دعا المشاركون في لقاء حول مشروع قانون المسطرة الجنائية، الذي نظمه مؤخرا المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إلى ضرورة العمل على تأصيل قرينة البراءة وإحاطتها بما يكفي من الضمانات مع اعتبارها خيطا ناظما للمسطرة الجنائية، وإصدار نص صريح على عدم اعتبار السوابق من ضمن القرائن على ارتكاب االجريمة، وعلى ضرورة إحداث التوازن بين الاتهام والدفاع، وإقرار إمكانية الطعن في شرعية الاعتقال، وتعزيز وسائل مراقبة الاعتقال والحراسة النظرية وآلياتها، وإلزامية حضور المحامي خلال الحراسة النظرية والبحث التمهيدي. وجاء هذا اللقاء الذي نظم على شكل مائدة مستديرة، ترأسته آمنة بوعياش، مباشرة بعد الإعلان عن إحداث الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، حيث شكل امتدادا لهذا الأخير، وفق ما تضمنته الورقة المرجعية للندوة موضوع اللقاء الخاص بقانون المسطرة القانونية، حيث أشارت بشكل صريح أن اللقاء هو امتداد للقاء حول الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، ويتوخى النهوض بحقوق المشتبه بهم والمحرومين من الحرية، وتعزيز ضمانات حريتهم وكرامتهم والوقاية من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية والمهينة واللاإنسانية. وشهد اللقاء، مشاركة عدد من الفاعلين المؤسساتيين ومن داخل الحركة الحقوقية، ويتعلق الأمر بكل من هشام الملاطي، مدير الشؤون الجنائية والعفو بوزارة العدل، ومولاي أحمد الطاهري، رئيس وحدة قضايا جرائم الإرهاب والجرائم المنظمة والجرائم الحديثة بالنيابة العامة، وأحمد آيت الطالب، ممثل المديرية العامة للأمن، والنقيب عبد الرحيم الجامعي، والسعدية بلمير، نائبة رئيس لجنة مناهضة التعذيب للأمم المتحدة، وعبد الله أنير، أستاذ جامعي وخبير في القانون الجنائي، وباربارا بيرناث، الأمينة العامة بجمعية منع التعذيب ومصطفى الناوي، مدير الدراسات والبحث والتوثيق بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان. وأوصى المشاركون في هذا اللقاء الذي تم فيه التركيز فيه على مسألة أهمية التشريع الجنائي بالنسبة للعدالة الجنائية والارتباط الوثيق بين قانون المسطرة الجنائية ومستلزمات حماية حقوق الأشخاص وكرامتهم وضماناتها، إلى إقرار مبادئ التواجهية والحضورية وحق الدفاع، وإلزامية حضور المحامي خلال الحراسة النظرية والبحث التمهيدي،هذا مع العمل على إعادة النظر في المقتضيات المتصلة بالتلبس، والتركيز في صياغة مقتضيات قانون المسطرة الجنائية على أهمية وسائل الإثبات، وإصدار نص صريح على عدم اعتبار السوابق من ضمن القرائن على ارتكاب التهمة. وأكدت أمنة بوعياش في كلمة تأطيرة لموضوع الندوة، على موضوع إحداث القطيعة ومناهضة التعذيب، قائلة” نحن شركاء لإنجاح القطيعة ومناهضة معتبرة اللقاء مناسبة للشركاء والمسؤولين للمساهمة في إنجاح القطيعة ومناهضة التعذيب ، حيث يشكل النقاش “إغناء لتصور المجلس الوطني لحقوق الإنسان للتشريع الجنائي والمسطرة الجنائية ، في إطار ممارسته لمهامه باعتباره مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان بمقتضى القانون رقم 76.15 المؤرخ في 22 فبراير 2018، كما يعتبر إغناء لتصور واقتراحات المسؤولين والمدافعين عن حقوق الأشخاص المحرومين من الحرية وكرامتهم. وطرح المشاركون من جانبهم أهم مستجدات مشروع قانون المسطرة الجنائية في مجال الحراسة النظرية وحالات الاعتقال الاحتياطي ،مستعرضين أهم الإشكاليات المرتبطة بهما، كما تم إبراز الدور الذي باتت تضطلع به النيابة العامة بعد إعلان استقلالها والجهود التي يقوم بها كل من المديرية العامة للأمن الوطني ومديرية مراقبة التراب الوطني. وفي هذا السياق، أوضحت بوعياش أن هذا اللقاء هو مناسبة للشركاء والمسؤولين للمساهمة في إنجاح القطيعة ومناهضة التعذيب بحيث اعتبرت أن هذا النقاش هو “إغناء لتصور المجلس الوطني لحقوق الإنسان للتشريع الجنائي والمسطرة الجنائية كما يعتبر إغناء لتصور واقتراحات المسؤولين والمدافعين عن حقوق الأشخاص المحرومين من الحرية وكرامتهم”. ومن بين المستجدات التي حملها قانون المسطرة الجنائية والذي جاء في إطار نهج سياسة جنائية جديدة تقوم على مراجعة وملاءمة القانون والمسطرة الجنائية ومواكبتها للتطورات، حيث تضمن المشروع الجديد تمقتضيات تتوخى تعزيز وتقوية ضمانات وحقوق الأفراد وحرياتهم وكفالتها بما يتوافق مع المواثيق الدولية، وأأقر المشروع في هذا الصدد إلى جانب مبدأي قرينة البراءة ومجموعة من المبادئ المتعارف عليها