اخترقت المرأة المغربية مجال القضاء في وقت مبكر مع فجر الاستقلال، ففي سنة 1961 عينت أول امرأة قاضية، ومع توالي السنوات أصبحت تمثيلية المرأة القاضية في تنامي مستمر. المرأة القاضية بالمغرب أرقام ومعطيات يبلغ عدد النساء في سلك القضاء 1004 قاضية في مقابل 3177 قاضيا، أي بنسبة 24% طبقا لإحصائيات سنة 2016، وهي نسبة آخذة في الارتفاع خاصة إذا علمنا أن هذه النسبة لم تكن تتجاوز 20.41 %سنة 2008، و20.48 %سنة 2009، و21.50% سنة 2010، و22.12%، سنة 2012، وهي النسبة المرشحة لارتفاع أكبر في أفق سنة 2017 حيث من المنتظر أن يتم تعيين الفوج 41 من الملحقين القضائيين. ونلاحظ التطور الذي عرفه عدد النساء القاضيات، الذي انتقل من 683 قاضية سنة 2010 إلى 1004 قاضية إلى حدود 15 شتنبر 2015، مسجلا بذلك ارتفاعا يقدر بنسبة 46%، بوثيرة أكبر من الزيادة الحاصلة في العدد الإجمالي للقضاة الذي ارتفع بنسبة 23% خلال نفس الفترة، وهو ما يوضح الإقبال الكبير الذي أصبحت تعرفه مهنة القضاء من طرف المرأة. غياب المرأة القاضية عن مراكز صنع القرار بالرغم من التقدم الملحوظ الذي سُجّل في العقود الأخيرة فيما يخص تزايد عدد القاضيات بالمغرب، فإن ذلك لم يواكبه حضور للمرأة القاضية على مستوى مراكز صنع القرار القضائي، ذلك أن عدد القاضيات اللواتي يتحملن المسؤولية بالمحاكم لا يتجاوز 11 قاضية من أصل 211 منصبا للمسؤولية القضائية بالمحاكم، أي بنسبة لا تتجاوز 5.21 %، وهي نسبة ضعيفة غاليا ما ترجعها الجهات الرسمية إلى رفض العديد من النساء المؤهلات لتحمل مسؤولية الإدارة القضائية التي تفرض عليهن أعباء إضافية كبيرة. وبالرغم من أن تجربة المرأة القاضية في المغرب هي الأقدم على مستوى الدول العربية ، إذ ولجت المرأة المغربية سلك القضاء منذ سنة 1961 وتقلدت بعض مناصب المسؤولية لكن بنسبة هزيلة مقارنة مع زميلها الرجل. وبالرغم من أن القانون المغربي يساوي بين الجنسين ولا يفرق بينهما: الدستور – قانون الوظيفة العمومية والقانون الأساسي للقضاة- إلا أن النزعة الذكورية التي تهيمن على عقلية صناع القرار تقف حجرة عثرة أمام وصول المرأة إلى مراكز المسؤولية، وأكيد أن الأمور ستتغير بعد وصول العنصر النسوي إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية بعد تبني المشرع الدستوري لإجراء الكوتا لضمان تمثيلية منصفة للمرأة القاضية على مستوى هذه المؤسسة الدستورية المهمة. ومن بين المهام الجديدة التي أسندت للمرأة القاضية في السنوات الأخيرة مهمة قاضي الاتصال، حيث توجد قاضية بكل من باريس وبروكسيل للقيام بهذه المهمة، كما أسندت للمرأة القاضية لأول مرة مهام التوثيق بإحدى السفارات المغربية بالخارج، وذلك بتعيين قاضيتين للتوثيق وهو ما شكل سابقة لاختراق المرأة القاضية على المجال الذي ظل لمدة عقود حكرا على زميلها القاضي الرجل. معوقات تواجه عمل المرأة القاضية تعاني المرأة العربية العاملة عموما والمرأة القاضية على وجه الخصوص من مشكلة التوفيق بين مسؤوليتها المهنية ومسؤوليتها الأسرية، وهذا راجع بالأساس إلى الصورة النمطية التي تلاحقها على أنها أنثى، والأنثى هي المسوؤلة عن تحمل جميع الأعباء المنزلية بخلاف زوجها الذكر الذي يقتصر دوره