قال محمد عبد النباوي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، أمس بمراكش، إن موضوع “زواج القاصر” يستدعي وقفة جدية للتأمل والمراجعة لأنه في تماس مع حقوق الطفل المكفولة دستوريا ودوليا، وكون حماية هذه الحقوق جزء لا يتجزأ من التنمية الشاملة وبناء المجتمع الديموقراطي الحديث. وأضاف رئيس النيابة العامة، في كلمة له، في اللقاء الدراسي حول “زواج القاصر”، المنظم يومي 29 و30 أكتوبر 2019 بمراكش، أن جلالة الملك محمد السادس مافتئ يؤكد على موضوع زواج القاصر في العديد من خطاباته ورسائله السامية، آخرها الرسالة السامية الموجهة إلى المشاركين في الدورة الأولى للمناظرة الوطنية للتنمية البشرية المنعقدة بتاريخ 19 شتنبر 2019 تحت شعار “الطفولة المبكرة التزام من أجل المستقبل”. واعتبر عبد النباوي، أن موضوع زواج القاصر يتميز بتعدد أبعاده الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدينية ثم القضائية، وأن مكان القاصر الطبيعي هو مقاعد الدراسة والنعيم بحضن الأبوين ودفء الأسرة بعيداً عن تحمل مسؤولية الزواج وما يترتب عنها من تبعات جسام، قد تتفاقم حين تكون الأم طفلة تربي طفلا أنجبته من بطنها أو حين يكون الأب طفلا مسؤولاً عن تربية طفل من صلبه. لذا يقتضي الأمر، يؤكد رئيس النيابة العامة، استحضار مختلف هذه الأبعاد في هذا اللقاء، واستحضار الارتفاع المتزايد لطلبات الإذن بزواج القاصر المقدمة للقضاء، والذي أصبح أمراً مثيراً للقلق. حيث تجاوز عدد الطلبات المقدمة إلى المحاكم سنة 2018، 33686 طلب . وهو ما يطرح، في نظره، التساؤل حول المواقف المتخذة حيال هذه الطلبات من قبل مختلف المتدخلين ومن قبل الأجهزة القضائية، ومن بينها النيابة العامة. وتساءل عبد النباوي، هل تعامل القضاة مع هؤلاء القاصرين كأبنائهم وبناتهم، أم كملفات قضائية، وهل راعوا مصلحتهم كما يراعي الآباء مصالح أبنائهم القاصرين، واختاروا لهم ما يؤهلهم لكسب رهانات المستقبل المعقدة، وحافظوا على سلامتهم الجسدية والنفسية، ومكنوهم من الاستمتاع بطفولتهم ومواصلة دراستهم وتكوينهم ؟ معتبرا أن هذه الأسئلة سيجيب عنها ضمير كل قاضية وقاض مكلف بقضايا الطفولة، ولاسيما الموكل إليهم أمر تزويج القاصرين. لقد عملت رئاسة النيابة العامة، يؤكد النباوي، على إصدار عدة دوريات من أهمها الدورية رقم 20 المتعلقة بزواج القاصرين التي تم توجيهها لأعضاء النيابة العامة بمختلف محاكم المملكة، من أجل حثهم على ضرورة الحرص على مراعاة المصلحة الفضلى للقاصرين بمناسبة تطبيق مقتضيات مدونة الأسرة، وذلك عبر تقديم الملتمسات والمستنتجات الضرورية، وعدم التردد في معارضة طلبات الزواج التي لا تراعي المصلحة الفضلى للقاصر، وجعل جلسات البحث مناسبة لتوعية القاصر بالأضرار التي يمكن أن تترتب عن الزواج المبكر، والاستعانة في ذلك بالمساعدات الاجتماعيات والحرص على الحضور في جميع الجلسات المتعلقة بزواج القاصر. وهو توجه، وصفه رئيس النيابة العامة ب ” الحمائي للقاصرين”، داعيا أعضاء النيابة العامة إلى التمسك به، والسعي إلى حسن تطبيقه في مهامهم رعيا لمصلحة القاصرين. وفي نفس السياق، وانخراطا في التوجه العام للدولة نحو فهم مختلف أبعاد الظاهرة وإيجاد أنجع السبل للحد منها، أفاد رئيس النيابة العامة، أن رئاسة النيابة العامة تعمل على إعداد دراسة تشخيصية في الموضوع، ينتظر منها تسليط الضوء على الإشكاليات التي تعترض السعي للحد من زواج القاصرات سيما على مستوى التدخل القضائي، كما تتوخى الكشف عن مختلف صور التحايل التي يتم اللجوء إليها لشرعنة الزواج المبكر أو جعله أمرا واقعا وملزما للقرار القضائي. كما تهتم الدراسة، يضيف عبد النباوي، بتحليل ما قد يطرحه الموضوع من تقاطعات قانونية وقضائية مع مواضيع أخرى كالعنف ضد الزوجة أو الطرد من بيت الزوجية وإهمال الأسرة أو الزواج القسري، وغيره من القضايا ذات الصلة بزواج القاصر وكيفية معالجتها عندما يتعلق الأمر بقاصرات. ويأتي تنظيم هذين اليومين في نسق هذه الدراسة، بغاية تسليط الضوء على بعض الإشكاليات وتدارس بعض القضايا الواقعية من أجل فهمها وتفهمها والبحث لها عن حلول أو اقتراحات حلول. تجدر الإشارة، إلى أن هذا الملتقى الذي تحتضنه مراكش الحمراء، يتم تنظيمه من طرف رئاسة النيابة العامة بتعاون مع صندوق الأممالمتحدة للطفولة اليونسيف.