونتكلم بحساب .. ونعيش بحساب، لذا تمردت على كل هذا، وبدأت أذنب وأتوب … وأذنب وأتوب، حتى صرت أرى ما يحرك الناس من خيوط سماوية، وأسمع أفكارهم , وصرت أنا من يرى ….كل الخطايا والذنوب قبل وقوعها، حينها أدركت أني أصلح لأن أكون كاتبا . ما هو أسوأ موقف وقع لك في مسارك الإبداعي ؟ الخسارات وما أكثرها، لكن أكبرها أن تخسر من تحب، حينها تعيش عالمين، عالم يرتهن لحنين الماضي، وعالم مرتبط بلوعة الفراق، وقد خسرت أغلى الأصدقاء ( علي جويد ) في السجون و ( باسم عواد ) في الغربة، خسرت الأول لأننا كنا نفكر فاعتقلونا، وخسرت الثاني لأننا أردنا أن نعيش فاستعبدونا، ولأن الشجاع هو من يموت مرة واحدة فقط، خسرت أشجع من عرفتهم، وبقيت أموت كل يوم .. وأنا بانتظار أن يعودوا ما هو الشيء الذي كنت تطمح إليه ولم يتحقق لحد الآن ؟ كنت أتمنى أن يأتي التغير السياسي في عام 2003 بالاستقرار لبلدي، لكن يبدو أن قدر هذا البلد أن يتكرر في حروب وحروب، والى الآن مازلت انتظر الاستقرار، مع أني تعودت أن أترنح مع الأموات، لكن لا روح تهجر الأرض، ولا جسد يتوسد بطنها، ومع هذا قدري أن انتظر وهذه المرة ليس من أجلي بل من أجل أبنائي , أن تستقر البلاد التي لم ولن تستقر على ما يبدو .. ما هي نصيحتك لشباب اليوم ؟ أن لا يكرروا خطأ القطيعة الذي ورثناها جيلا بعد جيل، بسبب الفهم الأحادي للإصلاح والتغيير، لذا تصارعت جبهتان من يريد تغير الواقع إلى الوراء أو تغير الحاضر بواقع جديد، وأخلفنا على موقع الحصان خلف أم أمام العربة، لهذا أضعنا الأمرين لا هوية الماضي ولا أمل المستقبل، وهكذا صرنا ( كما ألأسفنجه نمتص الحانات فلا نسكر ) ما أريد قوله لهذا الجيل أن لا يحدث قطيعة بين الماضي والحاضر بين النقل و الإبداع بين الإباء والأبناء , وبالتالي تكون أزمة ثقافة وعصيان للتراث أن لا نبدأ من حيث انتهى العالم كما يقول الحمقى، بل أن نبدأ من هنا مع هذا العالم، فما علينا ألا أن نتجاور ونتصالح مع الأمس، وهذا ما فعل الرجل الصيني والياباني، حين صار أوربيا في العمل وشرقيا في البيت، فحقق توازنا ورقيا وتطورا في مجتمعه، إن ما نحتاجه لردم تلك الفجوة ووصل القطيعة هو عبر مصالحة وتوازن ومجاورة بين الأجيال بين الأمس واليوم، لنرى المستقبل في أحلام شبابنا قبل أن يتكرر الضياع. كلمة أخيرة؟ أتقدم بالشكر الجزيل للأستاذ محمد الصفى على هذا الحوار الجميل والممتع، وأرجو أن لا أكون ضيفا ثقيلا فيما طرحته على صفحات جريدتكم الغراء وعلى بلدي الثاني المغرب الحبيبة.