في تاريخ السينما رجالات وأفلام تركت فينا أحزانا ومزيج من المشاعر المختلطة.أفلام بالفعل لا يمكننا وصفها الا بروائع سينمائية خالدة. من الصعب جدا أن نحصرها فى عدد بسيط أو فى القائمة التى نعرضها لقرائنا في هذه الحلقات الرمضانية. الحلقة 1 عام 1960 قام (هيتشكوك)، سيد التشويق، بصناعة فيلم رعب نفسي، لقي وقتها نجاحا نقديا متوسطا، ليصبح بعدها أشهر أعماله ويخلد كواحد من كلاسيكيات السينما. لكن أين يكمن تميز الفيلم؟ قام هيتشكوك في هذا الفيلم باتخاذ مجموعة من القرارات الجريئة والتجريبية أعطت للفيلم أهمية تاريخية لا يتوقف الناس عن دراستها والحديث عنها حتى اليوم. البطلة المزيفة يبدأ الفيلم بماريون التي تقوم بسرقة مبلغ مالي من مدير مكتبها وتهرب إلى فندق وبعد مضى حوالي نصف الفيلم تقتل ماريون، حتى هذه اللحظة يتعامل الجمهور مع تلك الفتاة على أنها الشخصية المحورية بالفيلم، لكن عندما تموت ينكشف إن الشخصية المحورية ليست هي بل قاتلها، والذي يحمل عنوان الفيلم وصف له، Psychose، المرض النفسى. وبهذا القرار يكون هيتشكوك قام بخلق مصطلح جديد في السينما وألا وهو البطل المزيف الذي نظن في بداية الفيلم إنه بطل لنتفاجأ بغير ذلك فيما بعد. بالإضافة لكونه الفيلم الأول في السينما الذى يندرج تحت وصف فيلم سلاشر كنوع جديد من أفلام الرعب. الأبيض والأسود القرار الثاني الجريء هو استخدام الأبيض والأسود لتصوير الفيلم. كان التصوير بالألوان ممكنا في وقت صناعة الفيلم، لكن هيتشكوك اختار التصوير بالأبيض والأسود لسببين: الأول، هو للواقعية ففي مشهد القتل لم يقتنع هيتشكوك بالدماء المعدة، وقرر استخدام نوع من الشكولاتة تساوى كثافتها كثافة الدماء الحقيقية وبالطبع لونها ليس أحمر. أما السبب الثاني هو لتعزيز أثر الرعب النفسي، فالأبيض والأسود يعزز من قدرة اللعب بالظل والضوء في خلق حالة الرعب، وفي سينما هيتشكوك، الظلام هو السائد ووجود الضوء دائما ما ينذر بالخطر والعنف، بالإضافة لأن كثرة الظلال ساعدت في إخفاء حقيقة شخصية “الأم" التي تنكشف فقط في النهاية. مجرم غير تقليدي قرار آخر جريء هو جعل الجمهور يتعاطف مع القاتل، فعلى حد وصف هيتشكوك نفسه “أردته أن يكون كجارك الودود"، بالطبع السبب الأساسي هو تحفيز أثر المفاجئة ليكون أشد صدمة وأقل توقعاً. ولكن أيضاً هيتشكوك هنا، يبعد عن كل ما هو كليشي، عندما تتخيل صورة قاتل يكون شخص ضخم، بارد، مسن لكن هنا هو شاب لطيف، مثقف، منطوي قليلا بعيد كل البعد عن الصورة التقليدية للقاتل في أفلام السينما ويكون صورة أقرب للواقع. مشهد أيقوني ونأتى إلى أهم سبب لتفرد الفيلم والذي جعله أيقونة يتحدث عنها الجميع حتى اليوم، (مشهد القتل) نفسه، كيف تصنع مشهد قتل بسكين بدون أن ترى اختراق السكين للجسد؟ مشهد مدته 3 دقائق استغرق تصويره 7 أيام واستخدمت فيه 77 زاوية مختلفة للكاميرا ويتضمن 50 قطعة مونتاج. قيمة هذا المشهد تكمن في استخدامه لكل أدوات السينما تقريبا لخلق حالة شعورية وصفها هتيشكوك بقوله “إنها تنقل إحساس الخطر من الشاشة إلى ذهن الجمهور” بمعنى إنك لا تشاهد مشهد قتل بل تعيش رعب هذا الموقف بالفعل. ولتحقيق هذه الحالة، اختار هيتشكوك أن يعتمد على لقطات شديدة القرب طوال المشهد تقريبا ومونتاج سريع خافت، بالإضافة لشريط الصوت المرعب المعتمد ليس فقط على الوتريات، بل أيضا صوت صرخات ماريون والصوت الموتر للمياه المتساقطة المستمر طوال المشهد تقريبا. المرأة في سينما هيتشكوك ويسحبنا الحديث عن مشهد القتل إلى الحديث عن قيمة الفيلم ككل، قيمة الفيلم لا تكمن في الأحداث نفسها بقدر ما تكمن فيما تمثله أو ما ترمز إليه، المرأة في سينما هيتشكوك دائما متلاعبة، دائما مذنبة ودائما شقراء. وفتاتنا هنا تسرق 40 ألف دولار من مدير مكتبها وتهرب بها لكنها تقرر أن ترجع النقود مرة أخرى وبعد ذلك تذهب للاستحمام، الاستحمام هنا يرمز للتطهر، ماريون تريد أن تتطهر من خطاياها. لذلك عندما تقتل، نتابع سريان دمائها التي ترمز لخطيئتها وهي تختفى ببطيء في البالوعة، أخيرا ماريون قد تطهرت لكن بعد ذلك نقطع مباشرة على لقطة لعينيها الخالية من الحياة.