شددت التوصيات التي أصدرتها الجامعة السنوية لحزب التقدم والاشتراكية، إثر انتهاء أشغالها أول أمس السبت بالمقر المركزي للحزب في الرباط، تحت شعار: “البعد الايكولوجي في المشروع الديمقراطي التقدمي”، على أن الرأسمالية لا يمكن أن تتبنى الاختيار الايكولوجي والقضايا البيئية، إلا مرغمة من خلال الضغط الشعبي المدني والسياسي، والتشريع الوطني والدولي، داعية إلى ضرورة فتح نقاش عمومي على مستوى كل الفروع المحلية والإقليمية والجهوية للحزب وعلى صعيد منظماته الموازية وقطاعاته السوسيو مهنية، من أجل إدماج المسألة الإيكولوجية في البرامج التكوينية والانتخابية لحزب الكتاب. وأكدت خلاصات الجامعة السنوية لحزب التقدم والاشتراكية، التي تميزت بمشاركة ومساهمة ثلة من الأساتذة والخبراء من مختلف الحساسيات السياسية والأكاديمية والجمعوية والمهنية من داخل وخارج المغرب، على أن الحركات الإيكولوجية والقوى التقدمية عبر العالم انفتحت تدريجيا على المجال الإيكولوجي وطورت توجهاتها البرنامجية نحو الدفاع عن سلامة البيئة، خصوصا وأن الإيكولوجية السياسية في ممارساتها اعتمدت عددا من القيم الاشتراكية كالمناصفة، والحريات الفردية والدفاع عن الأقليات وضمان حقوقها في التواجد والاستمرار. واعتبر الحزب أن التحديات الإيكولوجية ومجابهة التغيرات المناخية تمثل تهديدا وفرصة في نفس الآن للعالم وللمغرب أيضا، إن تم تكييفها من أجل إحداث التغيرات الاجتماعية والاقتصادية اللازمة، داعيا إلى عدم الاعتقاد بأن المسألة الإيكولوجية هي مسألة قائمة بذاتها وأن معالجتها يمكن أن تتم بمعزل عن العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والمجالية، مشددا على أنه بذلك يتعين توفر الدولة على إرادة سياسية قوية لإنجاح نموذج تنموي بديل وشامل محوره الإنسان يدمج البعد البيئي بشكل حاسم وقوي. وشدد حزب التقدم والاشتراكية، الذي دأب من خلال موعده السنوي على ملامسة ومقاربة مختلف المواضيع ذات الراهنية، مقرونة باقتراح توجهات وتوصيات في هذا الشأن، وذلك تكريسا للدور الذي مافتئ يلعبه كقوة اقتراحية تسعى إلى إغناء النقاش السياسي وبلورة رؤى كفيلة بالإجابة على الأسئلة المتعددة لإشكالية التنمية بالمغرب، (شدد) على أن المعركة من أجل ربح الرهان الإيكولوجي تستدعي من القوى السياسية اهتماما حقيقيا وفعليا لتعميق التفكير في كل الجوانب المرتبطة بها سياسيا واقتصاديا وثقافيا، مبرزا أن هذا ما يسعى إليه حزب التقدم والاشتراكية الذي يعد الحزب الوطني التاريخي الذي يهدف إلى الإسهام الجدي في هذا المضمار، لا على أساس تقليد نموذج جاهز مستورد، ولكن من خلال المساهمة في ابتكار نموذج مغربي من صنع الطاقات البشرية الوطنية التي تزخر بها البلاد وفي تناغم مع القوى الإيكولوجية عبر العالم. وتطرق الحزب إلى عدد من التدابير الإجرائية التي يجب عليه الدفع في اتجاهها على المدى القريب والمتوسط، معتبرا في هذا السياق أنه يجب تقوية دور المجتمع المدني والعمل إلى جانبه من خلال المساهمة في تشبيك الجمعيات خصوصا على المستوى المحلي وتأطير دورها والتشجيع على الترافع حول القضايا البيئية في أفق خلق جمعية إيكولوجية من طرف الحزب. وأضاف أنه يجب العمل كحزب على تأطير وتكوين وتحسيس المواطنات والمواطنين، وإدماج البعد الايكولوجي في التربية على المواطنة واحترام البيئة في الأنشطة المدرسية وتكييف المقررات المدرسية، وفي البحث العلمي والابتكار، إضافة إلى تكريس لقاء سنوي خاص لتدارس موضوع الإيكولوجيا للوقوف لتقييم وتقويم كل مبادرات