يوم حلو.. يوم مر بدا له أن الجالس على المقعد الخشبي عاجز عن الحركة. قالت له المرأة التي قدر لها أن تعتني به (وقد خمن أنها أمه، إذ تبدو أكبر منه سنا). شعر بآلام حادة في ركبتيه ، ثم شيئا فشيئا لم يعد يستطيع تحريك رجليه. ما حدث له قاس جدا، ولكنه استسلم للقدر آمنا مطمئنا. قال له الرجل العاجز: - أنا الآن أحسن حالا من ذي قبل. وأغمض عينيه كأنه مقبل على النوم. - ولكنك عاجز عن الحركة. قال وعيناه مغمضتان : - أنا سعيد جدا. قالت المرأة التي تكبره سنا: - إنني أعتني به كثيرا. (وتطلعت إليه) أليس كذلك؟ هز رأسه موافقا وعيناه مغمضتان. وتابعت كلامها: أحمل الحقيبة السوداء إلى السوق . هناك أفتحها وأضعها على مقعد صغير. صمتت ونظرت إلى العاجز في أسى. ثم واصلت وهي تبلع ريقها الذي كاد ينفلت من بين شدقيها. - وأنادي على بضاعتي. نبس العاجز: - ولكن النساء لم يعدن مهتمات بالأسورة المطلية بالنحاس. ذهبت إلى المطبخ، وعادت حاملة صينية الشاي. - لم يكن يحب شرب الشاي، لأنه اعتاد الجلوس في المقهى كل مساء. هز رأسه موافقا وعيناه مغمضتان. - ولما أصابه العجز، صار يأمرني أن أزور المقهى لأحضر له قهوة. وبعد شهر لم يعد يحتمل ذهابي .. فأوصاني أن أهيئ له القهوة في المطبخ. هز رأسه موافقا، وهو يكبت ضحكة كادت تنفلت. - ثم رأى أنها تؤلم معدته. ملأت الكأس، ودنت منه. كان البخار يتصاعد ويتبدد في فضاء الغرفة. - هاك. طوح بيديه في ذعر، فأصاب الكأس. اندلق الشاي الساخن على ركبتيه. لم يستطع صبرا فانتفض واقفا. غرض الفخر عندما أمرض لا أحد يشفق علي. لا أحد يقول يا للمسكين إنه يعاني... كانوا يقولون إن له قوة ثور.. يستطيع نطحنا أو عجننا.. أو شيئا من هذا القبيل. هذا الكلام يغيظني. كنت طريح الفراش. ملأ جسم زوجتي الباب. أطلت برأسها. - ما بك حبيبي؟ - إنني مريض.. - مريض؟ لا تكذب علي ..قل إنك تتمارض.. بالمناسبة.. طلبت مني أمي أن أعطيها مالا.. هلا تقرضها إياه. سيزورنا أخي اليوم ليستلمه. ينبغي لك أن تتحدث إليه دون أن يشعر أنك مريض ..قد يشاع أن لي زوجا مريضا . - ولكنني مريض. - مريض؟. لا تكذب علي ..أنا اعرف حيلك.. هذا الكلام يغيظني.. زارنا أخوها واستلم المال ثم ذهب ضاحكا. قالت لي.. - أنا افتخر بك ..سأفحم نساء العائلة.. أن لي زوجا كريما.. - إن المرض يعصر بدني.. آه..معدتي.. رأسي..قلبي.. دثريني.. دثريني..- سيزورنا أبي. لا بد أن تتحدث إليه عن أمور الدنيا لأنه مريض. فإذا حدثته عن مرضك المزعوم سقط مغشيا عليه. - لا عليك.. لا عليك..ولكن دثريني.. دثريني.. زارنا أبوها. جلست قبالته، فحدثته عن أمور السياسة والخضر، والغلاء وديون الأبناك.. وقال لي إنه يفتخر بي أيما افتخار.. وشيئا فشيئا بدا لي أنني أموت.. وتمثلت وجه صهري خائفا، وزوجي تحثني على النهوض.. كنت محمولا على نعش ثم قبرت، وزوجي تهدئ روع العائلة الصغيرة والكبيرة قائلة: سينهض من كبوته، فهو دائما يتمارض حتى يستدر العطف ويزيح عن جسده التراب، ولهذا أنا افتخر به أيما افتخار، وبه أفحم نساء العائلة الكريمة.