لطيفة لبصير قاصة وباحثة مغربية، من جيل التسعينيات، والذي شهد ظهور أسماء مهمة أثرت المشهد القصصي المغربي والعربي. حاصلة على دكتوراه من كلية الآداب جامعة الحسن الثاني. وتعمل حاليا كأستاذة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة الحسن الثاني. صدرت لها المجاميع القصصية : "رغبة فقط"، "ضفائر"، "أخاف من.." ، و"عناق"، وكتاب في النقد موسوم ب"سيرهن الذاتية، الجنس الملتبس" ..ولها أيضاً مجموعة قصصية مشتركة مع القاص الإسباني نافارو. ومؤلفات أخرى مشتركة مترجمة بالإسبانية والألمانية. في الحوار التالي نلامس مع لطيفة تجربتها القصصية بصفة عامة، وتحدثنا عن كتابها الجديد " سيرهن الذاتية، الجنس الملتبس". 1-صدر لك مؤخرا عن دار نشر سورية كتاب جديد موسوم ب" سيرهن الذاتية، الجنس الملتبس". ومن خلاله تحاولين الجواب على أسئلة من مثل كيف تكتب الكاتبة العربية سيرتها؟ من أين يأتي متخيلها؟ وماذا عن ثنائيات المتعدد داخل كتاباتها من بناء نرجسي إلى خنثوي؟. هل يمكن أن تحدثينا عن هذا الكتاب؟ ج: في الحقيقة، ضمن السؤال هناك جزء من الجواب، فالكاتبة العربية تكتب عن عالمها الشخصي من خلال عوالم التخييل، ربما التخييل الكاذب/ الصادق الذي تسعى إليه كاتبة السيرة الذاتية وهي تصوغ عالما خاصا عنها يمرر الكثير من الثنائيات على المستوى الداخلي وعلى المستوى الخارجي أيضا. ولذا ففي السيرة الذاتية وجدنا أن اللغة تختلف في الحديث عن الطابوهات النسائية، ولذا فحين عمدنا إلى نوع إحصائي للكلمات التي تصدر عن النساء في كتابة السيرة الذاتية، وجدنا أن النساء يهذبن اللغة بشكل من الأشكال وينتقين الألفاظ ويصغنها من خلال مجازات واستعارات تضمر العديد من المراتب الأسلوبية مثل التلطيف والتدوير والقلب الجمالي إلى غير ذلك. وهناك شيء هام من خلال هذه الكتابات، هي المزاوجة بين خطاب الحقيقة وخطاب الجمال، وهي الصيغة التي أنتجت جماليات في الأسلوب وأوصافا جميلة جدا، بشكل أضفى هالة من الجمال على الكتابة السير ذاتية، إضافة إلى ثنائيات الأنا والأنا الأعلى داخل الأسلوب، هناك ثنائيات النرجسية التي تأتي ضد المضطهد الآخر، والذي تسعى الكاتبة إلى دحضه، ولكن الأشكال يتأتى أنه حين تسعى الكاتبة إلى دحض هذا المضطهد المجتمعي تسقط في صورة ثنائية ثانية تتجلى في حضورها المزدوج كامرأة وكرجل وبذلك يصبح حضورها خنثويا لأنها تتخيل الموضوع من زاوية لا هي بالذكورة ولا هي بالأنوثة، ووفقا لذلك يبدو الزمن الاستعادي للكاتبة نابعا من خلال صوت وسيط هو صوت الساردة التي تعيد بناء الماضي من خلال تخييل أشياء لم تحدث، ومن خلال بعد الإضافة، ولذا فهي تقوم بصنع هذا العالم الأسري الذي لم تعشه من خلال رواية أسرية يكون الغرض منها هو تحويل المتلقي من وضع إلى وضع، والكتاب فيه العديد من الأطروحات النظرية بشكل تفصيلي. 2-" سيرهن الذاتية، الجنس الملتبس" هو أول كتاب لك خارج جنس القصة، هل تجنسينه ضمن الكتب النقدية أم في جنس آخر؟ ج-نعم، ولكنني أكتب العديد من الدراسات النقدية. وأصنف هذا الكتاب دراسة نقدية ،لأن المهم فيه هو التركيز على الأعمال الأدبية ومحاولة الخروج من خلالها إلى خلاصات، عبر تتبع مساراتها السردية وتتبع الجمل والأفعال والخطابات الملتوية واللغات المستعملة وطرق صوغ هذه السير إلى غيرها. 3-يمكن القول إن الكثير، إن لم أقل أغلب قصصك عن عوالم نسائية، أو تلك التي تحضر فيها النساء بقوة، حدثيني عن هذا الإختيار؟ ج: شخوصي هي من دم أنثوي ودم رجالي أيضا، ولكن المهيمن هي الشخوص النسائية بحكم أنني امرأة أولا مرت بالكثير من التفاصيل والتغيرات الفيزيولوجية والنفسية، ولذا فالقرب هو قرب الإحساس بهذا الجسد وهذه الروح ودرجة القرب تجعل الكتابة لا تستطيع أن تنفض يديها من الإحساس بما تشعر به المرأة من صوت مأزوم وألم لا ينتهي، ورغم أنني أتلون في الضمير من ضمير المتكلم الأنثوي إلى ضمير المذكر الذكوري، إلا أنني أنجزت نصوصا كثيرة عن الأنثى وأفردت لها مجموعة قصصية خاصة بعنوان "ضفائر"، وهي تحكي عن نساء يحملن أسماء وهواجسا وأحلاما مختلفة، منها عالية، منانة، زهرة، ليلى، زينب، غيثة...إلى غيرهن. وكان اختيار الأسماء دليلا أنثويا وهوية تختلف من امرأة إلى أخرى وعوالم لا حصر لها من البناءات والمعاني. 4-هل يمكن في نظرك التفريق بين أدب يوصف بالنسائي ، ومكتوب من طرف النساء وبين آخر رجولي ، أم أنك ممن يفضلون عدم إجراء مثل هذه الفروقات في الأدب، الذي يظل أدبا واحدا بغض النظر عمن يكتبه؟ ج-في الحقيقة، أؤمن بأن المشاعر الإنسانية هي كل لا يتجزأ، كأن نقرأ مثلا نصا كتبته امرأة بضمير المتكلم الذكوري ولا نعرف أن وراء النص امرأة أو العكس يمكن للرجل أن يكتب نصوصا بضمائر أنثوية ولا نجد أن وراء النص رجل. ولكنني رغم ذلك حين قمت بدراسة سيرهن الذاتية وجدت أن هناك اختلافا في طرق كتابة السير عن الرجال، وذلك لكونهن يبتعدن عن المباشرة في السرد، ويفضلن الاختفاء وراء لغة في حاجة إلى لغة تصفها. 5-كيف ترين "الكتابة النسائية" في المغرب، وهل تجدين أن الكاتبة(القاصة والروائية على الخصوص) قد استطاعت فرض نفسها ومنافسة الرجل وكسر ذلك "الاستبداد الذكوري" الذي كان سائدا في الماضي في جميع الأشكال الإبداعية؟ ج:في الحقيقة، رأيي الشخصي أنني كامرأة لست في حاجة إلى منافسة، لأن تاريخ الرجل في الكتابة هو أقدم من تاريخ المرأة، وتبعا لذلك فإن البحث عن هذه المقارنة لا يجدي، ربما يمكن أن نقارن بين نتاج أدبي ونتاج آخر، وإن كنت أرى أن الكاتبة المغربية قد حققت تقدما على مستوى الإبداع سواء في الرواية أو القصة أو حتى الشعر، فلدينا العديد من الأسماء اللواتي راكمن تجارب هامة ، وهي أعمال تشرف الكاتبة المغربية ويحق لنا أن ننظر إلى الموضوع من هذه الزاوية. 6-تتراوح أعمالك القصصية بين تلك التي تتميز بنمط كلاسيكي ذو سرد خطي (خصوصا في مجموعاتك الأولى) وبين الأخرى التي تظهر فيها محاولة التجريب جلية (مجموعتك "عناق")، حدثيني عن هذا الاختيار وكيف جاء؟ ج-في الحقيقة، أنا أكتب بصيغ مختلفة، و هناك تغير في طرائق الكتابة بدا جليا من خلال مجموعتي القصصية "أخاف من" التي بدأت أشعر بأن القصة القصيرة عندي تتخذ اتجاها آخر، واشتباكا في الأزمنة ولم يكن ذلك قرارا حاسما اتخذته لتكون نصوصي على هذا النحو، ولكن الصيغ التي تتحول تأتي من خلال قراءات متعددة لتجارب غيرية أولا، وثانيا للإحساس بأن تلك الصيغة التي كنت أكتب من خلالها لم تعد ترضيني ككاتبة وبدأت تتخذ سيرا آخر وهو الانتقال من القلق على مضمون القصة القصيرة إلى القلق على شكلها، وهو الذي جعلني أحس بضرورة كيف أكتب النص القصصي و ما الأشياء التي تستهويني أكثر؟ 7-كيف ترين كون أن أغلب القاصات المغربيات من جيلك ، يظلن في القصة ولا يتجاوزنها للكتابة الروائية، عكس الكُتاب الرجال الذين يزاوجون بين الرواية والقصة أو يصبحون روائيين متناسين الجنس القصصي، ولماذا تردين هذا الإخلاص للقصة لديك ولدى بنات جيلك من القاصات المغربيات؟ ج-هذا الحكم ليس صحيحا وهناك كاتبات زاوجن بين أكثر من جنس أدبي، مثل خناثة بنونة والزهرة رميج، وربيعة ريحان إلى غيرهن. وأنا لا أعتبر نفسي مخلصة لهذا الجنس الأدبي لأنني بصدد التهييء لعمل روائي قادم، وهو ليس إخلاصا بقدر ما أعتبر الأمر نوعا من التنويع السردي الذي يتطلبه نوعية الموضوع الذي أشتغل عليه، فحين أتحدث من خلال القصة فأنا أقلص قدر الإمكان كل شيء: الشخوص والفضاء والأحلام الممكنة، في حين يمكن لهذه العوالم أن تتخذ شكلا آخر داخل العمل الروائي، وكل الأجناس الأدبية أعتبرها تتزاوج لأنها في حاجة لذلك. 8-شهدت فترة التسعينات وبداية الألفية الثانية ظهور العديد من الجمعيات والأندية التي تهتم بالقصة القصيرة بالمغرب، من بينها "مجموعة البحث في القصة القصيرة في المغرب"، التي صدرت عنها مجموعتك القصصية الأولى "رغبة فقط" وانتسبت إليها. لكن ألا ترين معي أن دور هذه الكيانات بَهَتَ أو تناقص ، وأنها قد استنفذت الآن أهدافها بعد طفرة أفرزت ما يمكن إفرازه من مسارات فردية فرضت نفسها بطريقة ما؟ ج-نعم أنا قدمت من مجموعة البحث في القصة القصيرة، وأصدرت عملين قصصيين، هما "رغبة فقط" و"ضفائر" ضمن هذه المجموعة. وما زلت لحد الآن أشتغل معهم بين الفينة والأخرى، وهي تجربة مهمة بالنسبة لي. بالنسبة لمسار مجموعة البحث في القصة القصيرة أعتبره مسارا هاما جدا، وهو عمل جاد يقوم بالعديد من الندوات المهمة والورشات الابداعية التي أثمرت العديد من الأقلام القادمة ولا يمكن أن ننسف هذا المجهود، إضافة إلى إصدارهم للعديد من المجموعات القصصية ومجلة "قاف صاد" التي تنشر العديد من المقالات إضافة إلى الكتب المترجمة وغيرها. ودور مجموعة البحث في القصة القصيرة هو مهم في نوعية الاشتغال على النصوص، وإيجاد آليات جديدة لهذه الدراسات إضافة لكونها مجموعة تهتم بشكل كبير جدا بالأدب المغربي وتحاوره بالأدب العربي والآداب العالمية، وأنا أعتبر أن هذا العمل له العديد من الثمار في المشهد الثقافي المغربي.