دراسة تسلط الضوء على تحذير بشأن ارتفاع حرارة محيطات العالم    الرجاء يغادر دوري أبطال أفريقيا بعد تعادله أمام الجيش الملكي    كأس الاتحاد الإنجليزي (الدور الثالث).. الخنوس أحد صناع الفوز العريض لليستر سيتي أمام كوينز بارك رينجرز    متورط في عمليات نصب واحتيال يمثل أمام قضاء مراكش    توقيف شخصين بتهمة حيازة وترويج المخدرات    أولمبيك آسفي يفوز على ضيفه شباب المحمدية    حصيلة ثلاث سنوات غنية من تجربة مسرح رياض السلطان بطنجة    حرائق لوس أنجلوس تخلف 11 قتيلا والنيران تأتي على أزيد من 14 ألف هكتار    كمبالا: البواري يؤكد التزام المغرب بتطوير فلاحة قادرة على الصمود    أخطاء كنجهلوها.. أهم النصائح لتحقيق رؤية سليمة أثناء القيادة (فيديو)    اليمن بمن حضر فذاك الوطن    مسؤول أمني: مدرسة تكوين حراس الأمن بمراكش تروم الارتقاء بمنظومة التكوين الشرطي ودعم لامركزية مراكز التدريب    طقس الاحد.. امطار ضعيفة بالواجهة المتوسطية والشمال الغربي    ظروف احتجاز تودي بحياة رضيعة    "قيادات تجمعية" تثمّن الجهود الحكومية وورش إصلاح مدونة الأسرة المغربية    عرض مسرحية "أبريذ غار أُوجنا" بالناظور احتفالا بالسنة الأمازيغية    بفضل الرؤية المتبصرة لجلالة الملك، مسار الانتقال الطاقي يسير قدما مدعوما بإصلاحات استراتيجية ومنظومة مبتكرة (مركز تفكير فرنسي)    الصمت يرافق ذكرى أول وفاة بسبب "كوفيد" في الصين    مؤسسة وسيط المملكة: تحسين العلاقة بين الإدارات ومغاربة العالم    إيقاعات الأطلس تحتفي برأس السنة الأمازيغية في مسرح محمد الخامس    جدل دعم الأرامل .. أخنوش يهاجم بن كيران    آيك أثينا ينهي مشواره مع أمرابط    زياش يمنح موافقة أولية للانتقال إلى الفتح السعودي    الملك محمد السادس يهنئ سلطان عمان بمناسبة ذكرى توليه مقاليد الحكم    تواصل التوتر.. وزير الخارجية الفرنسي: على باريس أن "تردّ" إذا واصلت الجزائر 'التصعيد"    ذكرى 11 يناير تذكر بصمود المغاربة    استعدادا للشان .. السكتيوي يوجه الدعوة إلى 30 لاعبا    اعتداء عنيف على الفنان الشهير عبد المنعم عمايري في دمشق    نفسانية التواكل    حادثة سير مميتة بطنجة: وفاة لاعب وداد طنجة محمد البقالي في يوم يسبق عيد ميلاده ال16    مطالب متجدّدة لأمازيغ المغرب وأماني وانتظارات تنتظر مع حلول "إض يناير" 2975    الصناعة التقليدية تعرف تطورا إيجابيا بتحقيق نسبة نمو 3% خلال سنة 2024    ارتفاع درجة الحرارة العالمية.. الأمم المتحدة تدعو إلى التحرك لتجنب أسوأ الكوارث المناخية    الصين تعرب عن رغبتها في نهج سياسة الانفتاح تجاه المملكة المتحدة    واشنطن "تتساهل" مع مليون مهاجر    إسرائيل تواصل التوغل في سوريا    مكناس.. الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة على نغمات فني أحواش وأحيدوس    الشرطة المغربية تتدخل ضد أم عنفت طفلها بعد تبليغ من مدرسته    الإقبال على ركوب الدراجات الهوائية يتباطأ بين الفرنسيين    طنجة... الإعلان عن الفائزين بجائزة بيت الصحافة وتكريم إعلاميين ومثقفين رواد (فيديو)    جلالة الملك يصدر عفوه السامي على 1304 أشخاص بمناسبة ذكرى 11 يناير    لقطة تلفزيونية تفضح طفلا هرب من المدرسة لحضور مباراة نيوكاسل    بطولة ألمانيا.. بايرن ميونيخ يستعيد خدمات نوير    وفاة وفقدان 56 مهاجرا سريا ابحرو من سواحل الريف خلال 2024    إنفوجرافيك l يتيح الدخول إلى 73 وجهة دون تأشيرة.. تصنيف جواز السفر المغربي خلال 2025    الصين: تنظيم منتدى "بواو" الآسيوي ما بين 25 و 28 مارس المقبل    رواية "بلد الآخرين" لليلى سليماني.. الهوية تتشابك مع السلطة الاستعمارية    مراكش تُسجل رقماً قياسياً تاريخياً في عدد السياح خلال 2024    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    أسعار النفط تتجاوز 80 دولارا إثر تكهنات بفرض عقوبات أميركية على روسيا    أغلبهم من طنجة.. إصابة 47 نزيلة ونزيلا بداء الحصبة "بوحمرون" بسجون المملكة    بوحمرون: 16 إصابة في سجن طنجة 2 وتدابير وقائية لاحتواء الوضع    ملفات ساخنة لعام 2025    ارتفاع مقلق في حالات الإصابة بمرض الحصبة… طبيبة عامة توضح ل"رسالة 24″    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    فتح فترة التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1447 ه    وزارة الأوقاف تعلن موعد فتح تسجيل الحجاج لموسم حج 1447ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهوية والاغتراب في رواية “الموريسكي” للكاتب المغربي حسن أوريد
نشر في بيان اليوم يوم 22 - 02 - 2019

يتميز فن الرواية بكونه فنا حاملا لهموم الشعوب وقضايا الناس، إذ ترتبط الرواية بالواقع الاجتماعي أكثر من غيرها من الفنون الأدبية الأخرى، خصوصا إذا كانت الرواية تاريخية كما هو الشأن بالنسبة لرواية الموريسكي لحسن أوريد. ولعل من بين القضايا المركزية الحاضرة بقوة في هذه الرواية، نجد قضيتا الهوية والاغتراب باعتبارهما إحدى أهم المواضيع المثيرة للاهتمام في عصرنا الراهن. نظرا لما توحي إليه هاتين القضيتين من دلالات وإيحاءات مرتبطة أساسا بمعنى وجود الإنسان على هذه البسيطة، فالمرء الذي لا هوية له هو كائن غير موجود في الواقع المادي الملموس، وإنما يعيش حالة من الاغتراب الوجودي تجعله طرفا غير ذي جدوى في الحياة.
