خارج كون شباب 20 فبراير قوة احتجاجية واقتراحية، تتصدر الشارع المغربي اليوم بشعارات تحيل بكثافتها وتمفصلها إلى تراكمات تاريخية وصيرورات نضالية وطموحات عميقة طمرت في قعر المجتمع المغربي، وخارج كون20 فبراير حركة قلبت تربة الحسابات السياسية ومواسمها ودفعت بالجميع مجتمعا ودولة إلى ضبط عقارب الساعة مع إيقاعها وسقف مطالبها، فإن كل ما روجته دوائر بعض الأمنيين حول طبيعة استقطاباتها الاجتماعية وفرشة تقاطبات مكوناتها داسته بالأقدام مسيرة 20 مارس بالدار البيضاء وإلى حد إقرار الرأي العام المغربي بكون حركة 20 فبراير تدشن لمغرب جديد والشباب الحامل للوائها هو شعب هذا المغرب الجديد. ومعلوم أن مسيرة 20 مارس نظمت بعد القمع الوحشي الذي تعرضت له وقفة يوم الأحد 13 مارس بالدار البيضاء والتنكيل الذي طال نساء ورجال الصحافة، وفي هذا السياق تثور الشهادة التي أدلى بها أحد الشباب الذين عنفوا بقوة واعتقلوا، والذي توجه له أحد الأمنيين قبل إطلاق سراحه وبنبرة حادة: بقبولكم جماعة العدل والإحسان بين صفوفكم فإنكم تلعبون بالنار.. فأجابه قائلا: سنوات والعدل والإحسان تضعكم بين خيارين لا ثالث لهما، دولة الخلافة أو الطوفان واليوم وفي ظرف شهر تمكن شباب 20 فبراير من وضع جماعة العدل أمام خيار واحد لا ثاني له، مسيرات سلمية وتحت سقف الملكية البرلمانية. ففي خضم عناوين فورة حراك الشارع العربي وما أسقطته من فزاعات نصبت للترهيب وشرعنة الاستبداد، وما فرزته موضوعيا من اصطفافات عريضة كانت على مدار العقود الأخيرة خارج كل التصورات والتوقعات، بحيث في حالة المغرب وجد مناضلو حزب النهج والاشتراكي الموحد والطليعة والمؤتمر الوطني والجمعية المغربية لحقوق الإنسان كما أتباع جماعة العدل والإحسان أنفسهم الكتف على الكتف في مسيرات حركة 20 فبراير، بينما دعاة تخليق الحياة السياسية وإشراك الشباب في تدبير الشأن العام منهمكون في قراءة فنجان حراك الشارع والاستثناء المغربي، بدل ملأ مربعات الفراغ وتوسيع دوائر فعل الحركة وتحصين مطالبها وتنزيل مطلب وحدة اليسار على الأرض. وكان أن استبدت ببعض القراءات الميكانيكة والتحليلات الستاتيكية منظورات كسيحة دون مجهود فكري يذكر لملامسة الإشكالات الحقيقية لمجرى حراك الشارع العربي والتقبض بأبعادها الحضارية والمتمثلة اليوم في مطلب الحكامة السياسية والمالية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وكونية حقوق الإنسان، إشكالات يتطارحها جيل الانترنيت داخل منتدياته وخارج وسائل إعلامنا الوطني ودوائرها المغلقة ضدا على دورها في تنمية الديمقراطية وتوسيع فضاءاتها من حرية في التعبير والرأي والنقد بل وضدا على التعدد والحق في الاختلاف. وحتى التفتح المشهود مؤخرا من قبل وسائل إعلامنا يظل عليلا، كما هو حال القناة الثانية ليلة استضافتها لرئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان السيد إدريس اليزمي وعبد الحميد أمين الرئيس السابق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان وبعض شباب 20 فبراير في موضوع الحراك المشهود ببلادنا، والذي كان من المفروض في معده أن يستدعي ممثلا رسميا عن جماعة العدل والإحسان، في إطار التعدد والحق في الاختلاف، وحتى يوضع الرأي العام في إطار الصورة الحقيقية لحركة 20 فبراير وطبيعة الأطراف المكونة لها والفاعلة في مساراتها. يقول أحد شباب 20 فبراير في معرض تعليقه على برنامج القناة الثانية، كنا ننتظر أن يكون هذا البرنامج مباشرا حقا وتعدديا بالفعل، لنقف على حقيقة ما يقال حول تقية الجماعات الإسلاموية وحول ما تعلن وما