يأتي الاحتفال باليوم العالمي لحماية طبقة الأوزون، الذي يصادف يومه الاثنين 16 شتنبر، بينما تظهر بوادر انفراج تبدو في الأفق من أجل كوكب سليم، بعد مؤشرات تبرز تعافي الطبقة العليا من الغلاف الجوي التي تحمي الحياة على الأرض من التأثيرات الضارة للأشعة فوق البنفسجية للشمس. ويتجلى هذا التفاؤل في الشعار الذي اختارته الأممالمتحدة للاحتفال باليوم العالمي لسنة 2019 وهو “32 عاما على البروتوكول وتعافي الأوزون”، حيث يراد منه الاحتفاء بمرور ثلاثة عقود من التعاون الدولي الحثيث في سبيل حماية طبقة الأوزون والمناخ بموجب بروتوكول مونتريال. وتجسد هذا التعافي في تقرير علمي صدر في نيويورك يوم 5 نونبر من العام الماضي أكدت نتائجه التعافي المستمر الذي تشهده طبقة الأوزون، بما اعتبرته الأممالمتحدة “دليلا عمليا على ما يمكن أن تحققه الاتفاقيات العالمية المعنية بمجابهة مشاكل تغير المناخ”. ووفقا للمنظمة الأممية، فإن النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة العلمية الأحدث في سلسلة يتم إصدارها كل أربع سنوات وتدعمها المنظمة الأممية، تعتبر “مصدر إلهام للعالم لاتخاذ إجراءات مناخية أكثر طموحا لوقف الارتفاع الكارثي في درجات حرارة العالم”. طبقة الأوزون تتعافى ويوضح “التقييم العلمي لاستنفاد الأوزون للعام 2018” استعادة طبقة الأوزون لتعافيها في طبقة الستراتوسفير، وهي الطبقة العليا من الغلاف الجوي التي تحمي الحياة على الأرض من التأثيرات الضارة للأشعة فوق البنفسجية للشمس. وقد بين التقرير أن تركيز المواد المستنفدة للأوزون يواصل الانخفاض، مما يؤدي إلى تحسن وتعاف في الطبقة، منذ التقييم الأخير الذي أجري سنة 2014. وظلت طبقة الأوزون في أجزاء من الطبقة العليا من الغلاف الجوي تتعافى بمعدل يتراوح بين 1 إلى 3 في المائة منذ سنة 2000. وحسب المعدلات المتوقعة، فإن طبقة الأوزون على خطوط العرض المتوسطة في النصف الشمالي للكرة الأرضية ستتماثل للتعافي تماما خلال العقد الثالث من هذا القرن، يليه النصف الجنوبي في العقد الخامس، بينما يتوقع أن يتعافى غلاف المناطق القطبية بالكامل خلال عقد 2060. ويعزو العلماء ما تشهده طبقة الأوزون من تحسن إلى الإجراءات المتوافق عليها دوليا بموجب “بروتوكول مونتريال” كمعاهدة دولية تم التوافق عليها منذ أكثر من 30 عاما استجابة للكشف عن تأثير الغازات الضارة ومركبات الكربون وغيرها من المواد المستنفذة التي تتسبب في إحداث ثقب في طبقة الأوزون، مما يسمح للأشعة فوق البنفسجية الخطيرة باختراق الغلاف الجوي. ومن المقرر أن يتم في العام الجاري الاتفاق على تعزيز بروتوكول مونتريال وتقوية فعاليته بالتصديق على “تعديل كيغالي” الذي يدعو إلى تخفيض أكبر للغازات المناخية القوية المستخدمة في الثلاجات ومكيفات الهواء والمنتجات ذات الصلة. وبغض النظر عن التفاؤل الذي يخيم على أجواء الاحتفاء باليوم العالمي لطبقة الأوزون لهذه السنة، فإن هذا الحدث يشكل في حد ذاته مناسبة لإبراز الجهود الرامية إلى حماية هذه الطبقة والمناخ بموجب بروتوكول مونتريال، كمثال نموذجي للنجاح في التعاون الدولي وأحد المعاهدات الأولى التي استقطبت تصديقا على نطاق عالمي. كما أنها دعوة لحشد الجهود لمواصلة العمل المشترك ودعم المعركة الدولية ضد ظاهرة الاحتباس الحراري. وهكذا، فإن التخلص التدريجي من المواد المستنفذة للأوزون لم