واشنطن ترفض توقيف نتانياهو وغالانت    وفاة ضابطين اثر تحطم طائرة تابعة للقوات الجوية الملكية اثناء مهمة تدريب    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    اعتقال موظفين ومسيري شركات للاشتباه في تورطهم بشبكة إجرامية لتزوير وثائق تسجيل سيارات مهربة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    بورصة البيضاء تنهي التداولات ب "انخفاض"    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    رسميا.. اعتماد بطاقة الملاعب كبطاقة وحيدة لولوج الصحفيين والمصورين المهنيين للملاعب    الحكومة تُعزز حماية تراث المغرب وتَزيد استيراد الأبقار لتموين سوق اللحوم    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط: اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحقيق (جريدة الوطن الان) حول أحداث العيون الأخيرة


صحراء بريس / منير الكتاوي (الوطن الان)
قبل أن تحط الطائرة القادمة من مدينة الدار البيضاء في مطار العيون، تسابق عدد من ركابها كي يشاهدوا من الأعلى آثار «شبه الحرب» بين المتظاهرين والقوات العمومية، في حين كان أحد ركابها يحاول معرفة آخر التطورات بعد حرق عدد من محلاته التجارية بشارع السمارة.. وكانت أحاديث القتلى والجرحى هي الغالبة طوال زمن الرحلة.
«الوطن الآن»، استطلعت الأوضاع من عين المكان، لتنقل لقرائها تفاصيل الأيام السوداء في العيون
العيون: منير الكتاوي
وجود طائرة عسكرية ضخمة من نوع630 ومروحيتين لنفس القطاع، بمدرج مطار الحسن الأول بالعيون، ووجود العشرات من شاحنات القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي بموقف السيارات خارج المطار، وانتشار المئات من مختلف عناصر القوات العمومية على طول الطريق المؤدية لمركز المدينة، واستمرار تصاعد الأدخنة من السيارات المحترقة والعجلات المطاطية بمختلف الأزقة، وغلق بعض الأزقة بالحجارة، وشبه حالة «حظر التجول»... هذه كلها مؤثثات لمدينة لم تلملم بعد آثار المواجهات الدامية بين متظاهرين وقوات الأمن العمومي. فكيف تطورت الأحداث لتسفر عن سقوط قتلى منهم ثمانية أمنيين ومدني واحد، وجرح العشرات من الطرفين واعتقال أزيد من 160 شخصا (إحصاءات الثلاثاء مساء، لحظة تحرير المقال)، وتخريب العشرات من المؤسسات العمومية والخاصة والمحلات التجارية؟
عشاء على شرف ممثلي المخيم
تكثفت جهود السلطات المحلية والمركزية بشكل ملحوظ على إنهاء مشكل مخيم «إكديم إيزيك» بالعيون، قبل ذكرى المسيرة الخضراء (6 نونبر) وانطلاق المشاورات التفاوضية بين المغرب وجبهة البوليساريو (8-9 نونبر).. إذ رأى البعض أن استمرار الوضع بهذا الشكل من شأنه جعل المغرب في موقف ضعيف في تلك المشاورات، إذ كان لزاما اتخاذ كافة الإجراءات من أجل وضع حد لمخيم عمر قرابة شهر (منذ 10/10/2010). فقد انطلقت خلال الأسبوع الأول من شهر نونبر عمليات توزيع البقع الأرضية وتسليم بطائق الإنعاش الوطني «الكارطيات»، ورغم أن هذا البرنامج الذي استفادت منه بالخصوص الأرامل والمطلقات أعطى انطلاقته الوالي الأسبق لجهة العيون الشرقي اضريس، ليتممه في ما بعد الوالي السابق محمد الظريف، قبل أن يعيده إلى الواجهة الإعلامية الوالي الحالي محمد أجلموس، فإن الوضع استمر في مخيم النازحين، ولم يتم إزالة ولو خيمة واحدة. كما أن نزول عدد من البرلمانيين والمسؤولين الإداريين الصحراويين إلى العيون لم يعط نتيجة تذكر، وذلك في ظل الرفض الذي كانت تبديه لجنة الحوار لمقابلة أي مسؤول صحراوي، متشبثة بلقاء مسؤول يمثل وزارة الداخلية، وهو ما جعل وفدا يتقدمه وزير الداخلية الطيب الشرقاوي رفقة مدير ديوانه محمد صالح التامك، ومدير قسم الإنعاش الوطني الحضرمي، يجرون لقاءين متتاليين مع لجنة الحوار، كان آخرها اللقاء الذي تم عشية يوم الخميس 4 نونبر 2010، بمقر إقامة الوالي اجلموس، بحضور عدد من رؤساء المصالح المدنية والأمنية، وتم الكشف فيه على أن الدولة ممثلة في أعلى سلطة تتفهم المطالب الاجتماعية، ومستعدة لتلبيتها، شرط إخلاء المخيم في أقرب وقت ممكن، ليتوج هذا اللقاء بحفل عشاء بإحدى الإقامات الفاخرة بمنطقة فم الواد. ورغم حضور اللجنة الممثلة للنازحين في هذا الحفل، فقد رفضت توقيع محضر ينص على الإتفاق، والتمست إجراء مشاورات مع قاطني المخيم، لوضعهم في الصورة.
