«ما هو خالگ عندنا شي نخافو عليه، واحنا جينا هاذ الحزب لأنه عاجبنا بمواقفو»، عبارة باللهجة الحسانية نطقت بها امرأة صحراوية في العقد الرابع من عمرها وسط حشد من رفيقاتها وصديقاتها اللواتي حضرن اللقاء التواصلي للأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، محمد نبيل بن عبد الله، عشية السبت الماضي، قالتها بكل عفوية في وجه أسطول سيارات لرجال الأمن والقوات المساعدة كانت ترابط في الساحة المقابلة لقصر المؤتمرات بمدينة العيون، وانصرفت مع صويحباتها. عبارة ترددت أكثر من مرة وعلى أكثر من لسان لدى ساكنة العيون خلال الأيام الثلاثة الماضية، وقبلها ببضعة أيام أخرى، وحتما ستتردد بعد أسابيع وأشهر، لأن الصدى الذي تركه اللقاء التواصلي الذي أبلت عضوة الديوان السياسي للحزب، كجمولة منت أبي، لتنظيمه وإنجاحه بلاء حسنا. وتوفقت في اختيار توقيته، في خضم الاحتقان الذي عرفته المدينة خلال الفترة الفاصلة بين الأسبوع الأول من شهر نونبر الماضي، وبالضبط الثامن منه وما وقع من أحداث دامية خلال محاولة تفكيك مخيم «اكديم إزيك»، وما أعقبه من مخلفات واعتقالات، ومطاردات، وخسائر في الممتلكات عمومية كانت أم خصوصية. بعيدا عن مشاعر التوجس التي خيمت على القاعة قبل انطلاق اللقاء وبعده بلحظات قليلة، كان لكلمات الأمين العام، محمد نبيل بنعبد الله، وهو يرد على تدخلات القاعة صدى واسعا تلقاه الحاضرون بالترحيب، وتجاوبت معه القاعة بالتصفيق والهتاف والزغاريد. وقال نبيل بنعبد الله «نحن حزب يتيح لكم مثل هذه اللقاءات وهذا الفضاء للتعبير عن همومكم، لم يسبق لأي حزب آخر أن منحكم مثل هذه الفرصة»، قبل أن يضيف أن أول شيء نطالب به هو أن تصان كرامتكم، ثم نسعى إلى معالجة كل مشاكلكم المستعصية، في إطار المغرب الموحد الديمقراطي، مغرب الكرامة والعدالة الاجتماعية، ولا يمكن بناء هذا المغرب الذي ننشده جميعا إلا بعد تلبية مطالبكم المشروعة. وشدد نبيل بنعبد الله أمام الحشد الجماهيري الواسع على أن المطالب المعبر عنها «أمانة نحن مطوقون بها وسندافع عنها في كل المنابر ولدى الجهات المعنية والقنوات الرسمية، على الصعيد المحلي ولدى وزارة الداخلية وأمام البرلمان، وفي مختلف وسائل الإعلام. واستطرد بالقول «سنكون الصوت المدافع عن هذه المطالب، انطلاقا من قناعتنا ومواقفنا المبدئية، حتى تحقيق الكرامة». واهتزت القاعة بالهتاف والزغاريد عندما شدد نبيل بنعبد الله على أن أولى المطالب التي يسعى الحزب جاهدا إلى تلبيتها الإفراج عن جميع المعتقلين عقب أحداث تفكيك «مخيم اكديم إزيك» الذين لم يثبت تورطهم فيها، وبلغ التجاوب مع كلمة الأمين العام أقصاه عند إعلان التزامه بالتعامل الإيجابي مع كل القضايا والملفات المعروضة، بدء بملف عمال شركة فوس بوكراع، وصولا إلى معالجة معضلة البطالة في أوساط حاملي الشهادات. ومنذ الدقائق الأولى لما بعد الظهيرة، بدأت قوافل المدعوين تصل تباعا، لعلمهم أن الحدث لا يجب الغياب عنه، وحسب المعطيات الأولية فإن أعدادا كبيرة من ساكنة العيون عبرت عن رغبتها في التواصل مع حزب التقدم والاشتراكية، وقد تلقوا بترحيب كبير المواقف التي عبر عنها بشأن أحداث مخيم «اكديم إزيك» وتصريحات الأمين العام بهذا الخصوص، في مختلف وسائل الإعلام، وأيضا موقف عضوة الديوان السياسي للحزب، كجمولة منت أبي، ومساعيها من أجل إيجاد الحلول للمطالب المعبر عنها، وموقفها من تدخل القوات العمومية لتفكيك المخيم. قبيل وصول وفد الديوان السياسي للحزب إلى مكان اللقاء التواصلي، كانت قاعة قصر المؤتمرات قد امتلأت عن آخرها، ولم يبق مكان واحد شاغرا، إلى درجة أن العشرات من الراغبين في الحضور لم يجدوا أماكن للقعود وتحملوا عناء تتبع