دوليا في مجال المحاكمة العادلة، خاصة الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، حيث تم التنصيص على ضرورة مراعاة مبدأ المساواة أمام القانون والمحاكمة في أجل معقول واحترام حقوق الدفاع وضمان حقوق الضحايا والمتهمين. هذا فضلا عن تنصيصه على احترام قانونية الإجراءات وخضوعها لمراقبة السلطة القضائية هذا مع مراعاة مبادئ الحياد وسلامة ونزاهة الإجراءات المسطرية والحرص على حقوق الأطراف خلال ممارسة الدعوى العمومية ، وقد تم تجسيد هذه المبادئ في عدة إجراءات تضمنها هذا المشروع من خلال استحداث مقتضيات جديدة تروم تحقيق مجموعة من الأهداف منها ما يرتبط بالضوابط القانونية للوضع تحت الحراسة النظرية ، بحيث تم إقرار مواد تنص بشكل صريح على ترشيد اللجوء إلى تدبير الحراسة النظرية كإجراء مقيد لحرية الأفراد ، الذي كان يلجأ إليه تطلبت ضرورة البحث ذلك وتعلق الأمر بجناية أو جنحة . كما بادر المشرع إلى التضييق من حالات اللجوء إلى الحراسة النظرية من خلال التنصيص صراحة على أن تدبير الحراسة النظرية يعد تدبيرا استثنائيا لايمكن اللجوء إليه إلا إذا تعلق الأمر بجناية أو جنحة يعاقب عليها بالحبس وتبين أنه ضروري لواحد أو أكثر من الأسباب التي ترتبط إما من أجل حماية المشتبه به، والحفاظ على الأدلة والحيلولة دون تغيير معالم الجريمة، والقيام بالأبحاث والتحريات التي تستلزم حضور أو مشاركة المشتبه فيه. هذا فضلا عن الحرص على وضع المشتبه فيه رهن إشارة العدالة والحيلولة دون فراره، وكذا للحيلولة دون ممارسة أي ضغط على الشهود أو الضحايا أو اسرهم وأقاربهم ومنع المشتبه فيه من التواطؤ مع الأشخاص المساهمين أو المشاركين في الجريمة، ووضع حد للاضطراب الذي أحدثه الفعل بسبب خطورته أو ظروف ارتكابه أو الوسيلة التي استعملت في ارتكابه، أو أهمية الضرر الناتج عنه، أو بالنظر لخطورة المشتبه . ومن المستجدات التي تضمنها المشروع، أنه جاء أيضا بمجموعة من التدابير والإجراءات التي يتوخى منها، مراقبة ظروف الوضع تحت الحراسة النظرية وضمان حقوق الأشخاص المودعين واحترام كرامتهم وإنسانيتهم، وكذا الحد من كل عمل تعسفي أو تحكمي قد يلحق بهم، أو من شأنه المس بسلامتهم الجسدية أو حرمانهم من الحقوق المخولة لهم قانونا وفق ما أقرته المواثيق الدولية ودستور المملكة. ومن بين الإجراءات المستحدثة في هذا الصدد، بمقتضى هذا الشروع وضع كاميرات بمراكز الاعتقال، بحيث يتم التسجيل السمعي البصري لاستجوابات الأشخاص الموضوعين تحت الحراسة النظرية المشتبه في ارتكابه جنايات أو جنح مع إرفاق المحضر بنسخة من التسجيل توضع في غلاف مختوم، ويخضع مضمون التسجيلات كغيره من وسائل الإثبات لاقتناع القاضي الصميم . وشمل المشروع مقتضيات تهدف إلى تعزيز حق اتصال الشخص الموضوع رهن الحراسة النظرية بمحاميه بضمانات إضافية، من خلال منح حق الاتصال بالمحامي ابتداء من الساعات الأولى لإيقاف المشتبه فيه، ودون اشتراط الحصول على ترخيص من النيابة العامة وتقليص آجال تأخير الاتصال حينما يكون ممكنا إلى أدنى مستوياتها، كما نص المشروع على إحداث سجل إلكتروني وطني وآخر جهوي للحراسة النظرية يسمح بمركزة المعطيات المتعلقة بالأشخاص الموضوعين رهن الحراسة، ويوضع رهن إشارة النيابة العامة والجهات التي يعنيها القانون . وفيا يرتبط بآليات للوقاية من التعذيب، أقر هذا المشروع مجموعة من التدابير الرامية إلى الوقاية من التعذيب، وإضفاء المزيد من المصداقية على إجراءات البحث، من بينها، إلزام ضابط الشرطة القضائية بإخضاع الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية لفحص طبي بعد إشعار النيابة العامة، إذا لاحظ عليه مرضا أو علامات أو آثارا تستدعي ذلك، كما تم التنصيص على إلزام النيابة العامة بإخضاع المشتبه فيه إلى فحص طبي في حالة ما إذا طلب منها ذلك أو عاينت بنفسها آثارا تبرر إجراء فخص طبي، تحت طائلة اعتبار اعتراف المتهم المدون في محضر الشرطة القضائية باطلا في حالة رفض إجراء الفحص الطبي إذا كان قد طلبه المتهم أو دفاعه . وتضمن المشروع التنصيص على بطلان كل إجراء يتعلق بشخص موضوع تحت الحراسة النظرية، إذا تم بعد انتهاء المدة القانونية للحراسة النظرية أو بعد التمديد المأذون به قانونا، مع عدم بطلان الإجراءات التي تمت خلال الفترة القانونية للحراسة النظرية، هذا مع إلزام وكيل الملك أو حد نوابه بزيارة ألأماكن المعدة للحراسة النظرية إذا بلغ باعتقال تعسفي أوعمل تحكمي ، فضلا عن تعزيز المراقبة القضائية على عمل الشرطة القضائية.