الحزب في هذا الشأن. وتابع أنه يجب فتح قنوات للتعاون والتنسيق مع منظمات وأحزاب على الصعيد الإقليمي والعالمي والقيام بمبادرات مشتركة، إلى جانب توثيق كل اللقاءات التي يعقدها الحزب في هذا المضمار وإنجاز إستراتيجية تواصلية تميز عمل الحزب في الحقل السياسي. ويتوخى حزب التقدم والاشتراكية باختياره لموضوع ذي أهمية كونية ووطنية، تماشيا مع الفكر الذي يحمله والذي يشكل جزء من مرجعيته الأيديولوجية وهويته الفكرية، من خلال الجامعة السنوية لسنة 2019، إبراز أهمية المقاربة الشمولية للمسألة الإيكولوجية وضرورة معالجتها على أساس محورية الإنسان (المنتج والمستهلك)، في أفق صياغة تصور متقاسم للإشكالية الإيكولوجية في إطار النموذج التنموي الوطني البديل. إضافة إلى كل ذلك، جاءت الجامعة السنوية من أجل تأطير مسار التأقلم والتطوير الهوياتي والبرنامجي والنضالي للحزب، والمتوجه حاليا نحو تكريس إدراج البعد الإيكولوجي ضمن منظومة قيمه ومبادئه وبرامجه وأساسياته. إلى ذلك، تميز افتتاح أشغال الجامعة السنوية، بكلمة للأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، محمد نبيل بنعبد الله، حيث ذكر بأرضية النقاش وإطاره العام، وذلك بعد أن استعرض المسار التطوري للحزب منذ نشأته ومسعاه الدائم نحو التكيف والتأقلم مع كل المستجدات الفكرية والنظرية، مع الحفاظ على تواثبه وآفاق نضالاته من أجل الديمقراطية ودولة المؤسسات، والمساواة، والعدالة الاجتماعية، والحريات الفردية والجماعية. وعرفت الجامعة السنوية لحزب التقدم والاشتراكية جلستين محوريتين متكاملتين لمقاربة السؤال الإيكولوجي من جوانبه المختلفة، وأحاطت الأولى بالمسألة الإيكولوجية بين التأصيل الفكري والمرجعيات السياسية، وتناولت الثانية المسألة الإيكولوجية كمدخل للتنمية والعدالة الاجتماعية والمجالية، بمداخلات أطرها خبراء وفاعلون وباحثون تلاقح فيها النظري والسياسي والتدبيري والمؤسساتي، تلتها نقاشات وتفاعلات عدد من المشاركين ضمن أشغال الجامعة. وتمخضت مضامين ونقاشات الجلسة الأولى، والتي ساهم في تأطيرها كل من الباحث الجامعي العربي مرابط، والأستاذة الجامعية حسنة كجي، ثم وزيرة البيئة السابقة والخبيرة في مجال الإيكولوجيا حكيمة الحيطي، ما يمكن توليفه في 10 نقاط أساسية. الرهان الإيكولوجي رهان أولوي وخلصت الجلسة الأولى إلى أن الرهان الإيكولوجي رهان أولوي للقرن 21، وذلك أن الحياة على الأرض تواجه مخاطر جدية أهمها النتائج الكارثية للتغيرات المناخية، وتتمظهر بالأساس في انقراض عدد هائل من الأنواع النباتية والحيوانية، وتقلص المساحات الغابوية، وتواتر الظواهر المناخية القصوى، وإساءة استعمال الأرض، والإفراط في استغلال الموارد الطبيعية، والتلوث الناتج عن النشاط البشري، والإجهاد المائي، وارتفاع درجة حرارة الأرض بفعل الازدياد المهول لانبعاث الغازات الدفيئة. وتم الوقوف خلال الجلسة نفسها على أن الشعوب والدول، خاصة الأقل تنمية، والأفراد، والأجيال اللاحقة، تجابه تهديدات جدية تتعلق بالصحة العامة، ونضوب موارد العيش، وأساسا تواجه الإنسانية مخاطر تهدد الحق في الحياة، وفي العيش الآمن، وفي الاستفادة المتوازنة والعادلة من الثروات. واعتبرت الجلسة ذاتها أن المسألة الإيكولوجية قضية عابرة للمدارس الفكرية والأنظمة الاقتصادية التقليدية ما بعد الثورة الصناعية وأنماط الإنتاج عند النظامين الرأسمالي والاشتراكي، موضحة أن نمط الإنتاج والاستهلاك المفروض حاليا من طرف النظام الرأسمالي المهيمن والمتعطش إلى الربح، واستنزاف