الدينامية التي تعرفها عملية دعم قدرات وحقوق المرأة في العالم القروي غيرت صورة نساء البادية وواقعهن * ما هو نصيب المرأة القروية من جهود التنمية المستدامة المبذولة حاليا ببلادنا؟ - إنه سؤال مهم يسائل السياسات العمومية بصفة عامة فيما يخص مكانة المرأة القروية التي تشكل حوالي 50.6 من ساكنة العالم القروي، والتي تلعب أدوارا متعددة في عجلة الحياة الاجتماعية والاقتصادية بالمناطق القروية· طبعا هذا الجزء من الساكنة يعبر عن حاجيات كبيرة في مختلف المجالات، ولكن يمكن القول أيضا أن المغرب حقق في السنوات الأخيرة نوعا من الغلبة على العجز الموجود خاصة على مستوى تعميم التعليم ومحاربة وفيات الأمهات، والتقرير الأممي الأخير حول الأهداف الإنمائية للألفية الثالثة سجل فيما يتعلق بمؤشرات التربية والتعليم ببلادنا، بأن عدد الطفلات المتمدرسات في العالم القروي بلغ خلال السنوات الأخيرة 4 أضعاف ما كان عليه في وقت سابق· وبالنسبة إلى مجال التطبيب وتوفير الخدمات الصحية، فهناك مجهودات خاصة تبذل من أجل مواجهة العجز المسجل على هذا المستوى حيث حققنا هنا أيضا تقدما كبيرا يرجع فيه الفضل أساسا إلى المشاريع العديدة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية· * نعلم أن المرأة القروية تعد فاعلا أساسيا في مختلف أنماط الإنتاج في العالم القروي، ماهي الوسائل الممكنة لجعل النساء القرويات يتمكن بالفعل من الاستفادة من المردود الاقتصادي لهذه الأنماط؟ وكذا من جهود محاربة الفقر والتهميش؟ - بالفعل، لا يمكن أن ننكر أن هناك إشكالية عامة بهذا الخصوص تهم جميع الميادين وتتعلق بولوج النساء إلى الثروات واستفادتهن منها· وفي العالم القروي، الثروة أساسا هي الأرض وما تدره من خيرات. وبالتأكيد فإن تملك المرأة القروية لهذه الثروة سيمكنها من الاستفادة بشكل أفضل من طاقاتها وإمكانياتها. إلا أن الملاحظ، ضمن الإطار الحالي لتمليك الأرض، هو أن جزءا قليلا جدا من هذه الثروة يوجد بأيدي نساء، بينما نجد الجزء الأكبر من الملكية في شكل جماعي للأسر حيث يقوم الذكور من العائلة بالاستفراد بالأرض وخيراتها وأحيانا بالسطو حتى على ملكيتها· وهنا يمكن القول إنه يوجد الكثير مما يمكن عمله من أجل تمكين النساء من الاستفادة من حقهن في هذه الثروة ومساهمتهن من خلالها في إغناء وتنمية العالم القروي، والمبادرة الأخيرة التي اتخذتها الحكومة في مجال استفادة النساء من حق ملكية الأراضي السلالية، تندرج في هذا الإطار· من جهة ثانية، هناك نوع من الطفرة التي يعرفها العالم القروي حاليا في مجال تشجيع النساء على المشاركة الفعلية في النشاط الاقتصادي والاستفادة من قدراتهن في هذا المجال، في إطار البرامج والمشاريع المختلفة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية· ونذكر هنا أساسا الأنشطة المدرة للدخل حيث نجد أن المبادرة قامت بتمويل حوالي 3400 مشروعا من هذا النوع، وهناك برامج أخرى تندرج في سياق الاقتصاد التضامني والاقتصاد الاجتماعي، والتي تقوم وزارة التنمية الاجتماعية بتنسيقها بتعاون مع القطاعات الأخرى وخاصة وزارة الفلاحة من خلال المخطط الأخضر، فكل من مؤسسة التعاون الوطني ووكالة التنمية الاجتماعية يقومان بأدوار هامة وأساسية في هذا المجال من خلال برامج متعددة ترمي إلى تعزيز وتقوية تأسيس وعمل التعاونيات والأنشطة المدرة للدخل، ومواكبة النساء الفاعلات فيها وتعزيز قدراتهن· * حقوق النساء في العالم القروي تظل مرتبطة بجانب أساسي ضمن المقاربة الشمولية للتنمية، وهو جانب توفير البنيات التحتية، كيف يمكن إعطاء دفعة للعمل الحكومي في هذا الاتجاه؟ - هناك أحيانا نظرة تبسيطية وجامدة للأمور تميل إلى التركيز على غياب المستشفى أو غياب المدرسة في نقطة معينة من العالم القروي، لكن الإنصاف يقضي بأهمية التأكيد على حقيقة واقعة اليوم هي الحركية التنموية التي يعرفها المجال القروي، مع الدور الأساسي الذي لعبته المبادرة الوطنية للتنمية البشرية· فهناك مجموعة كبيرة من المشاريع الموجهة للعالم القروي خاصة في الجماعات الأكثر فقرا. بالطبع يجب تسريع هذه الجهود وتعزيز الميزانية التي ترافق هذه الحركية الهادفة إلى تعزيز البنيات التحتية سواء في مجالات التعليم أو الصحة أو المرافق الإدارية· وكل ذلك باتجاه تكريس حقوق المرأة في المساواة والحماية· فعلى مستوى محاربة العنف مثلا، هناك حاليا تنسيق كبير بين القطاعات المعنية بما فيها وزارة العدل ووزارة التنمية الاجتماعية والأمن الوطني والدرك الملكي وكذا الجمعيات، تنسيق ذو طابع جهوي يهدف إلى التكفل بالنساء ضحايا العنف وإعادة إدماجهن، ليس فقط العنف الزوجي والأسري بل أيضا العنف الاقتصادي والمعنوي. الأكيد أن الدفع بهذه الجهود يتطلب مشاركة وانخراطا أكبر من مختلف الأطراف ضمن هذه الحركية لكن المؤكد أيضا أن الأوضاع على أضحت مختلفة بكثير عن الطابع الكارثي الذي كانت تتسم به قبل عقد أو عقدين من الزمن. ولذلك وجب الاعتراف بهذا الواقع المتحرك وهذه الدينامية التي تشهدها بلادنا حاليا· نفس الأمر يمكن أن يقال عن مجال التعليم، فهناك كما أشرت سلفا إجراءات عديدة اتخذت وما تزال من أجل دعم تمدرس الفتاة في العالم القروي على وجه الخصوص، وهي الإجراءات المرتبطة بالبرنامج الاستعجالي في قطاع التربية الوطنية، إضافة إلى الدعم الذي تقدمه المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. وهكذا تلعب برامج مثل بناء دور الطالبات، وبرنامج تيسير، وعملية مليون محفظة، دورا أساسيا في تمكين الفتاة القروية من حقها في التعليم والتكوين، وقد حققت مختلف هذه البرامج نتائج جد إيجابية غيرت صورة وضعية الفتاة في العالم القروي· * تعد التمثيلية السياسية وسيلة أساسية لتمكين النساء من الدفاع عن حقوقهن في سائر المجالات، كيف يمكن وضع حد فاصل في مواجهة الاستغلال السياسي للنساء القرويات في العمليات الانتخابية؟ - فعلا هذا صحيح. وفي هذا الصدد، هناك مجموعة من البرامج التي تشرف عليها وزارة الداخلية بتعاون مع قطاعات أخرى وبشراكة مع هيئات المجتمع المدني، وهي برامج تستفيد من صندوق دعم القدرات السياسية للنساء وتصب أهدافها بكيفية مباشرة في مجال تقوية القدرات النسائية في المجال السياسي وأساسا قدرات النساء المنتخبات. وتساهم وزارة التنمية الاجتماعية بطبيعة الحال في هذه الجهود وخاصة من خلال برنامج تفعيل لجان المساواة وتكافؤ الفرص، وذلك تجاوبا مع تعبير النساء عن حاجياتهن وتوجهاتهن في هذا المجال، خصوصا أن التجربة السياسية التي راكمتها المرأة المغربية خلال السنوات الأخيرة، تفيد بأن هناك تقدما كبيرا من ناحية تكريس الحقوق السياسية للنساء من خلال تعديل مقتضيات القوانين الانتخابية وإقرار الميثاق الجماعي الذي مكن من وصول نسبة مهمة من النساء إلى مراكز القرار السياسي في المؤسسة التشريعية وفي الجماعات المحلية، ليس فقط في المدن بل أيضا في العالم القروي، وهذا شيء إيجابي جدا. إضافة إلى أن أجواء استتباب الحريات التي تشهدها بلادنا شجع النساء على إسماع أصواتهن المطالبة بالتمكين السياسي. لكن بالمقابل ما تزال المرأة تجد كذلك معاناة كبيرة في فرض وجودها وإسماع صوتها، سواء خلال العمليات الانتخابية أو حتى بالنسبة إلى المرأة المنتخبة في المجالس التمثيلية. ولأنه ليس هناك من تغيير سهل، فإننا مازلنا بالتالي بحاجة ماسة إلى المزيد من التحسيس والتوعية، بأشكال مختلفة تستهدف الرجال والمنتخبين والأحزاب بأدوار النساء وإمكانيات مساهمتهن الإيجابية في تسيير الشأن العام. وكل ذلك من أجل إنجاح هذه التجربة الفتية ببلادنا والتي يمكن القول عنها إنها نموذجية. وفي هذا السياق هناك اقتراحات وأفكار عديدة تستهدف الانتخابات المقبلة خاصة على مستوى تعزيز التمثيلية المجالية، وهو ما سيشكل مجالا خصبا لتشجيع حضور النساء القرويات ليس فقط في مجلس النواب والجماعات المحلية بل أيضا في مجلس المستشارين والهيئات المهنية.