محمد اجلموس ممنوع من ولوج المخيم
على هامش الحوار بين الطرفين تم الاتفاق على أن تجرى جولة أخرى من المفاوضات، وأن يتم التهييء لزيارة ممثلي السلطة المركزية والمحلية للمخيم صباح يوم الجمعة 5 نونبر. وبينما كان أعضاء تنسيقية المخيم (27 فردا) يناقشون رفقة لجنة الحوار (9 أفراد، من بينهم امرأة) مستجدات الحوار الأخير مع وزير الداخلية، علموا بأن الوالي اجلموس رفقة العامل الشرعي والواليين الحضرمي والتامك وعناصر من الدرك الملكي، قد حوصروا من قبل العشرات من عناصر أمن المخيم. كان ذلك في حدود الساعة العاشرة صباحا من يوم الجمعة المذكور. وما إن تمكن ممثلو المخيم من الوصول إلى مكان محاصرة ممثلي وزارة الداخلية، حتى تجمع حولهم العشرات من الصحراويين. ورغم محاولات لجنة الحوار بمعية بعض أعضاء التنسيقية تفريق المجتمعين والاستفسار عن سبب «الزيارة الاستبقاية» للوالي اجلموس ومن معه، بحيث -حسب عضو من لجنة الحوار- كان الاتفاق على ترتيب الزيارة بعد إحاطة قاطني المخيم علما بمجريات المفاوضات، فإن تشكيل العشرات من عناصر أمن المخيم الملثمين وبلباس مميز (جيليات سوداء)، مشكلين حاجزا بشريا، ورفعهم لشعارات رافضة لدخولهم للمخيم، منعتهم من الاقتراب من الزوار، وهو ما يطرح سؤال علاقة لجنة الحوار بعناصر الأمن الملثمين. وكان عبد الله الخفاوني هو الشخص الوحيد الذي بكلمة واحدة وضع حدا لهذه الإشكالية، إذ كشفت مصادر «الوطن الآن» من أنه «مدير الأمن» الفعلي للمخيم، حيث اقتحم صفوف المحتجين، وبإشارة واحدة من يده، تراجع «مرؤوسوه» للخلف، وبوجه مكشوف مرتديا معطفا بقبعة بيضاء اللون، خاطب الوالي والوفد المرافق له: «أش ذاك الشي؟»، ليجيبه الوالي اجلموس: «عندنا موعد مع لجنة الحوار داخل المخيم». عندها استدار لخفاوني في اتجاه بعض أعضاء لجنة الحوار الذين اصطفوا وراء طوق الملثمين، وخاطبهم قائلا: «اللي داير مع هاذ الناس يخرج عندهم، أو يمشي معاهم للولاية». ويحكي أحد أفراد أمن المخيم أن أعضاء لجنة الحوار، لم يستطع أحد منهم أن ينطق بكلمة واحدة، ليتوجه لخفاوني نحو الوفد الرسمي قائلا: «هذا المخيم محظور دخوله على ممثلي السلطة والشيوخ والأعيان والبرلمانيين، وهو ليس فضاء للحوار». فلم يكن أمام أعضاء الوفد الرسمي سوى التراجع للخلف وسط نظرات شاخصة من الصحراويين. وبعد استراحة قصيرة داخل إحدى الخيام المنصوبة على المدخل المحروس من قبل عناصر الجيش والدرك، غادروا المكان في اتجاه مقر الولاية.