الموارد الطبيعية، وإلى اختلاق تبريرات لسياسة العرض المكثف، وإلى صناعة إيديولوجية الاستهلاك، واقتحام أسواق جديدة، هو نمط لا يقيم أي اعتبار لمحدودية ثروات الأرض ولا لحق الأجيال اللاحقة في الحياة، ولا لحق الطبقات الفقيرة في الولوج إلى شروط العيش الكريم، وإن الإنتاجوية productivisme البشعة وأنماط الاستهلاك consumérisme اللامتناهية لا تأخذ بعين الاعتبار محدودية الموارد الطبيعية في الأرض. وتم التأكيد خلال الجلسة على أن مسؤولية النظام النيوليبرالي لا تتجلى فقط في إفراز الاختلالات الطبيعية والمخاطر الإيكولوجية، وإنما أيضا في القضاء على اقتصاديات الدول، وحرمان شعوب البلدان الأقل تقدما من التنمية التي يكون محورها الإنسان، لاسيما عبر اتفاقيات غير متكافئة للتبادل الحر. وشدد المتدخلون على ضرورة الحد من هيمنة القيمة التبادليةValeur d'échange في مقابل القيمة الاستعمالية Valeur d'usage عبر تنظيم الإنتاج وذلك من أجل السعي لتغطية الحاجات الاجتماعية من جهة وحماية البيئة من جهة أخرى. وأضح المتدخلون أنه تم بروز نماذج تنموية بديلة من قبيل الرأسمالية الخضراء التي تقوم على أساس اعتماد حلول نظيفة، لكنها تبقى حلولا تؤدي لنفس العواقب الاجتماعية والبيئية الوخيمة، مشددين على أن الرأسمالية لا تسعى لمعالجة عميقة للكوارث البيئية التي تسببها بل تروم استعمالها كمشروع استثماري ضخم تستحوذ عليه وحدها لينتشلها من أزمتها المستفحلة. واعتبر المتدخلون أن مفهوم التنمية المستدامة لا زال يكرس ضبابية خطابات النماذج التنموية بدمجه لحقول ومجالات متعددة دون الأخذ بعين الاعتبار الحمولة السياسية للنموذج التنموي المنشود، مشيرين إلى أن الغطاء السياسي والتحولات القيمية والحضارية تضع الاشتراكية كنظام بديل يقطع مع الدوغمائية وينهل من سعيه نحو المساواة وتعليم جيد ونبذ التفاوتات الاجتماعية والمجالية من أجل تنمية اقتصادية حقيقية وتقدم الإنسان، معتبرين أنه بالمقابل هناك تنام للوعي الإيكولوجي، كما أن هناك مجهودات بذلت وتبذل في إطار مؤسساتي من طرف الدول والمنظمات الدولية والمجتمع المدني… ثم بروز رأي عام عالمي مما طرح علاقات الشمال (الغني) والجنوب (الفقير) من منظور جديد، إذ من المفترض أن يحل التعاون بدل الصراع (الحرب الباردة) مع الأخذ بعين الاعتبار التحولات العميقة التي يعرفها العالم من رقمنة وتكنولوجيا حديثة. وأكد المشاركون على وجوب تنفيذ مضامين الاتفاقيات الدولية (اتفاق باريس، أجندة أهداف التنمية المستدامة في أفق سنة 2030) كالتزامات للدول الصناعية وكدين بيئي تجاه الدول الفقيرة في مجال التأقلم Adaptation et Atténuation التخفيف. المسألة ألإيكولوجية كمدخل للتنمية والعدالة الاجتماعية والمجالية أما خلاصات الجلسة الثانية والتي قاربت المسألة الإيكولوجية كمدخل للتنمية والعدالة الاجتماعية والمجالية من خلال تدخلات كل من المقاول في المجال الصناعي عدنان المدور، والأستاذ الجامعي محمد الإفريقي ثم الإطار بالقطاع المكلف بالبيئة حسناء الشهابي، فيمكن تركيبها أيضا في 10 نقاط، من أبرزها الإقرار بكون المغرب حقق مكتسبات مؤسساتية قوية في هذا المجال: دستور جديد، قانون إطار،… وحتى مكتسبات قطاعية هامة على جميع المستويات لكن يظل تأثيرها غير كاف اجتماعيا ومجاليا، والمغرب بصدد التحول إلى أحد أهم الفاعلين في مجال الانتقال الطاقي، ويسعى جديا إلى تحقيق الريادة في اعتماد سياسة الطاقات البديلة والنظيفة، حسب المتدخلين خلال هذه الجلسة. فقد تبنت الحكومات المتتالية