عبد السلام العزيز: هناك إشكال أساسي مرتبط بالممارسة الديمقراطية في المغرب و بمكانة الأحزاب السياسية في النظام السياسي أكد كريم نايت الحو عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، على ضرورة التطبيع مع فيروس كورونا المستجد، والتطبيع مع المخاطر، خلال مرحلة ما بعد الرفع التدريجي للحجر الصحي. وشدد نايت الحو، في ندوة تفاعلية عن بعد، شارك فيها عبد السلام العزيز الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي ومنسق فدرالية اليسار الديمقراطي، على أن الإجراءات التي يتعين اتخاذها، خاصة من طرف وزارة التشغيل والتنمية الاجتماعية، يتعين أن تكون إجراءات صارمة أكثر مما هي عليه الآن محذرا من أي تهاون في هذا الجانب، والذي يمكن أن يؤدي إلى فشل كل ما تم إنجازه في مجال مجابهة هذا الفيروس. وبخصوص الإجراءات الممكن اتخاذها للتغلب على التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية، لهذه الأزمة، انتقد كريم نايت الحو، تأخر الحكومة في فتح مشاورات مع الفاعلين السياسيين والاجتماعيين، حول مشروع قانون المالية التعديلي، مشيرا إلى أن التصريح الذي أدلى به رئيس الحكومة أمام البرلمان بغرفتيه، والذي قال فيه إنه سيطلق مشاورات مع الأحزاب السياسية والنقابات حول مشروع تعديل قانون المالية، لن تجد في شيء، وحتى وإن حدث ذلك فسيكون فقط من باب در الرماد في العيون، أو كما يقول المثال المغربي “شاورهم لا دير برايهم”. وأضاف نايت الحو، خلال هذه الندوة التي أدارها بشكل مشترك، مراد هاني الكاتب الأول لفرع حزب التقدم والاشتراكية بسيدي مومن، ويوسف السميهرو نائب كاتب فرع البرنوصي سيدي مومن لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي، (أضاف)، أن هناك أولويات بالسنبة لمشروع قانون المالية التعديلي والتي حددها رئيس الحكومة في الصحة والتعليم والبحث العلمي والحماية الاجتماعية والتركيز على التحول الرقمي بوصفه رافعة للتنمية، لكن بحسب عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، فإن تلك المحاور التي حددها رئيس الحكومة، لا يمكن أن تحل المعضلات الأساسية لهذه الأزمة التي ستكون عميقة جدا، خاصة وأن هذه السنة هي سنة جفاف، بالإضافة إلى التراجع المتوقع تسجيله في المداخيل الجبائية. وفي نظر عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، فإنه من الصعب أن يتمكن قانون مالية تعديلي لنصف سنة من حل كل المعضلات التي ستخلفها هذه الأزمة، وذلك بالنظر إلى الإشكالات الكبرى المطروحة على مستوى ارتفاع معدل البطالة وتراجع السياحة وتراجع تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، وهي كلها إشكالات ستضع المغرب أمام معضلات كبرى وبإمكانية ضعيفة، وهو ما يفرض في نظر كريم نايت الحو، تحديد طبيعة الاختيارات الكبرى التي يريد أن ينهجها المغرب ما بعد كورنا، على أن ترتكز هذه الاختيارات على الاقتصاد الاجتماعي الذي يهم شرائح وفئات عريضة من المجتمع، عوض اقتصاد ليبرالي مفتوح ورأسمالي متوحش تستفيد منه فئات قليلة من المجتمع. وأوضح كريم نابت الحو، أن الأمر يتطلب إجراءات شجاعة اتجاه الشرائح الأكثر تضررا من هذه الأزمة، وهي شرائح الفلاحين الفقراء، والملاكين الصغار، ومربي الماشية، ومربي النحل، وسكان البوادي الذين يعيشون تحت عتبة الفقر، وإجراءات شجاعة، أيضا، في اتجاه المقاولات الصغرى والمتوسطة، وقطاع السياحة الذي سيعاني جزء كبير من مشغليه ومستخدميه، من البطالة لمدة قد تصل إلى سنتين، وهو ما يفرض بحسب القيادي في حزب التقدم والاشتراكية تغيير الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية، ما بعد هذه الأزمة، في اتجاه انبثاق تعاقد سياسي جديد، كما دعت لذلك اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية والتي عقدها عن بعد منتصف الشهر الجاري، وأيضا في اتجاه تقوية وتعزيز دور الدولة الاجتماعية الراعية التي يكون هدفها تطوير وانعاش الاقتصاد الاجتماعي والاهتمام بالقضايا الأساسية للشعب المغرب، بالقضاء على البطالة والحد منها، والرفع من الأجور والتصريح بالعمال والعاملات في صندوق الضمان الاجتماعي وتعميم التغطية الصحية. وأضاف كريم نايت اللحو، أن طبيعة المرحلة، باتت تفرض وحدة اليسار والقوى الوطنية والديمقراطية، مشيرا إلى أن الاختيارات التي نهجها المغرب والتي أدت، اليوم، إلى هذه الأوضاع المزرية التي تعيشها أوسع فئات المجتمع المغربي، تستوجب فتح حوار وطني بين كافة القوى الديمقراطية وقوى اليسار على وجه التحديد، لأن هذه الأزمة، يضيف المتحدث، أثبت صحة اختيارات اليسار الذي يدعو إلى اعتماد مبدأ استراتيجية