بوليساريو وسط النازحين
«هناك احترام شبه عسكري للمهام والتراتبية داخل المخيم»، يؤكد أحد أعضاء تنسيقية المخيم، معتبرا أن صمت أعضاء لجنة الحوار أمام عبد الله لخفاوني، يأتي في هذا السياق، «وهي أمور تم الاتفاق على احترامها منذ تشكيل نواة المخيم بداية شهر أكتوبر 2010». مضيفا «مما جعلنا نعود أدراجنا، ونتمم لقاءاتنا التشاورية، حيث اعتبرنا من حيث المبدأ أن خطاب وزير الداخلية كان مشجعا على إتمام المفاوضات ووضع حد للمخيم، بغض النظر عن عدم وجود ضمانات ملموسة للحل. واعتبرنا أن مطالبنا الاجتماعية لقيت صدى لدى أعلى سلطة في البلاد، إلى درجة أن بعض أعضاء تنسيقية المخيم، كان يسير في اتجاه قبول إعطاء النازحين بطائق الإنعاش، وهو ما يبين رغبتنا الصريحة والصادقة لحل المشكل».
أمام هذا الوضع اعتبر بلاغ لوزارة الداخلية، بعد زوال يوم الجمعة، أن هناك عناصر داخل المخيم تعمل وفق أجندة سياسية مرتبطة بالخارج، وتحاول عرقلة اللقاءات الحوارية بين الطرفين، وذلك في إشارة إلى وجود عناصر تعلن ولاءها لجبهة البوليساريو داخل المخيم، وهو معطى أخبرت به «الوطن الآن» من خلال تحقيق ميداني منشور يوم الخميس 28 أكتوبر الماضي، إذ كان رمزا الانفصال النعمة أسفاري رفقة أحمد السباعي ومن يتعاطفون معهما إضافة إلى بعض الصحافيين الإسبان داخل المخيم منذ الأسبوع الثاني (أي 18 أكتوبر). وكان النعمة يعتبر في تسجيلاته المصورة والمنزلة على موقع «يوتوب» أن المخيم انطلق بمطالب اجتماعية واقتصادية، لكن الزمن كفيل بأن تتحول المطالب إلى خلفية سياسية.
«تحرك النعمة بشكل ملحوظ داخل خيام المخيم لم يكن في علمنا، يقول أحد أعضاء لجنة الحوار ل «الوطن الآن»، لكن مادام أنه لم يكن يعبر عن مواقفه السياسية أمام الملأ، واعترافه الشخصي لنا بأن وجوده في المخيم منطلقه مواطن صحراوي صرف، ولاعلاقة لذلك بقناعاته السياسية، جعلنا لا نتسرع في اتخاذ قرار بطرده خارج المخيم، إضافة إلى كونه يمثل إحدى أكبر الفخذات في قبيلة الركيبات، وهي السواعد.. ومع ذلك ارتأينا بعد جمع المعطيات عنه، تبليغه بأن وجوده في المخيم غير مرغوب فيه. وهو ما تم بالفعل، حيث صرح لنا بأنه يتفهم ظروفنا وسعينا نحو إيجاد حل فعلي للنازحين، ليخرج من المخيم بشكل خفي رفقة زميله السباعي والصحافيين الإسبان، مع أن السلطات المعنية علمت بخروجه من المخيم».
ترقب لمضامين الخطاب الملكي
ظلت الطريق الوحيدة المؤدية إلى مخيم «إكديم إيزيك» شرق العيون، سالكة في وجه الجميع، وعرفت أوجها خلال يوم السبت 6 نونبر المتزامن مع الذكرى 35 للمسيرة الخضراء، حيث توافد على المخيم المئات من الصحراويين، من أجل قضاء نهاية الأسبوع في المخيم. وإذا كان البعض فضل قضاء يوم كامل والعودة للمدينة في المساء، فإن عددا لابأس به قضى الليل هناك رفقة أسرته وعائلته في طقوس البادية الصحراوية. لكن في الساعة الثامنة والنصف مساء، توقفت حركة المخيم، حيث كانوا ينصتون باهتمام بالغ للخطاب الملكي ولمضامينه. «بعد سلسلة الحوارات التي لم تأت بشيء ملموس مع ممثلي وزارة الداخلية، كان الأمل معقودا على مضمون الخطاب الملكي، يقول أحد أعضاء لجنة الحوار».. مضيفا «بصعوبة بالغة أقنعنا أعضاء تنسيقية المخيم (جلهم له مستويات تعليمية متدنية)، بأن هناك إشارات قوية من أجل الإصلاح والتنمية».. وقد زاد من الأمل اتصال هاتفي من قبل الوالي محمد صالح التامك مدير ديوان وزير الداخلية مع أحد أعضاء لجنة الحوار، مفاده أن هناك زيارة لوفد رفيع المستوى يمثل الأطر الصحراوية في مختلف القطاعات المدنية والأمنية، وبأنه ستتم تسوية الملف في غضون 48 ساعة على أبعد تقدير.. وهي تأكيدات تلقاها ممثلو النازحين بارتياح كبير، جعل عددا منهم يغادر المخيم في تلك الليلة قصد الاستحمام وأخذ قسط من الراحة.
