* كيف يمكن للإصلاحات السياسية والدستورية المعلن عنها في الخطاب الملكي أن تقطع مع اقتصاد الريع في المغرب؟ - إن الهيئة الوطنية لحماية المال العام الإطار التنسيقي، وهي تحتفل باليوم الوطني لحماية المال العام الذي يصادف 24 مارس من كل سنة، كما أقره الجمع العام التأسيسي للهيئة سنة 2002، ما فتئت تطالب الهيئة بالقيام بإصلاحات دستورية جوهرية مبدؤها العام عدم الإفلات من العقاب من خلال المحاسبة، بهدف وقف نزيف نهب المال العام والثروات الوطنية والتي تعمقت بشكل كبير حيث تجاوزت حسب الأرقام المعلن عنها رسميا فقط 213 مليار درهم، وهي المطالب التي تتفق معها وترفعها الآن الحركات الاحتجاجية. وبالتالي، فإن النقاش الحالي حول الدستور يجب أن يتجه إلى وضع سلة من التدابير الهادفة إلى محاربة الفاسد الاقتصادي الذي يسبق في نظرنا الفساد الاقتصادي باعتبار الأخير مجرد تغطية على الأول، ونحن في الهيئة اقترحنا إجراءات دستورية نراها ضرورية لوقف اقتصاد الريع وكل مظاهر الفساد من خلال دستور ديمقراطي يكرس الفصل الحقيقي للسلط، ومن خلاله تمكين السلطة القضائية من القيام بدورها بكل ما يلزم من نزاهة واستقلالية وإحداث مؤسسات للمراقبة المالية قوية وقادرة على المراقبة الفعالة القبلية والبعدية للمال العام، إقرار المعايير المعتمدة دوليا في مجال مكافحة الفساد دستوريا، واعتبار أي استغلال للنفوذ والسلطة جريمة ماسة بأحد مبادئ الحقوق الإنسانية الأساسية ألا وهو مبدأ المساواة، بالإضافة إلى إصلاحات تهم المؤسسة التشريعية من خلال تفعيل لجن تقصي الحقائق الدستورية والبرلمانية وتوسيع اختصاصاتها ورفع القيود العددية واعتماد مبدأ مساءلة أعضاء الحكومة. وعلى المستوى السياسي لا بد من وضع مساطر دقيقة مصحوبة بإجراءات صارمة لضمان شفافية الحياة السياسية وتخليق الشأن العام ومراجعة المقتضيات الرادعة للفساد المتضمنة بالمنظومة الحزبية والانتحابية الحالية. * ألا تعتقدون أن سياسة اللاعقاب تعمق اقتصاد الريع وتشجع على الفساد؟ - يجب أن نقر أولا أن اقتصاد الريع هي وصفة مخزنية الهدف منها شراء الذمم والنخب، استعملت منذ الاستقلال حتى يتم التغاضي عن مساءلة إعمال الديمقراطية وبالتالي عدم المحاسبة والنتيجة النهائية لهذه السلسلة هي الإفلات من العقاب، وهو ما أوصل البلد إلى حافة الإفلاس خلال التسعينيات، وأوصل المغاربة إلى الفقر الممنهج، ومن هنا تكمن مسألة التنصيص دستوريا على عدم الإفلات من العقاب وعدم استفادة مرتكبي جرائم نهب المال العام من التقادم والعفو، بل نحن مازلنا متشبثين بمطلب إنشاء هيئة مستقلة للحقيقة وإرجاع الأموال المنهوبة إلى خزينة الدولة واستثمارها في المشاريع الاجتماعية، مع التذكير أن الدستور الديمقراطي وحده ليس كفيلا بوقف الفساد الاقتصادي بل يجب أن يصاحبه ذلك بإجراءات قانونية مواكبة وداعمة منها، إلغاء كل أشكال الحصانة والامتيازات باعتبارها خرقا لمبدإ المساواة واتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لمحاربة ظاهرة اقتصاد الريع و تفكيك شبكة اللوبيات المستفيدة منه، مع التفعيل الايجابي للاتفاقية الدولية لمحاربة الفساد من خلال وضع الآليات اللازمة لتنفيذ مقتضياتها وترجمة مضامينها نصا وروحا على أرض الواقع والتي صادق عليها المغرب دون أن يضع المراسيم التطبيقية لذلك إلى الآن أي منذ ثلاث سنوات تقريبا، وإعطاء مدلول حقيقي للمؤسسات بعيدا عن الكليشهات من خلال منح الاستقلالية الكاملة للهيئة المركزية للوقاية من للرشوة، وإعطاءها صلاحية القيام بالتحريات في كل ملفات الرشوة مهما كانت صفة المتورطين فيها ومراكزهم وتحريك المتابعة القضائية اللازمة اتجاههم، والقيام بمبادرات ملموسة على أرض الواقع حتى لا تبقى هذه الهيئة مجرد واجهة صورية مع إعادة التأكيد على ضرورة وجود قضاء مستقل يمكنه القيام بدوره بعيدا عن التدخلات والتعليمات. * إذا ما تحدثنا عن استقلالية القضاء، هل ستساهم استقلاليته في قطع الامتيازات القضائية التي يستفيد منها البعض، وبالتالي الخضوع للمحاسبة والمحاكمة؟ - إذا شرحنا وضعية الدول المتقدمة والديمقراطية دستوريا وقانونيا سنجد أن أهم ركن في ديمقراطيتها هو استقلال القضاء، حيث أن استقلاله يشكل ضمانة للسلم الاجتماعي وجلب الاستثمار ومساواة جميع المواطنين مهما اختلفت وضعيتهم الاجتماعية، وبالتي الأمر هنا يتطلب إلغاء كل القوانين المتخلفة والحاضنة للفساد وعلى رأسها ما يعرف بالامتياز القضائي الذي يتمتع به الوزراء وسامي الموظفين الذي يسهل الإفلات من العقاب في هذه الجرائم، وكذا حذف الحصانة البرلمانية واقتصارها على حرية التعبير فقط. وعلى المستوى الإجرائي الموازي للركن الدستوري فإن الأمر يتطلب كذلك تكوين قضاة متخصصين في مجال مكافحة الفساد الإداري والمالي يسد الثغرة الحالية الناتجة عن انتهاء مهمة محاكم الاستثناء بعد إلغاء المحكمة الخاصة للعدل منذ 2004، وإحداث أقسام خاصة بالحسابات العامة وبالمحاكم للتحري والتتبع في حالة الضرورة. كما نشدد على أهمية تعزيز دور وفعالية فعالية المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية التابعة له عبر تأهيلها لتتمكن من تقديم المساعدة التقنية واعتماد المراقبة المندمجة وتقييم الأداء وتقوية اختصاصاتها والصلاحيات المخولة لها للمساهمة بشكل ملموس في تطوير شفافية تدبير المال العام، كل هذه الإجراءات الدستورية والقانونية ستضمن لنا قضاء مستقلا ونزيها يخضع الجميع للمحاسبة وللعقاب وهو ما سيحد من التسيب والفساد المالي الموجود اليوم حيث يمكن أن يصبح نافذ ما شخص ثريا بسرعة الضوء، وبمقابل ذلك نخلق طبقة من الفقراء بسرعة الصوت، في بلد بإمكانياته البشرية والطبيعية يمكن أن يعيش فيها الجميع بكرامة. نائب المنسق الوطني للهيئة الوطنية لحماية المال العام