في مجال التنمية الاقتصادية والصناعية والفلاحية والخدماتية، حسب المتدخلين، سياسة القطاعات، التي وإن أدت إلى نتائج متفاوتة، فإنها أظهرت محدوديتها في بلوغ مستوى يلبي حاجيات المواطنات والمواطنين وعيشهم وسط بيئة سليمة، وهو ما يطرح ضرورة التوجه نحو التقاء السياسات العمومية وسياسات تنموية مندمجة يكون محورها الإنسان ومحيطه البيئي، واعتبروا أن النموذج التنموي البديل فرصة لإدماج البعد الإيكولوجي عبر مشاريع ذات حمولات سياسية تقطع مع كل مظاهر الريع البيئي واجتثاث الموارد الطبيعية. وتابع المتدخلون أنه من الممكن تبني النهج السليم لتنمية الاقتصاد الوطني وتصنيع البلاد انطلاقا من الموارد الطبيعية المحلية وارتباطا بحاجيات المجتمع مع الأخذ بعين الاعتبار التحولات التكنولوجية والاقتصاد الدائري بعيدا عن النموذج الإنتاجوي المتهور، كما يجب القطع مع النهج الاستخراجي التقليدي الذي يلقي بالتكاليف الاجتماعية على كاهل المواطنين. وعرج المتدخلون أيضا على النقص المعرفي حول رهانات تراجع الرصيد الإيكولوجي وتدهور التنوع البيولوجي وآثار التغير المناخي على الصعيد المجالي وفراغ على مستوى آليات الاستغلال العقلاني للموارد المجالية، داعين إلى أهمية الأخذ بعين الاعتبار الأنماط التقليدية لتدبير المجالات الطبيعية الهشة مع مواكبة الساكنة/ الإنسان ببرامج اجتماعية جادة ومستديمة، مع السعي إلى القطع مع بعض الانحرافات التي تلغى، باسم إنقاذ/حماية الطبيعة، الاحتكام إلى قواعد الديمقراطية وخصوصا في شكلها التشاركي (Paiement des Services Eco systémiques capital Immateriel، إضافة إلى تنمية القطاعات الاجتماعية كالسكن والصحة والنقل باعتماد الوسائل البعيدة عن التلوث والحافظة لسلامة البيئة، ثم نهج سياسة مائية تلبي الحاجيات وتحارب التبذير وتصون الفرشة المائية في بلد مناخه مطبوع بشح التساقطات المطرية وعدم انتظاميتها. واعتبر المتدخلون أن المغرب في حاجة إلى منظومة تربوية وإعلامية وقيمية تعمل على نشر ثقافة احترام البيئة وتقوية قدرة الجامعة على احتضان البحث العلمي القادر على مواكبة التطور الصناعي والفلاحي والمرتبطة بالنهج الإيكولوجي (Innovation)، مشددين على ضرورة انخراط مختلف الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين، على أن تلعب الدولة دورها كموجه استراتيجي (leadership). حزب التقدم والاشتراكية: الإشكالية الإيكولوجية أصبحت في عمق القضايا المجتمعية التي لها تأثير كبير على حاضر ومستقبل البشرية أبرز حزب التقدم والاشتراكية في ورقة تأطيرية للجامعة السنوية، أن التوجهات الأخيرة للحزب تعتبر أن الإشكالية الإيكولوجية أصبحت في عمق القضايا المجتمعية التي لها تأثير كبير على حاضر ومستقبل البشرية، مبرزا أنه لذلك ينظم جامعته السنوية هذا العام حول موضوع «البعد الإيكولوجي في المشروع الديمقراطي التقدمي». وأوضح أن اختيار الموضوع أملته ثلاث ضرورات وسياقات رئيسة، تتمثل الأهمية البالغة التي باتت تكتسيها القضايا الإيكولوجية كونيا بالنسبة لحاضر ومستقبل البشرية، والتي تحولت إلى مسألة محورية ضمن مجالات صناعة القرار، وبالنسبة لحقول اشتغال المنظمات والهيئات ومكونات المجتمع المدني، دوليا ووطنيا؛ وأيضا النقاش الدائر وطنيا حول النموذج التنموي البديل، وما يتعين أن ينطوي عليه من محورية الإنسان في العملية التنموية، وما ينبغي أن يتضمنه من إدماجٍ للبعد الإيكولوجي باعتباره شرطا أساسا من شروط استدامة التنمية، ثم تأطير مسار التأقلم والتطوير الهوياتي