إغلاق شارع السمارة
لم يختلف صباح يوم الأحد 7 نونبر 2010 عن سابقيه. ففي الساعات الأولى من إشراقة الشمس، كانت عناصر الأمن الرسمية الممثلة في الجيش والدرك والقوات المساعدة من جهة، والملثمون المكلفون بأمن المخيم، كل في موقعه المعتاد؛ وكان هناك شبه تنسيق بين الطرفين، حيث كان يمثل أمن المخيم في الواجهة عبد الجليل المغيمض، ووراء الستار عبد الله الخفاوني الذي كان يلقب ب «البريفي»، في حين يمثل أمن القوات العمومية عنصر من جهاز الدرك برتبة كولونيل ماجور، والذي غير ما مرة يجتمع ب «البريفي» (Prefet) من أجل ضمان أمن المخيم داخليا وخارجيا. غير أن صدور بيان مجهول في اليوم الموالي لذكرى المسيرة الخضراء، يتحدث باسم النازحين عن ما اعتبره «الشعب الصحراوي» و«المعركة النضالية من أجل التحرر والاستقلال والحق في تقرير المصير»، سيقلب الأوراق داخل المخيم وخارجه، إذ نفى أعضاء لجنة الحوار أي علاقة لهم بهذا البيان، متهمين جهات تسعى للمقاربة الأمنية في فك المخيم، ليتزامن ذلك مع منع السلطات المحلية بمطار الدارالبيضاء النائب الأوروبي «ويلي مايير» من مغادرة مطار محمد الخامس بنية التوجه إلى العيون ووضعته صباح الاثنين في طائرة متجهة إلى باريز.
ومع منتصف يوم الأحد بدأت تتحرك تعزيزات أمنية ودركية وعسكرية معززين بالهراوات والقنابل المسيلة للدموع في اتجاه الطريق المؤدية نحو مخيم «إكديم إيزيك»، وهو ما بررته وزارة الداخلية في بلاغها بأن هناك أشخاصا في المخيم يحتجزون بعض النازحين الذين أبدوا رغبتهم في الاستفادة من توزيع البقع و«الكارطيات» التي تقوم بها السلطات المحلية. وكانت الصورة في حدود الساعة الرابعة بعد الزوال هي إغلاق تام لطريق السمارة المؤدي للمخيم، ووضع عشرات الشاحنات تحمل خراطيم المياه وسيارات الإسعاف. وضع جعل ما يزيد عن 70 سيارة مختلفة الأحجام، تتجمع في شريط يمتد على طول شارع السمارة، من مدرسة نكجير إلى نقطة التفتيش المنصوبة قرب منتجع الخيمة. ومع توالي الساعات بدأ بعض الأشخاص يفقدون صبرهم، خصوصا من كان يحمل دواء لقريب مريض، أو علبة حليب لرضيع بالمخيم، أو طعاما أو شرابا لأسرته، وكان جواب ممثلي السلطات العمومية هو وجود تعليمات بعدم الولوج للمخيم. واستمر جو الاحتقان إلى حدود الساعة 6 والنصف، حيث قدم بعض المراهقين من أحياء العودة والدويرات والأمل والراحة وتقاطع شارع طانطان، وبدأوا برمي أجهزة الدرك والشرطة بالحجارة، وترديد شعارات سياسية، فكان الرد سريعا لتشرع قوات الأمن في صب الماء عبر الخراطيم في اتجاه من تجمعوا بشارع السمارة، ليختلط الحابل بالنابل، وتتكسر واجهات عدد من السيارات التي كانت متوقفة في انتظار السماح لأصحابها بالمرور نحو المخيم. ونفس الأمر بالنسبة لواجهات المحلات التجارية بنفس الشارع. ومن هناك انتقلت المواجهات التي أسفرت عن وقوع عدد من الجرحى إلى أحياء مجاورة مثل المطار واسكيكيمة وبوكراع ومعطى الله..