فقراته وقوفا، بينما كان البعض الآخر يجوب ردهات بهو قصر المؤتمرات جيئة وذهابا لعله يجد مكانا بين الحاضرين. بدت على وجه كجمولة بعض علامات الاندهاش والخوف، الخوف من أن تتوتر أعصاب المدعوين وهو ما قد يفسد العرس النضالي الكبير الذي دأبت على الإعداد والتهييء له، رفقة مساعديها، منذ أسابيع خلت، وهي تعلم أن مثل هذه اللقاءات المفتوحة قد تحمل مفاجآت غير متوقعة. وكان هاتفها المحمول لا يتوقف عن الرنين، تعطي التوجيهات التنظيمية لهؤلاء، وتنسق مع أولئك، وتستنهض همم الآخرين وتستشعرهم بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقهم. أعداد الوافدين لحضور اللقاء التواصلي أدهشت الجميع، وأثارت استنفار القوات العمومية التي أرسلت أسطولا من سيارات الشرطة والأمن إلى الأزقة والشوارع المتفرعة عن ساحة المشور بالعيون، تحسبا لأي انفلات قد يقع بعد مغادرة الجمهور للقاعة، وظلت القوات العمومية ترابط بالمكان لمدة تزيد على خمس ساعات هي عمر اللقاء. الاندهاش من الحضور الواسع والمتنوع ليس مرده إلا إلى الاحتقان الذي تعرفه المدينة، من جهة، وإلى الإحساس الذي ينتاب غالبية السكان، وعدم ثقتهم في الأحزاب السياسية، حيث يسود بشكل واسع أنها «لن تعمل أي شيء لمعالجة المشاكل والقضايا التي تعاني منها شريحة واسعة من سكان المنطقة». وهو الجواب الجاهز الذي يكاد يتفق عليه كل من التقيته أو صافحته في هذا المكان. لكن الأمر يختلف عند الحديث عن حزب التقدم والاشتراكية، الحزب الوحيد الذي يكاد يجمع الكل أن موقفه كان واضحا، ولا لبس فيه، وهو السبب الأول الذي كان وراء تلبية أغلبهم لدعوة حضور لقائه التواصلي. داخل قاعة قصر المؤتمرات، كان الجميع ينتظر انطلاق فعاليات اللقاء، ولم يكد وفد قيادة الحزب، الذي يضم بالإضافة إلى الأمين العام، أعضاء من الديوان السياسي تتقدمهم كجمولة منت أبي، وأحمد سالم لطافي، وكرين لبيض، وفاطمة فرحات، ومربيه ربه ماء العينين، عضو اللجنة المركزية للحزب، حتى بدأت مجموعة من الشباب يمثلون فئات حاملي الشهادات بالعيون، والتي تضم الأطر العليا والمجازين والتقنيين المعطلين، في ترديد شعارات تطالب بالتشغيل ورفع الغبن والظلم عن أبناء المنطقة الصحراوية، وكأنهم أعطوا الانطلاق لسمفونية من الشعارات سرعان ما تبنتها القاعة ورددتها بصوت واحد بأكملها. وفي لحظة هدوء مسترقة، أكدت كجمولة أن تنظيم هذا اللقاء التواصلي يعبر عن طريقة العمل التي دأب حزب التقدم والاشتراكية نهجها للاستماع إلى نبض فئات المجتمع، معتبرة أن اللقاء مناسبة للإنصات إلى الساكنة للتعبير عن مشاكلها بدون خوف. وقد انتدب الحزب، تقول كجمولة مناضلين من الديوان السياسي منهم من عانى هو أيضا من الظلم والاعتقال، معربة عن استعدادهم للوقوف مع الساكنة في محنتهم وطرح قضاياهم أمام الجهات المعنية للعمل على إيجاد الحلول لها. ومن وسط الحاضرين، انبرت مجموعة من النساء يحملن صور معتقلي أحداث 8 من نونبر يرددن شعارات تطالب بالإفراج عن أبنائهن، وانخرط الحاضرون في مساندتهن، يتقدمهم بعض الشباب المتحمس حتى خيل أن قلوبهم ستخرج من حناجرهم. ولم تنفع تدخلات بعض الشيوخ في إخماد فورتهم الجامحة. وظلوا يرددون «معتقل اكديم إزيك تجيني ولا نجيك» لفترة طويلة، فيما كان زملاؤهم السابقون الذين يتواجدون بالشرفة العليا للقاعة على يمين المنصة يرددون شعاراتهم الخاصة، دون أن يتركوا الفرصة للأمين العام لإلقاء تدخله. في هذه الأثناء، وبعد مرور دقائق معدودة فقط على انطلاق اللقاء، عبثت يد غاشمة وانقطع التيار الكهربائي عن القاعة، في أول سابقة من نوعها، حسب تصريحات العديد من الحاضرين. دون معرفة السبب. وساد كثير من الهرج والمرج، وبدأ الكثيرون يتساءلون