والبرنامجي والنضالي للحزب، والمتوجه حاليا نحو تكريس إدراج البعد الإيكولوجي ضمن منظومة قيمه ومبادئه وبرامجه وأساسياته. وتابع الحزب في الورقة نفسها أنه من المؤكد أن الحياة على الأرض تواجه مخاطر جدية تتمظهر بالأساس في انقراض عدد هائل من الأنواع النباتية والحيوانية، وتقلص المساحات الغابوية، وتواتر الظواهر المناخية القصوى، وإساءة استعمال الأرض، والإفراط في استغلال الموارد الطبيعية، والتلوث الناتج عن النشاط البشري، والإجهاد المائي، وارتفاع درجة حرارة الأرض بفعل الازدياد المهول لانبعاث الغازات الدفيئة.. إلخ. واعتبر الحزب أن كل ذلك يعد بمثابة النتيجة المنطقية لنمط الإنتاج والاستهلاك المفروض حاليا من طرف النظام الرأسمالي المهيمن والمتعطش على الدوام إلى مزيد من الربح، وإلى استنزاف الموارد الطبيعية، وإلى اختلاق حاجات مصطنعة تبرر سياسة العرض المكثف، وإلى صناعة إيديولوجية الاستهلاك، واقتحام أسواق جديدة، موازاة مع استغلال الشرائح الكادحة، وذلك من أجل إدامة الاستثمار وتبريره وتمديده وضمان عائداته المالية بشكل لا متناه، دون إعارة أي اعتبار لمحدودية ثروات الأرض ولا لحق الأجيال اللاحقة في الحياة، ولا لحق الطبقات الفقيرة في الولوج إلى شروط العيش الكريم. وشدد الحزب على أن المسؤولية التي يتحملها النظام النيوليبرالي بهذا الصدد لا تتجلى فقط في إفراز الاختلالات الطبيعية والمخاطر الإيكولوجية، وإنما أيضا في القضاء على اقتصاديات الدول، ووأْد تطلعات شعوب البلدان الأقل تقدما نحو التنمية والعدالة، لاسيما من خلال هيمنة الدول والتجمعات المتقدمة اقتصاديا على مواردها وأسواقها عبر اتفاقيات غير متكافئة للتبادل الحر ترعاها منظمة التجارة العالمية. وأبرز الحزب في الورقة عينها أن المغرب، ووعيا منه بالمخاطر الإيكولوجية، فقد انخرط في الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي، عبر مجموعة من الالتزامات والإصلاحات الدستورية والتشريعية والمؤسساتية والتنظيمية، كما انضم إلى عدد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، وهو أيضا بصدد التحول إلى أحد أهم الفاعلين في مجال الانتقال الطاقي، لاسيما بالنظر إلى التزامه برفع حصة الطاقة النظيفة لسد الحاجيات الوطنية إلى 52 في المائة في أفق سنة 2030، مضيفا أنه مع ذلك، توجد إكراهات ومعيقات عديدة ومتنوعة، منها ما هو متعلق ببنية نظام الإنتاج والاستهلاك، ومنها ما هو متصل بتدبير وتمويل وتملك حلول القضايا الإيكولوجية، تجعل مما يبذل من مجهودات هامة، سواء على الصعيد الدولي أو على المستوى الوطني، غير كاف وذا نتائج لا تزال محدودة الأثر. وأكد الحزب على أن التجاوز الجذري للوضع الإيكولوجي الحالي يفترض المرور إلى أنماط جديدة في التفكير والسلوك العمومي والفردي، لاسيما في ما يتصل بالترابطات بين الإنتاج والتبادل، وبين الإنسان والطبيعة، وإحداث التحول الثقافي الكفيل بتغيير مفهوم الحاجة وكلفة إشباعها، وإعادة التوازن والتناغم للعلاقة بين الإنسان ومحيطه الطبيعي، وتجاوز نمط الإنتاجية عبر نماذج مجتمعية تنموية تنتج ما تستهلك وتستهلك ما تنتج، مؤكدا على أن النظام الرأسمالي لا يستطيع أن يحقق كل ذلك، بالنظر إلى طبيعته وبنيته، ليظل الرهان مرحليا معلقا على الحركات الإيكولوجية والقوى التقدمية، حيث أنه مطروح اليوم على القوى المناصرة للبيئة أن تواصل الترافع والنضال من أجل أجرأة مقتضيات الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن التغيرات المناخية، كسقف أدنى، للإبقاء على الاحترار