وعلى الضفة الأخرى من المخيم، كانت الاتصالات الهاتفية شبه معطلة بحكم الضغط المكثف على شبكة الاتصالات في نقطة واحدة. وكانت المعلومات المتواترة من هناك تفيد بأن هناك تدخلا وشيكا سيقع، وهو ما أكدته عمليات إزالة الحواجز الرملية التي كانت تحيط بالمخيم من كل الواجهات، بواسطة 8 جرافات تابعة للدرك الملكي.. وكان آخر مقطع رملي أزيل في حدود الساعة الثالثة صباحا من يوم الإثنين 8 نونبر 2010.
يوم ليس كباقي الأيام
آخر اتصال هاتفي أجري بين الحسين الزاوي، عضو لجنة الحوار، الذي قضى ليلته بالمخيم مع أحد زملائه بمدينة العيون، كان في حدود الساعة الرابعة والربع من صباح يوم الإثنين 8 نونبر 2010، حيث تم الاطمئنان على أن الأجواء عادية. ويصارح الزاوي صديقه عبر الهاتف: «غدا أو بعد غد، رانا نتهناو من ذي نبغة المخيم» (أي رماله)، ليخلد إلى النوم العميق تحت حراسة أمنية معتادة لعناصر المخيم الذين كانوا يتناوبون على الحراسة على رأس كل ساعة بشكل منظم ومضبوط.
يتصفح مصدرنا هاتفه النقال، ويقول: «تلقيت مكالمة هاتفية من الحسين الزاوي بالضبط على الساعة 5 و37 دقيقة فجرا، وبصوت مضطرب قال لي إن هناك تحركا مكثفا لسيارات وشاحنات جميع التشكيلات الأمنية الرسمية طلبت منه التريث، بحكم أنه غير ما مرة يقوم الجيش ومعه الدرك بمثل هذه التحركات كأسلوب للضغط النفسي على النازحين بالمخيم. لكن إصرار الزاوي على أن هذا التحرك مثير ويحتمل التدخل بقوة، جعلني أقوم من فراشي وأتجه صوب المخيم».
«يا أهل الصحرا، اجمعوا دبشكم، وامركو من الخيام بالشور عليكم»، صوت تردد غير ما مرة عبر مكبر الصوت المنطلق من مروحية عسكرية كانت تحلق في مستوى منخفض من المخيم. كان ذلك في حدود الساعة 5 و50 دقيقة، وهو ما تسبب في حالة من الهلع والذعر في صفوف النازحين، فيما تطلع عدد من الشيوخ الذين أنهوا للتو صلاة الفجر، وتحلق بعضهم خارج الخيام «يعدلو أتاي»، في حين خرج عدد من الشبان يستطلعون الوضع. ولأن فرق المداومة الأمنية للمخيم كانت تشتغل، فإن حالة من الاستثناء أعلنت في صفوفها. وحسب مصدر من المخيم، فقد أخذت كل «فرقة» مكانها محيطة بالدوائر الست للمخيم يحملون السيوف والعصي. ولم تمر أكثر من ربع ساعة حتى بدأت المواجهات الميدانية، المروحيات الثلاث تصب الماء من الأعلى وشاحنات الجيش والدرك ترمي القنابل المسيلة للدموع على بعد عشرات الأمتار من المخيم، في حين تقدمت سيارات مكشوفة تابعة للجيش والدرك باتجاه المخيم من كل الواجهات. اشتباكات وصفها مصدرنا بأنها كانت قوية، خصوصا وأن الفرق الأمنية للمخيم كانت تعتمد على خطة تشتيت