في كل مناسبة من المناسبات الوطنية، أكانت عيدا للعرش أم عيدا للشباب أم عيدا للمسيرة الخضراء أم عيدا للاستقلال.. أم غير ذلك، كان يتم إنتاج وعرض أعمال غنائية تتغنى بالوطن وبرموزه، وتذكي الحماس في المواطنين للتشبث بوطنيتهم والسير بالبلاد نحو الأمام. لقد تحقق تراكم في هذا النوع من الإنتاجات الغنائية على مر السنوات، على اعتبار أنه لم يكن يتم الاكتفاء بإعادة عرض ما أنتج في هذا السياق، بل عند حلول كل مناسبة من مناسباتنا الوطنية، كان شعراؤنا وملحنونا ومطربونا وعازفونا.. يتجندون لتقديم إنتاجات غنائية جديدة تصب في الموضوع نفسه، ألا وهو التغني بحب الوطن ورموزه. غير أنه مع العهد الجديد، بالأخص مع بداية حكم محمد السادس، تقرر نهج سياسة جديدة في ما يخص الاحتفال بالمناسبات الوطنية، حيث لم يعد يتم عرض الإنتاجات الغنائية التي تصب في هذا الموضوع، كما أن الفنانين لم يعودوا يبدعون في مجال الأغنية الوطنية، بالزخم نفسه الذي كان يتم به في السابق، طبعا لا أحد منعهم من ذلك، غير أن التخلي عن عرض هذا النوع من الأغاني في القنوات التلفزية والمحطات الإذاعية، دفعهم تلقائيا إلى عدم التفكير في خوض غمار التجربة. هناك من المبدعين الجدد الذين لم ينتجوا أي أغنية ذات بعد وطني، بالرغم من التراكم الذي حققوه. أما المبدعون الرواد ومن جايلهم، فإن أغلبهم انسحبوا من الساحة الفنية، ولم يعودوا يأتون بجديد، سواء في مجال الأغنية الوطنية أو في سواها من الأغاني، غير أن هذا موضوع آخر، يستحق بدوره وقفة خاصة. إن التوقف عن إنتاج الأغاني التي تعرض عادة في المناسبات الوطنية، يدفعنا إلى التساؤل حول مصير الإنتاجات الغنائية التي عرضت في السابق. هناك عدد لا حصر له من الأغاني الوطنية التي أبدعها مختلف الفنانين المغاربة على امتداد السنوات، أصوات نسائية ورجالية ومجموعات صوتية أدت أغاني وطنية بشتى الإيقاعات والأساليب الفنية، وأبدعت وأطربت إلى حد بعيد، وكان أجدر بنا الحفاظ على هذا الرصيد الغنائي، على اعتبار أنه يعد جزءا أساسيا من تراثنا الذي يعبر عن هويتنا الثقافية. العديد من الفنانين الذي أبدعوا في هذا المجال، أرادوا استعادة إنتاجاتهم المسجلة في المحطات التلفزية والإذاعية، فخاب أملهم، لم يتم العمل على أرشفة هذه الإنتاجات حسب الضوابط المعمول بها، نتيجة لسوء تقدير القيمة التي تنطوي عليها، باعتبارها أعمالا إبداعية نادرة. وهذا لم يكن مصير أرشيف الأغنية الوطنية وحدها، بل غيرها من الأعمال الفنية كذلك: التمثيل الإذاعي والتلفزيوني، على سبيل المثال. لا بد إذن من الالتفات إلى الأرشيف والعناية به، والعمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه. وبهذا الصدد، نأمل أن يتم التفكير في إنشاء قنوات خاصة لعرض الإنتاجات الفنية المغربية الكلاسيكية، سواء في مجال الغناء أو غيره من الفنون؛ لأجل الحفاظ على هذا الإنتاج من الضياع، وأيضا لأجل تعريف الأجيال الجديدة بقيمة ما كان يتم إنتاجه في العقود السالفة. عبد العالي بركات