وكما تحاول سلطات الاحتلال أن تخوض معركة سلب أملاكنا تحت سقف القانون المفبرك على قياس مصالح الحركة الصهيونية، بإمكاننا نحن أيضا أن نخوض معركة استرداد أملاك اللاجئين تحت سقف القانون الدولي، وبين أيدينا، في هذا المجال، أوراق قوة لا تعد ولا تحصى. نشرت «هآرتس» (15/4/2011) خبرا مثيراً للاهتمام، يقول الخبر أنه وفي قلب المركز التجاري للقدس المحتلة (القدسالشرقية)، وأمام باب العمود، نشأت في العقد الأخير مستوطنة صغيرة فيها الآن ثماني عائلات يهودية. كما يقول إن اقتحام هؤلاء اليهود للحي تم بمساعدة من يسمى الوصي العام، أي حارس أملاك الغائبين في وزارة العدل لسلطات الاحتلال. وإن الهدف النهائي لهذا الوصي هو طرد العائلات والقاطنين والمستفيدين الفلسطينيين من العقارات في هذا الحي، وذريعة هذا الوصي أنه في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كان في هذا المكان، حي يهودي صغير. يقول الخبر، بناء على ادعاءات سلطات الاحتلال ووثائقها، إن الحي أقيم في منتصف القرن التاسع على يد زعيم جماعية الحسيدين اليهود في القدس. واسمه «نيسان باك» وإن الحي سمي على اسمه فصار حي نيسان باك. ويضيف الخبر، أنه، إبان انتفاضة 1929 هجر معظم اليهود هذا الحي، إذ قتل منهم 19 يهوديا على أيدي فلسطينيين. وأن الآخرين غادروا الحي نهائياً في العام 1948. ويوضح أنه في ظل الإدارة الأردنية للقدس (19481967) سجلت السلطات الأردنية هذا الحي ومنازله لدى من يسمى بحارس أملاك العدو، ولم تبعها. ومع احتلال إسرائيل للقدس الشرقية نقلت هذه الأملاك إلى ملكية «حارس أملاك الغائبين» الإسرائيلي، وهو يدير شؤونها منذ ذلك الحين. وفشل هذا الحارس في العثور على «الورثة الشرعيين» للمدعو نيسان باك، واعتبروا بمثابة «مفقودين». وقد نصب الحارس نفسه وريثا بديلا ، ونيابة عنهم كما تقول «هآرتس» يتابع قضية إخلاء هذه المساكن من ساكنيها الفلسطينيين (أي طردهم منها) لصالح عائلات يهودية، بموجب عقود إيجار. تعترف «هآرتس» أن هذا الحي، يدعى لدى الفلسطينيين، أبناء المدينة، بحي المصرارة. وأنه حافل بالنشاط التجاري. فيه مخابز، دكاكين خضراوات، ومطاعم وغيرها. وبموجب فتوى إسرائيلية، فإنه مع وفاة الجيل الثاني من موقعي عقود الإيجار الفلسطينيين مع السلطات الأردنية، سيكون بوسع «حارس الأملاك» طرد السكان والمستثمرين الفلسطينيين من هذا الحي، وتحويله إلى حي يهودي بالكامل. ويختم الخبر بالقول إنه منذ العام 2002 نجح حارس أملاك الغائبين وجمعية مستوطنين تسمى «أسوارة كاملة» بإخلاء ثلاث نطاقات في الحي، وأسكنت فيها يهودا. وتشير الصحيفة في السياق أن إجراءات مماثلة يتم تنفيذها في حي الشيخ جراح المجاور (أي طرد السكان والمستثمرين الفلسطينيين لصالح مستوطنين يهودا). علما أن العائلات الثماني المقيمة في حي المصرارة، تتمتع بحماية عسكرية من وزارة الإسكان. ويجهد الحارس من أجل الإسراع بطرد المزيد من الفلسطينيين من هذا الحي، لصالح المستوطنين اليهود. إلى هنا ينتهي خبر «هآرتس»!؟ نظراً لاستناد الفكرة الصهيونية إلى سلسلة واسعة من الأساطير والخرافات، والحكايات والروايات المفبركة والمستندة إلى هرطقات «قانونية»، فإن رواية «هآرتس» حول أصول حي المصرارة (المسمى لدى سلطات الاحتلال بحي نيسان باك) هي الأخرى موضع شك. ومع ذلك، ومن موقع الرغبة في النقاش (دون التسليم بصحة الرواية)، يمكن أن نسجل العديد من الملاحظات. من بينها: * عندما بنى نيسان باك حي المصرارة، لم يكن مواطناً إسرائيليا، بل كان مجرد يهودي يعيش تحت سيادة السلطات العثمانية. وإدعاء إسرائيل أنها كسلطة وريث شرعي لهذا الرجل فيه ادعاء غير قانوني. وفي السياق نسأل، هل تعتبر إسرائيل نفسها وريثا ليهودي أميركي ترك أملاكا في نيويورك (مثلا) دون أن يكون له ورثة؟. - مغادرة بعض سكان الحي اليهود، لمنازلهم في انتفاضة 1929، لا يتحمل مسؤوليتها الفلسطينيون. فالانتفاضة كانت ضد سلطات الاستعمار البريطاني، وأصحاب المشروع الصهيوني من اليهود. لذلك تعترف هآرتس أن بعض سكان الحي غادروا في 1929. ، وبقي البعض الآخر. - المغادرة النهائية لليهود في 1948 تتحمل مسؤوليتها القيادة