لجأت الحكومة إلى الفصل 77 من الدستور لرفض تعديل المادة 56 من المدونة العامة للضرائب، وتحديدا ما يتعلق بالأجور والدخول المعتبرة في حكمها، حيث سبق لمجلس المستشارين أن صوت على تعديل تقدمت به الكونفدرالية الديمقراطية للشغل يقضي بحذف معاشات المتقاعدين من قائمة الدخول الخاضعة للضريبة. وصوت أعضاء مجلس المستشارين في الجلسة العامة للتصويت على قانون المالية لسنة 2020، يوم الجمعة الماضية، على إعفاء معاشات المتقاعدين من قائمة الدخول الخاضعة للضريبة، إلا أن وزير الاقتصاد والمالية، احتج عندما أثيرت مسألة الإعفاء في المجلس المذكور، بكونها ستكلف الموازنة حوالي 1,062 مليار درهم. وبعد “فيتو” الحكومة أمام أعضاء مجلس النواب، تم الاكتفاء بالتعديل الذي سبق للجنتي المالية في المجلسين أن صوتا عليه، والمتمثل في تطبيق خصم على الضريبة على الدخل التي تخضع لها معاشات المتقاعدين التي تتراوح بين 6 آلاف و14 ألف درهم، من 55 في المائة إلى 60 في المائة، علما أن جميع المعاشات التي تقل عن 6000 درهم شهريا معفاة أصلا من الضريبة على الدخل. كما أبقى التعديل على فرض الضريبة على الدخل بالنسبة للمعاشات التي تتجاوز 14000 درهم شهريا، وهي المعاشات التي يمثل أصحابها ما مجموعه 8 في المائة من عموم المتقاعدين. إلى ذلك، ينص الفصل 77 من الدستور على أن البرلمان والحكومة يسهران على الحفاظ على توازن مالية الدولة، حيث يمنح الحكومة الحق في أن ترفض، بعد بيان الأسباب، المقترحات والتعديلات التي يتقدم بها أعضاء البرلمان، إذا كان قبولها يؤدي بالنسبة لقانون المالية إلى تخفيض الموارد العمومية، أو إلى إحداث تكليف عمومي، أو الزيادة في تكليف موجود. من جهته قال أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية عمر الشرقاوي، إن وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، محمد بنشعبون، والمنتمي لحزب التجمع الوطني للأحرار، يرفع "فيتو الفصل 77، ويطيح بمعاشات المتقاعدين، ويرفع الحرج عن البرلمانيين، معتبرا ذلك "إخراجا سيئا ورديئا قامت به الحكومة ورؤساء الفرق البرلمانية قبل التوجه لقاعة التصويت"، واصفا إياها أنها "مسرحية رديئة". المحلل السياسي، أشار في تصريح للزميلة جريدة “نفس”، إلى أنه تم حبك سيناريو خاص، للقيام بهذه العملية، حيث أفاد الشرقاوي، أن "البرلمانيين كانوا في حرج بسبب عدم رغبتهم في التصويت على إلغاء الضريبة على معاشات المتقاعدين"، مضيفا أنه تم اقتراح الحل على وزير المالية باستعمال الفصل 77 من الدستور أو ما يسمى ب"الفيتو المالي"، وهو فصل لا تتلوه مناقشة ولا تصويت. وأضاف الشرقاوي، أنه بمجرد انعقاد جلسة المالية التي ترأسها عبد الله بوانو، حتى "أشهر بنشعبون الفصل 77، فبطل اللجوء للتصويت، والنتيجة كانت إسقاط تعديل إعفاء المتقاعدين من الضريبة، والذي يهم أكثر من مليون متقاعد، واختبئ البرلمانيون وراء ظهر الحكومة التي قررت مواجهة المتقاعدين وكسب عدائهم". ولم يكن لهذا السيناريو الذي خالف كل المؤشرات التي سبقته أن يرى النور، لولا عقد الوزير محمد بنشعبون اجتماعا بحضور رئيس لجنة المالية عبد الله بوانو، مع رؤساء الفرق والمجموعة النيابية بالغرفة الأولى، تم فيه الاتفاق على استعمال الفصل 77 من الدستور، وبالتالي إبطال أي مناقشة أو تصويت للمشروع، عملا بالمثل الشعبي الدارج "الحِيلَة آحسْن من العار"، يضيف الشرقاوي. من جهة أخرى، لم يكن إعفاء معاشات المتقاعدين المغاربة من الضريبة، التعديل الوحيد الذي أشهرت الحكومة ورقة الفصل 77 من الدستور لإسقاطه، بل شمل ذلك تعديلات أخرى في مقدمتها إضافة 1000 منصب شغل لصالح وزارة الصحة، معلنة عن خلق أكثر من 23 ألف وظيفة جديدة في العام المقبل، مبرزة أن الداخلية والدفاع والصحة، يحصلان على حصة الأسد منها. وجاءت الصحة في المركز الثالث من حيث المناصب المالية المتوقعة بأربعة آلاف منصب، بعد الداخلية ب 9100 منصب مالي والدفاع الوطني بخمسة آلاف منصب مالية. واستعمل الفصل 77 أيضا، لرفض تعديل آخر صادق عليه مجلس المستشارين، على المادة 6 من المدونة العامة للضرائب، تقدم به فريق الأصالة والمعاصرة، وحزب الاستقلال ومجموعة الاتحاد العام للمقاولات المغرب وفريق التقدم والاشتراكية، يقضي بأن تعفى من الضريبة تعويضات البحث العلمي المدفوعة للأساتذة الباحثين بالتعليم العالي العمومي التابعين للجامعات ومؤسسات تكوين الأطر ومراكز التربية والتكوين. وتتوخى الحكومة من خلال مشروع قانون المالية لسنة 2020 تحقيق نمو اقتصادي في حدود 3.7 في المائة، مع مواصلة التحكم في التضخم في أقل من 2 في المائة، وضمان استقرار التوازنات المالية من خلال نسبة عجز في حدود 3.5 في المائة. وفي سياق متصل، صادق مجلس النواب، أول أمس الأربعاء 11 دجنبر، بالأغلبية في قراءة ثانية، على مشروع قانون المالية لسنة 2020. وأجمعت أغلبية مجلس النواب، على المصادقة على مشروع قانون المالية لسنة 2020، حيث صوت 171 نائبا لصالح مشروع القانون، فيما عارضه 62، ويشار في الصدد ذاته إلى أن لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، كانت قد صادقت في وقت سابق من اليوم ذاته، على المشروع بأغلبية 21 نائبا ومعارضة عضو واحد وذلك في قراءة ثانية بعدما صادق عليه، مجلس المستشارين الجمعة الماضية، وأدخل عليه عدد من التعديلات.