هل ينبغي للدولة أن تدعم الإنتاج الغنائي المغربي حتى لو كان هذا الإنتاج يكتسب طابع الرداءة، انطلاقا من قناعة هشة مفادهما أن الأهم هو الحفاظ على وتيرة إنتاج سنوية منتظمة وتحقيق التراكم المطلوب وأنه من خلال هذا التراكم الحاصل، لا بد أن يتم فرز أعمال مقبولة وذات جودة؟ بات هذا السؤال ملحا، خصوصا عندما يبلغ إلى علمنا أن منتوجا غنائيا ما تم دعمه بواسطة مبالغ مالية خيالية، من أموال دافعي الضرائب، في حين أن هذا المنتوج في حد ذاته لا يستحق أن يخرج إلى الوجود، حتى لو كان من المال الخاص لصاحبه، وما أكثر من الإنتاجات سواء في الغناء أو في غيره من فنون الإبداع التي تخرج وتنتشر، لكون أصحابها يملكون الإمكانيات المادية لتحقيق هذا الغرض، في حين أن المبدعين الحقيقيين يواجهون صعوبات جمة في إخراج إنتاجاتهم إلى الوجود رغم جودتها وتميزها. ففي الوقت الذي كان من المطلوب أن تتكاثف الجهود لأجل تنقية الساحة الفنية المغربية من كل ما يلوث السمع والأبصار باسم الفن، مع أن هذا العنصر بريء مما يلصقونه به، نجد هناك جهات تابعة للدولة تنخرط في تقوية هذه الحالة المتردية التي شملت الأغنية المغربية بكل مكوناتها: كلمات ولحن وأداء وعزف وتصوير ووو… مناسبة إثارة الحديث من جديد حول هذا الموضوع، هو العمل الغنائي الجديد الذي أبدعه فنان الراب المغربي الذائع الصيت توفيق حازب، والذي يحمل عنوان “170 كلغ”، تقول كلماته: “كثروا المزارة تفوووو آرا كاميرا واجقر طوموبيلا جيب لينا غافيلا ولا باس علينا لمخيرا ف الهاريبا كاتدور علينا غنصورو ف مارينا تخبيا إيلا شدنا سيكيريتي غادي يحتوينا سراول لمزيرين والفتشا مادروبا أو دراري كيلحسوا ف الكيكا أو روابا كيحلموا باللعاقة اللي دينا …. ….” أعتقد أنه يكفي عند هذه النقطة من الأغنية التي تشغل مساحة زمنية تقدر بست دقائق، ولا شك أن القارئ قد كون فكرة عن المستوى المنحط للكلمات التي تم توظيفها للتعبير عن إحساس خاص، يقوم على أساس الرد على بعض زملائه في نفس المجال الفني، وهو رد شبيه بتصفية حسابات شخصية، بمعنى أن الأغنية لم تأت انطلاقا من هم إبداعي خالص يشغل صاحبه، ولذلك كانت مختلف مقاطع الأغنية مليئة بالشتائم التي عادة ما تلقى في الشارع لا بل في أوكار الفساد. ولعل الفضاء الأنسب لعرض هذا النوع من الأغاني هو تلك الأوكار ذاتها، أما أن يتم عرضها ضمن الخزانة الموسيقية المغربية والاستماع إليها من طرف أناس يحترمون أنفسهم ويقدرون الإبداع والفن؛ فهذا أمر في تقديري لا يعقل ولا ينبغي أن يتحقق. لكن عندما نعلم أن هذا العمل الغنائي بالمواصفات المذكورة قد حصل على دعم من قطاع تابع للدولة، وأنه قد مر تحت أبصار وأسماع وأحاسيس لجنة دعم مؤلفة من فنانين، نكن الاحترام لبعضهم، فهذا ما يبعث على الحيرة والاستغراب، كيف أمكن الترخيص لمنتوج غنائي من ذلك القبيل أن يحصل على الدعم والمساندة والانتشار؟ وعلى ذكر الانتشار، فقد بلغ إلى علمنا أن هذا المنتوج الغنائي نفسه، قد حقق أعلى نسبة من المتابعة على المنصات الرقمية، ومن هنا يتجدد طرح السؤال: هل وجود أغنية ما في صدارة المشاهدة والاستماع دليل على أنها ناجحة وأن صاحبها فنان كبير لا يشق له غبار؟ لعل الجواب قد نجده في ثنايا هذه الأغنية ذاتها، فعادة أن المرتبطين بالوسائط الالكترونية يدفعهم الفضول أكثر من أي شيء آخر للاطلاع على جديد هذا الفنان أو ذاك بالنظر إلى أنه ذائع الصيت، أو لكونه قد خلق ما يسمى بالبوز، وبالتالي فإنه حتى لو كان هذا الجديد منافيا للإبداع والفن كما هو الحال بالنسبة للأغنية الآنفة الذكر؛ فإنه قد يأتي على رأس الأعمال الغنائية الجديدة من حيث نسبة المتابعة والمشاهدة. لا شك أنك لاحظت أيها القارئ أنني لم أتناول الجانب الفني للأغنية، سواء ما يتعلق بالأداء أو اللحن أو ما إلى ذلك؛ بالنظر إلى أن انحطاط الكلمات وسيادة الضحالة في التعبير، يعفيان من تناول الجوانب الأخرى لهذا المنتوج الغنائي. هذا ليس تحامل على فن الراب، ما دام أن الأغنية التي نتناولها بالنقد هنا تنتمي إلى هذا المجال الفني بالذات، علما منا بأن هناك نماذج من الراب، تستحق التنويه والاحترام، ولصاحب الأغنية نفسه، أقصد أغنية “170 كلغ” نماذج غنائية، حظيت بتجاوب من طرف قطاع واسع من الجمهور، خصوصا خلال عرضها في الساحات العمومية، غير أن عمله الغنائي الأخير يمكن اعتباره زلة قدم، ونحن لا نلوم هذا الفنان على تعثره، فهذا شيء طبيعي في المسيرة الفنية لأي شخص، لأي فنان، لكن ما لا يجب التسامح معه، هو عندما يتم إنشاء صندوق لدعم الإنتاج الغنائي وتنصيب لجنة للتحكيم، وفي النهاية يكون من نتائجها حصول أغنية من قبيل “170 كلغ” على الدعم.