إن من ينتحر ليس بالضرورة إنسانا يكره الحياة، بل إنه يحبها بشدة، غير أنه لم يجدها كما كان يتمناها. العديد ممن اختاروا أن يضعوا حدا لحياتهم تركوا رسائل ذات معنى بليغ، ومنهم من لم يترك أي رسالة، لكن انتحاره كان في حد ذاته خطابا بليغا إلى من يهمه الأمر العديد من الأدباء والمبدعين المغاربة والعرب وجدوا أنفسهم ذات لحظة يأس وإحباط؛ مرغمين على توديع الحياة رغم حبهم الشديد لها ضمن هذه الفسحة الرمضانية، سيرة لمجموعة من هؤلاء المعذبين على الأرض، إلى جانب نماذج من إنتاجاتهم الإبداعية، تكريما لأرواحهم الطاهرة الحلقة 1 الشاعر المغربي عبد القادر الحاوفي أمام كل الإخفاقات التي واجهتني في الحياة سأقف اليوم قويا في وجه الموت.. وداعا في شتنبر من سنة 2014، وجد الشاعر المغربي عبد القادر الحاوفي مشنوقا في غرفة بأحد فنادق بمدينة سيدي بنور، بعد أن ترك رسالة مطولة عبر فيها عن قراره بوضع حد لحياته منتحرا، وضمنها عبارات تشير إلى هذا الأمر، مما جاء فيها: ” وأمام كل الإخفاقات التي واجهتني في الحياة سأقف اليوم قويا في وجه الموت.. وداعا”. الشاعر عبد القادر الحاوفي أنهى حياته عن عمر يناهز 49 عاما، بدأ مشواره الشعري والفني قبل منتصف ثمانينيات القرن الماضي، نشرت قصائده على صفحات الجرائد والمجلات الوطنية وبشكل أكبر على صفحات المجلات العربية المتخصصة في الأدب خارج المغرب، لكنه ورغم غزارة إنتاجه الشعري، لم ينشر ديوانه الشعري الأول بعد. على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، يتبين أن هذا الانتحار كان قرارا مؤجلا اتخذه الشاعر منذ فترة. فقبل عدة شهور، كتب: “الموت مجرد نوم تنقصه الأحلام”. كما كتب: “الساعات مشاريع جنازات”، وأيضا: “عذراً سأنسى قواعد اللغة، كيف هو الانتحار؟”. وفي اليوم ذاته: “أنا أعيش أسوأ لحظات عمري… سماحا أيها الأصدقاء”. كان قد نعاه الشاعر طه عدنان بالقول: (عبد القادر صديقٌ قديمٌ عرفتُه في أغادير… جهةَ البحرِ تحديدًا… كان ذلك في صيف 1989. شاركنا في أمسية هناك رفقة عبد الله الحاوفي وياسين عدنان وبوزيد حرز الله… وأصبحنا بقدرة الشعر والبحر أصدقاء. كان دائم الزيارة لنا بمراكش في بداية التسعينات… وما زلتُ أحفظ مقاطع من قصيدته "مقامات العشق" المنشورة في العدد الثاني من "أصوات معاصرة" الذي أصدرناه عام 1992. قصيدة جميلة أطلعني عليها وهي في طور التّبييض: “ماذا يملك المحبّون غير أن يكونوا شموسا بوذية الليل معبدُهم والصلاةُ احتراقْ ……………. يا لَشَطحات العشّاقْ” تكرّرت زيارات عبد القادر إلى مراكش، وتواترت معها لقاءاتنا. لكنّني لن أنسى زيارتي له إلى أغادير. حيث قضيت في ضيافته (ببيت العائلة) عطلة جميلة في صيف 1993. كان يملك مطعما صغيرا للسمك جنب مسكنه بحيّ بنسركاو اختار له من الأسماء "حديقة البحر”. لم أصدّق أن هذا البدويّ – كما كان يصفُ نَفْسَه – المفعم بالحيوية يخلد إلى العزلة والصمت هناك بسيدي إفني، ثم جاء الفيسبوك وتجدّد التواصل. في 20 يونيو 2011 كتب لي عبد القادر: “الشعر لعنةٌ جميلة.. ليتني أتخلّص منها…أخيرًا أستعد لنشر مجموعتي الأولى….تأخرتُ كثيرًا”. أجبتُه: “أن تصل أخيرًا، خيرٌ من أن لا تصل أبدًا… ومجموعةٌ شعريةٌ جميلةٌ واحدةٌ خيرٌ من أعمال كاملة من الهراء”. لكنّ المجموعة لم تجد قَطُّ طريقَها إلى النّور. لنقل لم تجد بَعْدُ طريقَها إلى النّور. ولم يصل معها صوت عبد القادر إلى أصفياء الشعر). **** مختارات من شعره: الطفل الطفل الذي كان يعدو محملا بعلامات التعجب والاستفهام والنقط تعثر بأذيال التساؤل ثم سقط. ***** البنت البنت الموشاة بالسنونو وبأحلام حنائية اللون والرائحة ماتت البارحة. ***** شكرا شكرا للأيادي التي زينت مزهرية القلب ورودا حمراء حمراء حد الغضب لصغير النخل اذ خاصر فاس ثم التهب صلاة.. صلاة لعشق نما خلسة وانتصب.