الصهيونية التي شنت ضد الفلسطينيين حربا مورست فيها أبشع أشكال التمييز العنصري الدموية. وما جرى في حي المصرارة هو صدى المجازر التي ارتكبت على أيدي العصابات الصهيونية في طول فلسطين وعرضها. - أمر لافت للنظر أن لا يترك نيسان بارك خلفه ورثة أو أثرا، مادام قد انتقل نحو المنطقة التي احتلتها العصابات الصهيونية، إلا إذا أراد كاتب الخبر أن يوحي لنا أن باك قد هاجر إلى خارج إسرائيل وبالتالي فقدت سلطات الحركة الصهيونية أثره, الحديث عن غياب الورثة، وفقدان أثرهم بتقديرنا هو الحلقة المهمة في هذه الرواية، لأن هذه الحلقة هي التي شكلت الجسر الذي عبرت عنه الرواية، لتحول سلطات الاحتلال إلى الوريث الشرعي لباك، و بالتالي تمنح نفسها بموجب قوانين هي التي تسنها حق الاستيلاء على هذه الأملاك. بعد هذا، نضيف ونتساءل: إذا كانت سلطات الاحتلال حريصة كما تدعي «هآرتس» على أن تعيد الأملاك في القدسالشرقية إلى أصحابها «الحقيقيين»، حتى لو تطلب ذلك نبش أوراق التاريخ (اقرأ: تزوير التاريخ) وصولا إلى القرن التاسع عشر، فلماذا إذن لا تطبق هذا الأمر على الأملاك الفلسطينية في القدس المسماة غربية، والتي تمت مصادرتها على أيدي العصابات الصهيونية وسلبت من أصحابها الشرعيين، وتحولت إما إلى دوائر حكومية،أو مساكن للمستوطنين والمهاجرين اليهود. ولماذا لا يطبق هذا القانون على أملاك الفلسطينيين في باقي المدن العربية، كعكا، ويافا، وحيفا، واللد، والرملة، وغيرها.. وغيرها.. *** «نموذج» حي المصرارة، يوضح أن السلطات الاحتلال الإسرائيلي تحاول أن تعتمد القانون، سبيلا إلى الاستيلاء على الممتلكات الفلسطينية داخل القدس وخارجها. وهو القانون الذي تفبركه هي نفسها على مقاسها، وتقدم إلى هذا القانون مستندات، تفبركها هي أيضا، بحيث يبدو سلب الإسرائيليين للفلسطينيين أملاكهم وكأنه استعادة لأملاك سبق للفلسطينيين أن استولوا عليها بغير حق، وخلافا للقوانين. إذن ليس هناك استيطان، وليس هناك تمييز عنصري، ولا تسلط، ولا مصادرات ولا سلب تحاول أن تقول سلطات الاحتلال بل هناك تطبيق للقانون. فإسرائيل كما تريد أن تظهر في عيون الأوروبيين وأمم الغرب دولة ديمقراطية! هذا «النموذج»، القائم على التزوير وفبركة الروايات، واستغلال القوانين في غير محلها، يضعنا نحن الفلسطينيين أمام السؤال التالي: لماذا لا نرد على الحرب الإسرائيلية بالسلاح نفسه الذي تستعمله إسرائيل ضدنا. ولماذا لا نلجأ نحن أيضا إلى القانون، ميدانا للصراع مع العدو الإسرائيلي في كافة مناطق تواجده، وفي كافة مناطق نفوذه؟. هناك اللاجئون الفلسطينيون. وهم بالملايين. سلبت منهم إسرائيل وطنهم، أي أرضهم وأملاكهم. وكثيرون مازالوا يحتفظون بالمستندات القانونية التي تؤكد ملكيتهم لهذه الأملاك وهي مستندات لا غبار عليها، ولا يستطيع أي كان أن ينكر صحتها. وهناك أبناء القدسالغربية الذين صودرت أملاكهم وتحولت إلى «أملاك يهودية». فلماذا لا تجند الحالة الفلسطينية مجموعات من القانونيين، لتنظيم المعركة ضد سياسة التمييز العنصري الإسرائيلي التي مورست، وتمارس ضد الفلسطينيين. يمكن لهذه المعركة أن تبدأ في مناطق 48 حيث الاحتكاك المباشر مع المصادرات والسلب. ويمكن لأهلنا هناك أن يشكلوا نموذجا فلسطينيا يعمل بموجبه باقي الفلسطينيين. يمكن لهذه المعركة أن تتواصل من أوروبا، حيث تجمعات اللاجئين الفلسطينيين، وبإمكانهم أن يستفيدوا من جنسياتهم الأوروبية ومن قوانين البلاد التي يحملون جنسيتها، لأجل خوض الصراع لاسترداد أملاكهم والمطالبة بجمع الشمل مع هذه الأملاك وبحيث يصبح من حقهم العيش في هذه الأملاك. يمكن أيضاً لهذه المعركة أن تدار من الأردن، حيث إمكانية التواصل مع مناطق 48 ممكنة. ولا ننسى كذلك الضفة كساحة رئيسية تخاض منها معركة استرداد الأملاك، كما تدار، على سبيل المثال، معركة استرداد جثامين ورفات شهداء مقبرة الأرقام. مثل هذه المعركة تحتاج إلى رعاية من دائرة شؤون اللاجئين، ونعتقد أن مناسبة 15/5/ القادمة، يمكن أن تشكل موعدا، يعلن فيه إطلاق المعركة القانونية لاسترداد أملاك اللاجئين، ومعركة المطالبة بجمع شملهم مع أملاكهم هذه كجزء لا يتجزأ من معركة العودة.