يساعد فقط على حماية الأجيال الحالية والمقبلة فحسب، بل ساهم أيضا في جهود المجتمع الدولي للتصدي لتغير المناخ. وقد مكن هذا الالتفاف المتين حول الالتزام من جميع بلدان العالم، ومن خلال خطوات ملموسة، من التخفيف بشكل كبير من الآثار الضارة لهذه الآفة، بتفادي ما يقدر بأكثر من 135 مليار طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بين عامي 1990 و2010. وعلى الرغم من ذلك، لازالت الدول الصناعية تنظر بعين التوجس للتصدي لظاهرة الاحتباس الحراري مع إبداء تحفظ في تفاؤلها بتعافي طبقة الأوزون، منها فرنسا التي رفعت خلال شهر يوليوز الماضي مستوى التأهب إلى اللون البرتقالي في 60 إقليما فرنسيا بسبب موجة الحر. وتقع هذه الأقاليم في الجنوب الغربي للبلاد، إضافة إلى إقليم إيل دو فرانس وكذلك في المنطقة الوسطى. وأشار معهد الأرصاد الجوية الفرنسي إلى وضع ثلاثة أقاليم في حالة التأهب البرتقالي بسبب العواصف الرعدية، وإقليمين آخرين بسبب العواصف والحرارة معا. ومن جهة أخرى، وفي إطار مكافحة تلوث طبقة الأوزون الناجم عن موجة الحرارة، تم وضع ترتيبات جديدة متعلقة بحركة السير خلال الشهر المذكور في عدة مدن فرنسية، حيث إنه في باريس وضواحيها مثلا، تم منع 4.7 ملايين سيارة، أي ما يعادل 60 بالمائة من عدد السيارات التي تجوب شوارع فرنسا، من السير على الطريق المداري أ-86 بسبب ارتفاع كبير متوقع لتلوث الأوزون في العاصمة وضواحيها. المغرب.. التزام دائم في مواجهة الاحتباس الحراري وفي غمار التعبئة والجبهة الموحدة لمواجهة تغير المناخ، أكد المغرب التزامه الدائم بالبيئة والتنمية المستدامة، وشكل نقطة تحول في الجهود العالمية من أجل مواجهة تحديات الاحتباس الحراري في أقرب وقت ممكن. ذلك أن المملكة اختارت في وقت مبكر جدا، ترجمة إرادتها في مكافحة تغير المناخ، إلى إجراءات ملموسة، بالمصادقة على الاتفاقيات الدولية واعتماد ترسانة كاملة من الأحكام القانونية لجعل الالتزامات تتخذ شكلا إلزاميا. ومنذ انعقاد الدورة ال22 لمؤتمر الأطراف، انخرط المغرب في دينامية لإصلاح الإطار القانوني الساري على البيئة، والذي يجري تحديثه باستمرار بهدف تعزيز التنمية المستدامة. وتشكل مقتضيات دستور 2011 خير مثال على هذا الإصلاح. ومع الاستراتيجية الوطنية 2030 للتنمية المستدامة، التي تدعو إلى تعزيز الإطار المؤسسي الوطني لتغير المناخ من خلال إجراءات قانونية وتنظيمية ملموسة، وفقا لأحكام القانون الإطاري بشأن البيئة والتنمية المستدامة، ومرسوم النفايات السامة، فضلا عن تطوير ومراجعة نصوص تطبيق قانون الساحل، خلق المغرب ثورة في هذا المجال، بفضل رؤيته الرائدة واستراتيجيته الطموحة في مجال الطاقات المتجددة التي أثبتت فعاليتها. ينضاف الى ذلك قانون مكافحة تلوث الهواء الذي يتطلب تنفيذ جميع التدابير اللازمة لمراقبة تلوث الهواء، بما في ذلك شبكات مراقبة جودة الهواء والكشف عن مصادر التلوث الثابتة وغير الثابتة، والقانون 77.15 الذي يحظر تصنيع واستيراد وتصدير وتسويق واستعمال الأكياس البلاستيكية. يذكر أن طبقة الأوزون هي جزء من الغلاف الجوي، تتركز في الجزء السفلي من طبقة “ستراتوسفير” وتمتص جزء كبيرا من الأشعة فوق البنفسجية التي لها مخاطر صحية على الإنسان كالحروق وسرطان الجلد وإضعاف المناعة، كما لها تأثيرات على الكائنات الحية الأخرى كالنباتات والحيوانات.