على العمل خارج البيت فقط . إن العقلية الذكورية تسود في المجتمعات العربية نتاج التربية التي يتلقاها الأبناء حيث التعامل يختلف ما بين الأنثى والذكر، فيتم تكليف البنت بأشغال البيت دون الابن، لأن الأشغال المنزلية مذلة، ويعتبرها الذكر إهانة لرجولته، فتتمكن منه هذه العقلية عندما يصبح زوجا، ويقتنع بأن دوره في البيت محدد في الأكل والراحة بعد العمل. ومع ذلك ورغم غياب أي مبادرة تشاركية للزوج فإن المرأة بفضل قدراتها الداخلية القوية استطاعت التغلب على هذه الظروف ونجحت في حياتها المهنية على العموم، غير أنه بإعمال مقاربة النوع الاجتماعي داخل الأسر سوف يمكن للمرأة من الحصول على وقت أوفر لتفجير طاقاتها وابداعاتها وتحقيق طموحاتها. العمل الجمعوي فضاء جديد لبروز المرأة القاضية في سنة 2016 وبعد المصادقة على قوانين السلطة القضائية أسست جمعية اتحاد قاضيات المغرب، وهي جمعية مهنية قضائية تم تأسيسها بمبادرة من ثلة من القاضيات المتميزات ينتمين إلى محاكم مختلفة من ربوع المغرب. وما يميزها أنها مختلفة عن باقي الجمعيات المهنية الأخرى، فهي جمعية وطنية وفي نفس الوقت تشكل فرعا للجمعية الدولية للنساء القاضيات التي يوجد مقرها بواشنطن، وهي منظمة دولية غير حكومية، وغير ربحية، تضم في عضويتها أزيد من 4000 قاضية، يمثلن أزيد من 100 دولة، تأسست سنة 1991، وتهدف إلى توحيد جهود القاضيات بهدف توفير العدالة ودعم حكم القانون، وتركز أنشطة الجمعية على دعم الدور المتميز للقاضيات لتكريس حقوق المرأة وحمايتها عبر دعم عملها في السلطة القضائية، وتوفر برامج تدريب متقدمة للقاضيات، وبرامج تعاون لدعم حقوق الإنسان ومواجهة كل أشكال التمييز وتيسير الوصول إلى المحاكم أمام الجميع. إن فكرة تأسيس جمعية اتحاد قاضيات المغرب جاءت تنزيلا لمقتضيات دستور 2011، الذي اعترف بسمو الاتفاقيات الدولية (تصدير الدستور) وأقر مبدأ المناصفة بين الجنسين(الفصل 19) ومكن القضاة من إنشاء جمعيات مهنية بكل حرية (الفصل 111). تقوية قدرات المرأة القاضية تولي جمعية اتحاد قاضيات المغرب أهمية قصوى لتكوين وتدريب القاضيات تحت إشراف الجمعية الدولية التي تنظم ندوات محلية وإقليمية ودولية، وتنظم دورات تدريبية وبرامج تكوينية لفائدة القاضيات في مختلف المجالات القانونية، وبالتالي فإن الجمعية تخدم القاضيات والقضاء عن طريق التكوين المستمر للقاضيات، كما أن انفتاح القاضية على عالم ما وراء المحاكم واتصالها وتواصلها مع نظيراتها داخل المغرب و خارجه سيراكم لديها لا محالة تجارب وخبرات تعزز من قدراتها. ومن بين المشاريع التي يشتغل عليها اتحاد قاضيات المغرب برنامج تدريبي للقاضيات والقضاة حول معالجة ملفات زواج القاصرات لإدماج مقتضيات الاتفاقيات الدولية في الأحكام القضائية بهذا الخصوص. كما تم الإعلان مؤخرا عن إطلاق مشروع «معايير جديدة للنزاهة والمساءلة» يتعلق بالرشوة الجنسية ضد المرأة، وهو مشروع مشترك بين اتحاد قاضيات المغرب ومنظمة ترانسبرانسي المغرب على مدى 18 شهرا، فضلا عن مشاريع أخرى تهم وضعية المرأة اللاجئة، ووضعية المرأة في السجون، وهو ما يعني انخراط القاضيات عمليا في أوراش التكوين الذي يبقى رافعا مهما للتنمية والنجاعة القضائية.