تضمر، خاصة وأن جملة تساؤلات تناقلناها داخل منتدياتنا من قبيل، كيف يرتد مناضل يساري ليصبح على يمين اليمين وأصوليا حتى، كما هو حال بعض قيادات البام وحركة الإصلاح والتوحيد، وكيف خرج عبد الكريم مطيع مؤسس الشبيبة الإسلامية من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ولم خرجت أهم الأطر عن جماعة العدل والإحسان في منتصف التسعينات وما علاقة هذا الانسحاب بجرائم العدل والإحسان بالجامعة المغربية وصراع البشيري مع ياسين، وكيف صارت القومة والرؤى بديلا عن الطوفان وحرب المواقع واحتلال الفضاءات العمومية وإسمنتا لهرمية الطائفة المتداعية.. وخلافة لشيبة دون شبيبة، وكيف أقرت نادية ياسين بتصويت أتباع جماعة العدل والإحسان منذ 2002 لصالح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات، ألا ترون معي أن اندحار السلفية الجهادية فكرا وحركة قد أطاح بطروحات دعاة الإسلام هو الحل في معمعان حراك الشارع العربي الذي تتصدر ساحاته حركات الشباب في انتصارها لكونية الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية؟ فهذا الشباب اليوم هو من يشكل القاعدة الواسعة من الهرم السكاني في مجتمعات أصبح فيها الانتقال من المراهقة إلى الاندماج مؤجلا، وهو ما يعني حسب أستاذ علم الاجتماع إدريس بنسعيد، طاقات جنسية وقوة عمل وكثل اجتماعية وسياسية مهدورة وغير مدبرة خارج كل تنظيم سواء تعلق الأمر بمؤسسة الزواج أو بدورة الإنتاج والعمل أو بمجالات النشاط الاجتماعي أو بفضاءات الإنتاج الثقافي. وهذا الشباب هو الذي وجد في العوالم الافتراضية ومنتدياتها الاجتماعية، لا في الطوائف والزوايا والأحزاب، فضاءات رحبة للحرية وشبكات للتواصل بديلة للمجتمع القائم تنسج على منوال منظومة من التمثلات والقيم الجديدة وقاعدة من المفاهيم والتيمات المتجددة في الإعلام كما في الثقافة وفي الفكر كما في السياسة ترسي أدوات جديدة في مجالات التأطير والتواصل المجتمعي والتربية والثتقيف الجماعي، وبما يزيح حواجز سيكولوجية وتابوهات اجتماعية وهويات انغلاقية. ولعل هذا ما يطبع حركة 20 فبراير، ويذكي حساسيتها المفرطة في شكل تنظيم مسيراتها بحيث تحرص على إسقاط كل إمامة لمسيراتها وكل الشعارات والطقوس ذات الشحنة الدينية وكذا كل محاولات التمييز والفصل بين مربعات الرجال والنساء في مسيراتها، تقول إحدى شابات الحركة بالرباط. وهكذا صار جيل الانترنيت يتصدر اليوم واجهة الأحداث ككتلة تتناقل داخل منتدياتها الاجتماعية ما تصنعه من أحداث عبر زاوية ثلاثية الأبعاد تسع أضلاعها تفاعلات واستقطابات حراكها الاجتماعي، كمحرك يصوغ فعله نضالا وإعلاما بل ويصنع قطع غيار حركته في عين قلب الحدث، الأمر الذي يؤشر وبقوة على حدوث تغيير في توجهات الساحة السياسية، فبعد أن كانت القضية المطروحة هي كيفية التنسيق بين الأحزاب التقدمية والحركات الاجتماعية التقدمية والمنظمات غير الحكومية، يقول أستاذ علم الاجتماع دي سوسا سانتوس في تقييمه لحراك الشارع العربي على هامش دورة المنتدى الاجتماعي العالمي الأخيرة بدكار، صار السؤال المحوري الجديد الآن هو كيفية التفاعل بين الأحزاب والحركات الاجتماعية التقدمية مع الفئات والشرائح الاجتماعية غير المنظمة بالمفهوم التقليدي. لقد اعتدنا النظر إلى الشباب، يضيف دو سانتوس، على أنهم بمنأى عن السياسة، وضحية «غسيل دماغ» من قبل نمط الاستهلاك السائد ووسائل الإعلام، مع فقدان الدوافع الاجتماعية، لكن تبين الآن مع هذا الحراك، أن التغيير الحقيقي ممكن عندما يتم التوصل إلى عتبة تتساوى فيها السياسة مع حياة الإنسان وكرامته.