العالمي دون مستوى درجتين مئويتين، والوصول إلى اقتصاد خال من الكربون، ودفع البلدان الأكثر تسببا في الإضرار بالبيئة نحو الالتزام بمضامين الاتفاقية المذكورة على الأقل. واقترح الحزب سبل إجرائية عديدة لتعميق التفكير فيها واستكشاف آفاقها، من بينها التوجه نحو اعتماد نموذج اقتصادي يقوم أساسا على الطاقات المتجددة في أفق التحول إلى بلد منتج يتحكم في موارده، وكذا إعادة توجيه الإنتاج الفلاحي نحو تلبية حاجيات السوق الداخلي بدل التركيز على الفلاحة التصديرية التي لا تستفيد منها سوى فئة محدودة من المستثمرين، فضلا عن التوفيق الخلاق بين متطلبات الاقتصاد ومقتضيات الحفاظ على الموارد الطبيعية، خاصة من خلال تعويض التبادل الحر المطلق بالتبادل النافع والمنحصر في حدود خدمة الحاجات الفعلية للاقتصاد الوطني، بالإضافة إلى ترسيخ السياسات البيئية الذكية التي تؤدي إلى مزيد من الاستثمار ومزيد من الابتكار ومزيد من مناصب الشغل في نفس الوقت. *** بنعبد الله: البعد الإيكولوجي حاضر في أدبيات الحزب منذ سنوات شدد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، نبيل بنعبدالله، خلال كلمته الافتتاحية لأشغال الجامعة السنوية للحزب، أول أمس السبت، على قناعة الحزب الراسخة بوجوب وضرورة مقاربة المسألة الإيكولوجية خارج دائرة التصورات السياسية والبرنامجية العارضة. وأكد بنعبد الله، على ضرورة نفوذ هذه المقاربة إلى دائرة الثوابت المذهبية والإيديولوجية التي تشكل هوية الحزب الفكرية والسياسية، بعيدا عن الترف الفكري وركوب أمواج سياسية وإعلامية عابرة، والسعي السياسوي لكسب تعاطف فئات مجتمعية إضافية، مؤكدا على أن القناعة أصبحت أكثر ترسخا لما عرفه ويعرفه السؤال الإيكولوجي من اهتمام ونقاش متناميين في أوساط مختلفة ومتعددة، ومحور أساس في أجندة العلاقات الدولية ومحددات السياسات الوطنية العمومية ومرافعات المؤسسات غير الحكومية والمجتمع المدني. وعلاقة براهنية السعي إلى بلورة النموذج التنموي البديل للبلاد والذي قدم الحزب تصوره بخصوصه، أكد الأمين العام أنه لا يمكن تصور التنمية إلا ومحورها الإنسان، بحاضره ومستقبله، وهو ما يستدعي تضمين النموذج التنموي إدماج البعد الإيكولوجي باعتباره شرطا أساسا من شروط استدامة التنمية. عبد الأحد الفاسي الفهري: البعد الإيكولوجي من مكونات الهوية الاشتراكية قال عبد الأحد الفاسي الفهري، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، إن الجامعة السنوية هي سنة حميدة تعقد سنويا بمناسبة الدخول السياسي. وأبرز الفاسي الفهري في تصريح صحفي لجريدة بيان اليوم، أن الحزب قرر هذه السنة تخصيص موضوع أساسي للجامعة السنوية وهو الإيكولوجيا. واعتبر عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، أن الموضوع الذي تم اختياره للجامعة السنوية هو إشكالية مطروحة اليوم بقوة، مشددا على أن هذه القضية تعد من مكونات الهوية الاشتراكية، «لأن الاشتراكية بطبيعة الحال هي محاربة استغلال الإنسان للإنسان، وهي بمثابة عدالة اجتماعية، وهي عدد من المبادئ والقيم…». وتابع الفاسي الفهري أن الاشتراكية أيضا هي البحث عن سبل تعزيز هذا البعد الايكولوجي، موضحا أن الأخير فيه بعد يهم الحفاظ على الثروات الطبيعية ومحاربة جميع أشكال تدهور الأوساط والمجالات الطبيعية ثم أيضا التضامن الاجتماعي والتضامن ما بين الأجيال وبعد اقتصادي مهم. وأضاف عبد الأحد الفاسي الفهري أن «هذا كله جعلنا نهتم بهذا الموضوع بحضور مجموعة من الخبراء الدوليين منهم مغاربة واجانب