مواكب سيارات القوات العمومية، ومحاصرة كل واحدة على حدة. ويكشف نفس المصدر أن عدد عناصر أمن المخيم كان يصل إلى حوالي 1600 فرد، مدججين بالسيوف والعصي، إضافة إلى دعم المئات من الشبان والشابات الذين كانوا يحاولون صد تقدم القوات العمومي، وإضافة إلى انخراط عدد من بعض أعضاء تنسيقية المخيم ولجنة الحوار في هذه المواجهات. بالمقابل كانت خطة الأمن الرسمي تعتمد دفع النازحين إلى احتمالين لا ثالث لهما، إما التجمع في نقطة واحدة ليسهل السيطرة عليهم، ونجحت بعض القنابل المسيلة للدموع في ذلك حيث كان البعض يتجه إلى وسط المخيم؛ وإما الخروج مباشرة من المخيم بعد إزالة الحواجز الرملية ومساعدة عناصر الوقاية المدنية في إركاب عدد منهم في الحافلات التابعة للمكتب الشريف للفوسفاط، مع تأكيد من قبل عدد من المصادر أنه لم يتم إطلاق ولو رصاصة واحدة. ولعل هذا مايفسر الحصيلة الثقيلة المؤقتة في صفوف قوات الأمن بين جرحى وقتلى، حيث يصف لنا مصدرنا كيف كان بعض عناصر الانفصاليين بالمخيم الملثمين يحاولون الصعود لسيارات الدرك، وضربهم بقوة بواسطة سيوف أعدت لهذا الغرض منذ بداية المخيم، ورميهم بالزجاجات الحارقة وقنينات الغاز، أما النساء والشيوخ والأطفال فقد تحولت عدد من الممرات خارج حدود المخيم إلى لوحة ألوان مختلفة لشيوخ يرتدون الدراعات، ونساء يرتدين الملاحف، في حين كان الأطفال رفقة أسرهم يسارعون الخطى في اتجاه الحافلات التي أعدتها السلطات المحلية لنقلهم إلى مدينة العيون. ولم تمنع النيران المشتعلة بعدد من الخيام استمرار المواجهة رغم أن رحاها كانت تدور في أرض مكشوفة مما سهل من مهمة السلطات العمومية في التحكم في الوضع، بعد إمدادات لوجيستيكية من المعسكر الذي أقيم قرب الطريق المؤدية إلى «لمسيد»، واعتقال العشرات من المتظاهرين. وما هي إلا ساعة من الزمن حتى سيطرت قوات الأمن على منطقة العمليات، علما فرار عدد من الصحراويين الملثمين، واختفائهم عن الأنظار، مع تسجيل أن عبد الله لخفاوني كان يتزعم هجوم العناصر الملثمة التابعة له، ويعطي الأوامر في ما يخص انتشار عناصره وتوجيههم، مستقلا سيارة رباعية الدفع من نوع «لاندروفير».
هذا التدخل الأمني، حسب محمد الدخيسي والي أمن العيون: «تم تحت إشراف النيابة العامة وفي إطار القانون، وبوشر بعد إشعار وتوجيه إنذارات للمعنيين بالأمر الذين أصروا على الاعتداء على عناصر القوات العمومية، مما خلف حصيلة مؤقتة للقتلى بصفوف قوات الأمن في خمسة، أربعة لقوا مصرعهم خلال تدخل قوات الأمن بالمخيم، والخامس قتل طعنا بالسلاح الأبيض من طرف مثيري الشغب بالعيون».