الدولة القوية الاجتماعية الراعية التي تحمي مصالح الوطن والشعب. من جانبه، انتقد عبد السلام العزيز الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي ومنسق فدرالية اليسار الديمقراطي، ما وصفه ب”الارتباك” الحكومي في تدبير حالة الطوارئ الصحية، والتي أعلن رئيس الحكومة سعد الدين العثماني عن تمديدها إلى غاية يوم 10 يونيو المقبل. وأضح عبد السلام العزيز أن هذا الارتباك ظهر، بشكل جلي، في التصريحات المتناقضة التي أدلى بها كل من رئيس الحكومة الذي أعلن أمام البرلمان بغرفته عن قرار التمديد لمدة ثلاثة أسابيع إضافية، وتصريح وزير الاقتصاد والمالية محمد بنشعبون الذي قال بإمكانية عودة الوحدات الانتاجية إلى العمل مباشرة بعد العيد، وهو ما خلق نوع من الفوضى لدى الرأي العام الوطني، مشيرا إلى أن هناك سيطرة للتكنوقراطي على حساب السياسي من داخل الحكومة، وهو ما يطرح في نظره إشكالا أساسيا مرتبط بالممارسة الديمقراطية في المغرب وإشكالية مكانة الأحزاب السياسية في النظام السياسي المغربي وطريقة تدبير الشأن العام في بلادنا. وبخصوص الإجراءات الممكن اتخاذها ما بعد جائحة كورنا، وفي ارتباط مع قانون المالية التعديلي، ذكر الأمين العام للمؤتمر الوطني الاتحادي، أنه سيكون من الخطأ الكبير، أن تعمد الحكومة المغربية إلى توقيف الاستثمار العمومي والتركيز فقط على ميزانية التسيير، مشيرا إلى أن المغرب تمكن من الخروج من الازمة الاقتصادية التي عرفها العالم سنة 2008 بأقل ضرر، بفضل الاستثمار العمومي، والاستهلاك الداخلي، وهو ما يتعين، بحسب العزيز، التركيز عليه لتجاوز تداعيات هذه الأزمة، من خلال تشجع الاستهلاك الداخلي ودعم القدرة الشرائية للمغاربة، وتعزيز الاستثمار العمومي باعتباره رافعة أساسية لانعاش الاقتصاد الوطني وانعاش المقاولة المغربية، خاصة في ظل التراجع الكبير المتوقع في مجال الاستثمارات الخارجية. وبالنسبة للإمكانيات المالية التي يمكن اللجوء إليها من أجل دعم موارد الميزانية، يقترح عبد السلام العزيز، توسيع الوعاء الجبائي وخلق ضريبة على الثورة وتضريب الضيعات الفلاحية الكبرى، وإحداث ضريبة على الإرث انطلاقا من مستويات محددة، بالإضافة إلى إمكانية اللجوء إلى الاقتراض الموجه للاستثمار. وذكر العزيز، أن المغرب عرف منذ ثمانينيات القرن الماضي، مجموعة من الاختيارات السياسية التي أدت إلى ضرب القطاعات الاجتماعية بما فيها التعليم والصحة، بمبرر البحث عن التوازنات الماكرو اقتصادية، وهو ما أدى اليوم، في نظره، إلى وضعية هشة في هذه القطاعات الاجتماعية، معربا عن أسفه، لكون الاختيارات النيو ليبرالية تعمقت بشكل كبير خلال العشر سنوات الأخيرة، أي منذ وصول العدالة والتنمية إلى الحكومة، إلى درجة أن رئيس الحكومة السابق صرح بأن الصحة والتعليم ليس من وظيفة الدولة، في الوقت الذي نجد فيه كل الدول الرأسمالية الكبرى ترتكز على التعليم العمومي. وأكد عبد السلام العزيز على ضرورة تغيير كل الاختيارات التي أدت إلى الوضعية التي كان عليها المغرب قبل كورنا، وبلورة ببدائل اقتصادية واجتماعية تضع الانسان في صلب أولوياتها، والاستثمار في الطاقات المغربية المعطلة والمتمثلة أساسا في النساء والشباب، وأن تستعيد الدولة دورها الرئيسي كفاعل اقتصادي في العديد من القطاعات الاستراتيجية. وبالنظر إلى الوضعية التي سيكون عليها الاتحاد الأوربي، ما بعد كورنا، خاصة الدول الثلاثة اسبانيا وفرنسا وإيطاليا والتي يتعامل معها المغرب بشكل كبير، ستجعل المغرب، بحسب عبد السلام العزيز، يواجه ثلاث إشكالات كبرى، الأولى، بحسبه، مرتبطة بالميزانية حيث من المتوقع أن تسجل عجزا كبيرا بالنظر إلى التراجع المتوقع في حجم الصادرات لهذه الدول، ولإشكال الثاني مرتبط بنسبة النمو، حيث من المتوقع أن تسجل انخفاضا ملحوظا بالمقارنة معه ما كان متوقعا، وسيكون لذلك تأثيرا على مستوى دخل المغاربة، وأيضا على مستوى دخل الخزينة، فيما يرتبط الاشكال الثالث والذي أورده المتحدث، بالتراجع الكبير الذي ستعرفه، مدخرات المغرب من العملة الصعبة. وفي نظر الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي، فإن كل تلك الإشكالات الكبرى، باتت تطرح على المغرب ضرورة إعادة النظر في السياسة الاقتصادية، وخاصة على مستوى التجارة الخارجية، وأن يحد من استيراد المواد الغير ضرورية والتي تدخل في خانة الكماليات، على غرار ما قامت به العديد من الدول، ومن ثمة يضيف الأمين العام، فالحكومة المغربية مطالبة ببلورة قانون مالية تعديلي يعيد ترتيب الأولويات ويحدد التوجهات الكبرى التي يتعين أن يسير على الاقتصاد الوطني ما بعد جائحة كورنا.