حتى نتعمق أكثر في النقاش»، مضيفا أن هناك مسألة نظرية ما بين الإيكولوجيا والاشتراكية وأيضا مسألة أساسية تتمثل في وجود عدد مهم من منظمات وجمعيات المجتمع المدني التي تشتغل في المجال، معتبرا أن المجال الطبيعي لمناضلي الحزب هو وسط هذه المعارك من أجل الحفاظ على البيئة ومحاربة مختف أشكال التدهور الطبيعي. حسنة كجي: القضية البيئية مصيرية وهناك مشاكل بيئية حقيقية قالت أستاذة الدراسات السياسية والدولية بجامعة الحسن الثاني الدارالبيضاء، رئيسة مركز الدراسات والأبحاث للبيئة والتنمية المستدامة، حسنة كجي إن المغرب كغيره من دول العالم الثالث، يولي اهتماما بموضوع البيئة والتنمية، ابتداء من السبعينات، متأثرا بنتائج مؤتمر ستوكهلم، إذ اتخذ مجموعة من الإجراءات إن على مستوى القوانين أو المؤسسات أو على مستوى السياسات العمومية، مجهودات انخرطت فيها كل فعاليات المجتمع السياسية منها والمدنية، بالإضافة لدور المؤسسة الملكية على هذا المستوى، وإن كان لابد من مضاعفة الجهود أكثر. أما على مستوى الأحزاب السياسية، أوضحت كجي في مداخلتها خلال الجلسة الأولى من الجامعة الصيفية لحزب التقدم والاشتراكية، أن الاهتمام بموضوع البيئة بدأ من خلال إدراجه ضمن برامج الحزب، مع ما يتطلب ذلك من مزيد من العمل من أجل تملك القضية البيئية باعتبارها قضية مصيرية، مبرزة أن حزب التقدم والاشتراكية على هذا المستوى راكم بعضا من هذا الاهتمام من خلال مجموعة من المحطات، ولعل أبرزها تنظيم دورة هذه السنة للجامعة السنوية في موضوع البعد الإيكولوجي في المشروع الديمقراطي التقدمي. وشددت كجي، خلال مداخلتها، على أن هناك مشاكل بيئية حقيقية متمثلة أساسا في التلوث، اندثار الأحياء البيولوجية، التصحر، تراجع الغابات، التغيرات المناخية… مضيفة أنه بالمقابل هناك تنام للوعي البيئي، كما أن هناك مجهودات بذلت وتبذل في إطار مؤسساتي عبر الدول والمنظمات الدولية ذكرت منها: بروز رأي عام عالمي، طرح علاقات الشمال والجنوب من منظور جديد، التعاون والدعم المادي والتقني بهدف التصدي للتحديات البيئية المشتركة، ظهور نوع جديد من التفاعلات، إذ حل التعاون بدل الصراع (الحرب الباردة)، سن قوانين وعقد معاهدات واتفاقيات ذات موضوعات تتعلق بالتحديات البيئية، ظهور قضايا بيئية تتجاوز الحدود السياسية، كالتغيرات المناخية. وأبرزت كجي أن المغرب تبنى الكثير من الاستراتيجيات، موضحة أن لديه قوانين مهمة، ومؤسسات مختصة: استشراف المستقبل، الوعي البيئي، التربية البيئية، تنزيل القوانين، تحيينها، تحفيزات ضريبية، مشيرة إلى أنه يلزم في نفس الوقت سن إجراءات زجرية، جعل المواطن في قلب السياسات العمومية، باعتباره هو الأداة وهو الهدف، خاصة على مستوى صياغة وتنزيل النموذج التنموي الجديد، عن طريق ولوجه للتعليم والصحة والسكن في ظروف صحية ملائمة، والحق في المعلومة البيئية، والحق في البيئة كما نص على ذلك الدستور. وأكدت كجي أن حزب التقدم والاشتراكية، تعاطى مع قضايا البيئة، من خلال مجموعة من المحطات السابقة، من أبرزها تزكية مرشحين يحملون الهم البيئي، كمشروع وكمبتغى وكقناعة، كما تجلى هذا الاهتمام أيضا من خلال ندوة الدارالبيضاء (حزب التقدم والاشتراكية والخيار الإيكولوجي)، وكذلك من خلال تضمين البرنامج السياسي لانتخابات 2016 المعطى البيئي، ثم اليوم بتنظيمه الجامعة السنوية حول موضوع البيئية، يكون قد رسخ انخراطه في القضايا البيئية ذات الراهنية العالمية والوطنية والمحلية، لما لها من ارتباط وثيق بمرتكزاته المبنية على