الأرض تحترق بالعيون
بمجرد علم أهالي وأسر النازحين بخبر اقتحام القوات العمومية للمخيم، توجهوا بالمئات نحو نقطة التفتيش الموجودة قرب منتجع الخيمة، حيث ظلت التعزيزات العسكرية مكثفة من أجل صد أي انفلات أمني، فكانت أولى المجموعات التي تقاطرت على المكان في حدود الساعة السادسة صباحا، وعلى طول شارع السمارة أخذت مختلف التشكيلات الأمنية مواقعها على ضفتي الشارع بشكل مدروس من أجل التحكم في الوضع. وبعد تجمع فاق الألفي مواطن، جلهم من الشباب والمراهقين، بدأوا برفع الشعارات والصفير، لتنفجر أول قارورة غاز من الحجم الصغير قرب وكالة «هيونداي» في حدود الساعة 6 و40 دقيقة، مما خلق نوعا من الاضطراب في صفوف المتظاهرين الذين كان جلهم يخفون وجوههم بلثام أسود اللون. بالمقابل أعطيت الأوامر لعناصر قوات السيمي والبوليس والمخازنية بتفريق التجمعات، لكن العدد المتزايد للمتظاهرين جعل من الصعب التحكم في الوضع، مما استدعى الاستعانة بإمدادات بشرية ولوجيستيكية من الثكنات القريب من شارع السمارة، وبالخصوص من الملعب الرياضي. تشتيت جعل عددا من المراهقين يعبرون عن غضبهم من خلال إزالة الأعلام الوطنية ورفع رايات البوليساريو، وحرق عدد من المؤسسات البنكية والمحلات التجارية والمؤسسات العمومية الإدارية والتعليمية والأمنية وتخريبها وسرقة ممتلكاتها، إضافة إلى وضع حواجز في الطريق عبارة عن أحجار وعجلات مطاطية تشتعل فيها النيران. ومع تصاعد الأدخنة من عدد من السيارات المدنية والإدارية، التي احترقت بشكل شبه تام، تحولت عدد من أحياء المدينة إلى مواجهات تعتمد الكر والفر بين عناصر الأمن ومتظاهرين ملثمين. ولم ينج مقر الإذاعة والتلفزة من التخريب، إذ تسلل بعض الملثمين -في حدود الساعة العاشرة صباحا- إليه وأضرموا النار في سيارات المصلحة، ولولا يقظة بعض عناصر الأمن العمومي والخاص لتمكن المتظاهرون من اقتحام مقري الإذاعة والتلفزة. ولم يهدأ الوضع بشكل نسبي إلا في حدود الساعة الواحدة ظهرا عندما كانت 3 مروحيات عسكرية تحلق على مستوى منخفض من بعض الساحات والشوارع فاسحة المجال لتدخل قوات الأمن. ومع ذلك كشفت مصادر «الوطن الآن» عن شراسة في المواجهات بين الطرفين لا تقل عن مثيلتها في مخيم «إكديم إيزيك»، إذ تمت الاستعانة بالزجاجات الحارقة وقارورات الغاز والأسلحة البيضاء، في الإيقاع بعنصر من القوات المساعدة الذي تم تطويقه من قبل العشرات من الملثمين بحي الدويرات، وذبحه بطريقة وحشية، لا تنم عن أي شعور إنساني.. وحسب طريقة تحرك المتظاهرين، فإنهم كانوا يريدون إشراك جميع الأحياء في المواجهات مع السلطة، إلى درجة حرق عدد من المحلات التجارية التي تعود ملكيتها لمواطنين من شمال المغرب، في محاولة استفزازية. وهو ما نجحوا فيه بعدد من الأحياء، حيث نشبت «شبه حرب أهلية» بين المواطنين الصحراويين وغيرهم من ذوي الأصول الشمالية في أحياء سوق الجمال وسوق لمخاخ والرحيبة وكولومينا ومعطى الله. وفي ظل هذه الظروف تم تطويق مقري ولاية الجهة وولاية الأمن وعدد من المؤسسات الحساسة من قبيل المطار ومقر بعثة «المينورسو» و«فوسبوكراع»، وكذا المستشفى العسكري، وطبعا مقر الإذاعة والتلفزة والقناة الثانية بشارع مولاي رشيد.
ووقفت «الوطن الآن»، من خلال تفقدها لعدد من الأحياء والأزقة، على حالات التخريب التي طالت بعض منازل الشيوخ والأعيان مثل عمارة لخريف، ومحطات بنزين تابعة لآل الدرهم واقتحام فيلات سلامة الديش ومبارك ازفاطي وعبد الله الدرهم وابراهيم السي بيدي، وإحراق بعض سياراتهم.في حين لم تتعرض ممتلكات أعيان آخرين كبار بالعيون لأي مس أو اعتداء بشكل جعل البعض يطرح علامات استفهام وهل الأمر مقصود ومخط له أم هي فقط صدفة ماكرة ولم تهذأ المدينة بشكل تام إلا في حدود الساعة السابعة مساء، في حين كانت دوريات للجيش والدرك الملكي تجول عبر مختلف الأحياء والأزقة تفرق أي تجمع يفوق اثنين، مما يعني أن الوضع قريب من «حظر التجول»، لتنام مدينة العيون بعد يوم أسود دامي، يعيد حسابات وخطط كل طرفي المواجهة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.