عن الدواعي التي أدت إلى هذا العطب المفاجئ وغير المعهود. فيما استمر الشباب والنسوة في ترديد شعاراتهم غير آبهين بالوضع. بعد مرور نصف ساعة أو يزيد، وبعد اتصالات بجهات مسؤولة، عادت الإنارة من جديد إلى القاعة، وأدرك الحاضرون أن جهة ما انزعجت من هذا الحشد الهائل من السكان، الذين وضعوا ثقتهم في حزب التقدم والاشتراكية ولبوا دعوته لحضور لقائه التواصلي، ونجح فيما عجزوا عن الإتيان بمثله، عبثت عن قصد وبنية مبيتة في إفساد اللقاء، الذي قد يسحب البساط من تحت أقدام البعض، إن لم يكن مؤشرا قويا على سحبه فعلا. وعبر نبيل بنعبد الله في بداية اللقاء للسكان عن مشاعر التضامن والمساندة لمطالبهم العادلة، وقال «جئنا لنجعل من هذه اللحظة لحظة استماع إليكم لتعبروا فيها عن مشاعركم وعن طموحاتكم وعن رفضكم وعن كافة مطالبكم، لأننا منذ أحداث «اكديم إزيك» عبر الحزب عن انخراطه معكم ودعمه لكم، ورفضه الأسلوب التي تم به تدبير الملف من طرف السلطات المحلية. كانت هذه العبارات الأولى كافية لإطفاء غضب الكثيرين، وأعادت بعض من الطمأنينة إلى قلوبهم، قبل أن يواصل كلمته بالتأكيد على الاستعداد للعمل جميعا من أجل إنجاح هذه اللحظة، التي وصفها ب «لحظة الديمقراطية» للبوح بكل مشاكل الساكنة والتعبير عن مطالبها، بدء من الإفراج عن أبنائهم المعتقلين لإعادة السكينة والإطئمنان إلى بيوتهم، وأيضا التعامل الإيجابي مع المطالب المعبر عنها، سواء تعلق الأمر بالبطالة أو بقضية عمال فوس بوكراع أو بقضية الانتهاكات التي تعرضت لها الساكنة، وبكل القضايا التي تخالج صدورهم. وقال نبيل بنعبد الله «نحن الآن في أحضانكم، كحزب تقدمي، ونريد أن نعلن لكم أننا نحتضنكم لا لغرض آخر سوى للدفاع عن الحق ومناهضة الظلم وفضح أساليب القمع». وهي إشارة قوية وصل صداها إلى أولئك الذين أصروا على إفساد هذا اللقاء. وأبرز الأمين العام رغبة الحزب وقيادته في أن تستغل الساكنة هذه المرحلة للتعبير عن مطالبها فئة بفئة وجمعية بجمعية، مشددا في الوقت ذاته أن الحزب ما فتئ بدوره، ومنذ البداية، يؤكد رفض الأسلوب الخاطئ في تدبير شؤون المنطقة. وطمأن نبيل بنعبد الله الحاضرين بأن الحزب واع تماما الوعي بخيبة الأمل التي أصيب بها السكان، وعدم ثقتهم في العمل السياسي، وفي الأحزاب السياسية، غير أن حزب التقدم والاشتراكية يمارس السياسة بشكل مغاير، معربا عن أمله أن يكون اللقاء نقطة انطلاق لعمل أرحب، كما أكد ذلك من خلال مواقفه أمام الرأي العام من خلال وسائل الإعلام، وكان أول من ندد بأسلوب السلطات في تفكيك مخيم «اكديم إزيك»، مثلما كان الهيئة الوحيدة التي قامت بزيارة بيوت المتضررين في حي معطى الله. ودعا الأمين العام الحاضرين إلى التعبير عن مطالبهم بكل حرية وشفافية ودون خوف، ملتزما بإعطاء كل الملفات التي ستعرض ما تستحقه من الأهمية، كيفما كانت نوعيتها. وتوالت على المنصة تدخلات من مختلف فئات الساكنة المحلية، تكاد تجمع على أن أهم الانشغالات الأساسية تتمثل بالدرجة الأولى في الإسراع بالإفراج عن المعتقلين عقب أحداث تفكيك مخيم اكديم ازيك، الذين لم يثبت تورطهم في تلك الأحداث، وإحالة المتابعين منهم إلى المحاكمة، ووقف الملاحقات في حق من لا يزالون يعتبرون في نظر السلطة مطلوبين للعدالة، ومعالجة ملف التشغيل والبطالة، خصوصا في أوساط حاملي الشهادات، والإسراع بتعويض المتضررين من التجار وأصحاب الممتلكات الذين فقدوا كليا أو جزئيا ممتلكاتهم وأصابهم الخراب والإفلاس، والعمل على إيجاد تسوية لمشاكل عمال فوس بوكراع، الذين تعرضت إحدى احتجاجاتهم لتدخل عنيف من القوات العمومية في 2 مارس الماضي، ووقف انتهاك حرمات المنازل وإعادة الهدوء والطمأنينة إلى الساكنة.