العدالة الاجتماعية، والتوزيع العادل للثروات. حسناء شهابي: التنمية بأشكالها الحالية غير قابلة للاستمرار اعتبرت حسناء الشهابي، إطار بالقطاع الوزاري المكلف بالبيئة، خلال مداخلتها بالجلسة الثانية بالجامعة السنوية لحزب التقدم والاشتراكية، أن التنمية بأشكالها الحالية في المغرب الكبير، وفي عموم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، غير قابلة للاستمرار على المدى الطويل، بينما يستمر الاعتماد على صادرات المواد الخام والتكنولوجيا المستوردة، ويستمر الفقر والبطالة كتحديين جسيمين، ويستمر معهما التدهور البيئي الذي يستهدف حتى الأجيال المستقبلية. وتابعت الشهابي أن هاجس النمو الاقتصادي للرأسمالية الشرسة يبرر ذلك بمنطق السوق الساعي وراء أقصى قدر ممكن من الربح الذي يساعد على ذلك، مبرزة أنه مع ذلك لا زالت في خندق اللامحدود للموارد المادية للكوكب (قدرته على تحمل التلوث والنفايات) ولا التناهي الحتمي للموارد الطبيعية المتاحة للرأسمالية، فضلا عن ذلك غياب تصور سياسي على المستوى الدولي من أجل مواجهة الكوارث الطبيعية الجديدة. مبرزة أن النظريات الاشتراكية البيئية كانت الساعية إلى إخضاع القيمة التبادلية للقيمة الاستعمالية عبر تنظيم الإنتاج حسب الحاجات الاجتماعية، ومتطلبات حماية البيئة غائبة عند التصور التقدمي والإنساني في ما يخص الايكولوجية بالنسبة لرهانات التنمية. وتابعت الشهابي أنه لهذه الغاية أصبح الرأسماليون يقودون بدائل من قبيل الرأسمالية الخضراء المزعومة التي تقوم على أساس اعتماد حلول نظيفة، لكنها للأسف حلول تؤدي لنفس العواقب الاجتماعية والبيئية الوخيمة، موضحة أن الرأسمالية لا تسعى لمعالجة عميقة للكوارث البيئية التي تسببها بل تروم إلى استعمالها كمشروع استثماري ضخم تستحوذ عليه وحدها لينتشلها من أزمتها المستفحلة. وشددت شهابي على أنه يتعين في حزب التقدم والاشتراكية بلورة رؤى جديدة تتجاوز مقاومة الهجوم الضاري الحالي للرأسمالية التي تجبر الإنسان على أنماط حياة قائمة على الاستهلاك المفرط، مشيرة إلى أنه سبق لحزب التقدم والاشتراكية أن تبنى الخيار الإيكولوجي ضمن مرجعيته الفكرية المرتكزة على قيم الاشتراكية المجسدة في الحرية والعدالة الاجتماعية، ثم أطلق مشروع الاشتراكية الخضراء وذلك بربط أي نموذج تنموي تنخرط فيه البلاد بالبعد البيئي والإيكولوجي عبر إرساء مشروع مجتمعي متناغم بين الطبيعة والإنسان وضمان حقوق الأجيال القادمة بوقف جرافة الرأسمالية تحت غطاء التنمية المستدامة. وقالت شهابي إن العالم اليوم يعيش تغيرا مناخيا مهولا، ولعل أكبر الفاجعات البيئية لحقت مؤخرا بالمغرب في كل من مناطق الجنوب بالرشيدية مراكش وتارودانت، وكل هذه الاضطرابات الجوية ناجمة عن تدهور النظام البيئي. واعتبرت شهابي أن الإنتاجية تستنزف الموارد الطبيعية وتتسبب في الاضطرابات المناخية، واستحضرت شهادة الرئيس البوليفي في الجمعية العامة للأمم المتحدة عندما أقر أن الرأسمالية هي السبب الرئيسي في تفاقم الأزمة المناخية نظرا لتلوث الغلاف الجوي وارتفاع درجة الحرارة الذي نجم عنه ثقب الأوزون وتلويث المياه… وأشارت المتدخلة إلى أن البلدان الإفريقية تعيش ظلما مناخيا بحكم أنها لا تلوث لكنها هي من تتحمل أضرار الرأسمالية بسبب أنماط الإنتاج والاستهلاك التي جعلت كل شيء سلعة ليكون مصدرا لأقصى ربح. وهذا ما يكرس انعدام المساواة الاجتماعية، مما دفع بمسيرات عالمية حول المناخ أن تحمل شعارات لا عدالة مناخية بدون عدالة ضريبية / جبائية وعدالة اجتماعية.