بمناسبة الذكرى الخامسة عشر لعيد العرش، تم إنتاج ملحمة غنائية في شكل كليب، حملت عنوان «المغرب المشرق»، تتغنى بمنجزات قائد البلاد وتبرز التحولات الإيجابية التي تميز فترة حكمه منذ اعتلائه على العرش، طيلة الخمس عشر سنة الأخيرة. ويمكن اعتبار هذا العمل الفني، حدثا ثقافيا، بالنظر إلى أنه منذ تولي محمد السادس الحكم، لم يتم إنتاج أغاني تحتفل بذكرى اعتلائه على العرش، على خلاف ما كان عليه الوضع في عهد سلفه المغفور له الحسن الثاني. وكان هناك ما يشبه القطيعة مع هذا النوع من الإنتاجات الإبداعية المسماة: الأغاني الوطنية. حتى الربرتوار الغنائي الذي أبدعه خيرة مطربينا في هذا المنحى، تم إقباره والتكتم عليه، كأن الأمر يتعلق بجريمة نكراء، في حين أنه يشكل تراثا غنائيا، أبدعه فنانون مقتدرون سواء في مجال الطرب أو اللحن أو الكتابة الشعرية أو العزف الموسيقى، أغاني من قبيل: الصحراء يا عيد التي أداها عبد الهادي بلخياط، ودق العيد ألالة في بابك من أداء محمود الإدريسي، ورحلة النصر لعبد الوهاب الدكالي وأعمال أخرى كثيرة من أداء مطربين آخرين: نعيمة سميح، عبد المنعم الجامعي، البشير عبدو، عزيزة جلال، نعيمة سميح، وغيرهم كثير، لا بل يمكن القول إن معظم المطربين الرواد ساهموا في إغناء رصيد الأغنية الوطنية بأكثر من عمل، ومنهم من أدى عشرات الأغاني ضمن المنحى نفسه. لكن هذا الإنتاج الهائل أصبح مجهول المصير، وقد سبق لبعض أصحاب الأغاني الوطنية أن حاولوا الحصول على نسخ منها، بعد أن تبين لهم أنه تقرر الكف عن إعادة بثها عبر وسائط الإذاعة والتلفزة، وأنها أصبحت مهددة بالضياع، غير أنهم أصيبوا بخيبة أمل، لقد تم وضع عدة عراقيل في طريقهم، جعلتهم يشعرون بإحباط شديد وحسرة على عجزهم عن تجديد اللقاء مع مواليدهم. ولذلك حين تم إنتاج أغنية من هذا النوع من الأغاني الوطنية، والعناية ببثها عبر مختلف وسائل إعلامنا السمعي والبصري، بمناسبة ذكرى عيد العرش الأخيرة، شكل ذلك مفاجأة أو ما يشبه الصدمة للعديد من المتتبعين المغاربة؛ فمثلما أن هناك من رحب بهذه المبادرة، بل ذهب إلى حد القول إن الملحمة فوق النقد وكل من انتقدها فهو خائن وغير وطني.. هناك في المقابل من تحفظ منها، وهذا يتجلى من خلال الأصداء التي خلفتها على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث تم اعتبار ذلك انتكاسة إلى الوراء، إلى مرحلة سلبية تم القطع معها، وهذه بعض الآراء: باستثناء القفاطن واللباس المغربي ليس في تلك الملحمة أي جمال، كلمات مباشرة ولحن ضعيف وخطاب لا يتوافق مع روح المرحلة.. المشكل في هذا العمل الفاشل فنيا أنه قد يفتح الباب أمام العودة لمرحلة فنية سياسية اعتقدناها منتهية.. أعتقد أن تلك المرحلة عادت، لاحظتها ليس فقط في الملحمة وإنما في الإعلام التلفزي العمومي وفي الشارع أيضا من خلال اللافتات وشعارات التبجيل.. أغنية تافهة يسعى أصحابها للحصول على امتيازات ريعية.. يتبين من خلال هذه الآراء كلها، أن هناك تفاوتا على مستوى تلقي هذا العمل الغنائي، كما أن هناك صدمة، لكن وبصرف النظر عن القيمة الإبداعية لأغنية المغرب المشرق، التي كتب كلماتها وأنتجها الفنان الكويتي مصعب العنزي، وشارك في أدائها خمس عشرة فنانا مغربيا من أجيال مختلفة، وتستغرق مدة بثها خمس عشرة دقيقة -وفي هذا الرقم إحالة على الذكرى الخامسة عشر لعيد العرش- يمكن اعتبار ذلك مناسبة لتفعيل الحركة الغنائية ببلادنا. من حق الجميع أن يغني ويساهم في الغناء، كما يشاء وبمختلف الوسائل والإمكانيات، شريطة أن يكون ذلك محترما لمبادئنا، ولعل من حسنات الملحمة الغنائية الجديدة، أنها كانت بمثابة حجرة ألقيت في بركة راكدة؛ فلطالما أحاط الجمود الأغنية المغربية بمختلف تعبيراتها وتلويناتها.