لقد استطاع حسن أوريد أن يوظف أحداث التاريخ بحمولاتها الكثيرة ودلالاتها العميقة لتشكيل حبكة فنية رائعة البناء تطرح سؤال الهوية والانتماء لدى الأندلسيين والأمازيغ، فالقارئ عندما ينتهي من قراءة الرواية يتشكل عنده موقف خاص به بخصوص ما تعرضت له كل هذه المكونات من اضطهاد ونفي سواء في التاريخ القديم أو في الزمن الراهن. أو هي محاولة لإسقاط القديم من القضايا على الحديث منها لما بينهما من تشابه في الأسباب والمسار والمصير. وهو ما يقر به الروائي صراحة في قوله: “الموريسكي في نحو من الأنحاء هو “نحن” المرحلون من ثقافتنا الأصلية.. آهة الموريسكي في عملي هي انتفاضة ضد وضع جامد، يتكرر بوجوه جديدة”1. فراوية الموريسكي استطاعت أن تضطلع بمهمة توضيح العوامل، الأسباب، الظروف، والحيثيات التي جعلت الإنسان الموريسكي والأمازيغي يعيشان حالة من التيه الهوياتي خصوصا في جوانب الانتماء الديني والجغرافي والأسري والاجتماعي.
استعان حسن أوريد بشخصيات كثيرة من مواقع مختلفة وبمواقف متباينة للتعبير عن الاغتراب الهوياتي الذي عاشة الموريسكي قديما، ويعيشه الأمازيغي في الوقت الحاضر، كأنه يحاول التذكير بالماضي للاعتبار والاتعاظ. وليس من باب إعادة واجترار الأحداث وسردها بطريقة ميكانيكية جافة، وإنما الهدف هو التدخل في صياغتها بأسلوب مغاير لعمل المؤرخ مع الاستعانة بالخيال الروائي وتقنياته لملء الفراغ الكائن في النص الأصلي الذي اعتمده أوريد كمصدر لتقديم روايته.
بيدرو/أحمد/ شهاب الدين: رمز المورسكي المضطهد يبدو واضحا في الرواية مدى المعاناة والاضطهاد اللذان عانا منهما الإنسان الموريسكي حيث الإرغام على تغيير الاعتقاد والمنع من ممارسة الشعائر والعادات والتقاليد، بالإضافة إلى النفي القسري والإجباري إلى أماكن متفرقة من العالم بعيدا عن الموطن الأصلي، دون أن ننسى أيضا القتل والحرق والرمي في عرض البحر. يقول أحد الشخصيات واصفا ومتحدثا عن جانب من جوانب الاضطهاد: “فرض علينا أن نغير عقيدتنا الدينية، هكذا صرنا ملزمين بإظهار اعتناقنا للدين المسيحي وأن نمارس ديننا خفية لكي نبقى على قيد الحياة”2، كما يصور في مشهد آخر فظاعة القتل التي يتعرض لها كل المخالفين لتوجه الكنيسة والسلطة الحاكمة حيث يقول:” أزندت النار ووضعت قلنسوات san benito، وهي قبعات صفراء، على رؤوس المحكوم عليهما، ثم ألقيا في النار”3. ومن الوقائع التي تفضح حقيقة محاكم التفتيش في تعاملها مع الموريسكيين نجد ما يلي:”لقد أمعنوا في افتتاننا وفي تكليفنا ما لا طاقة لنا به من الأشغال الشاقة، ثم دفعونا لنغير أزيائنا.. كانوا يدخلون بيوتنا بدون استئذان ويلوثون شرفنا ويلحقون بنا العار”4. كل هذه الصور والمشاهد التي صورها الروائي حسن أوريد في روايته بشكل دقيق ومفصل تنم عن نية مبيتة كانت لدى حكام اسبانيا، آنذاك، لاجتثاث واستئصال كل ما يرمز إلى الوجود الإسلامي في شبه الجزيرة الإيبرية، إذ تكلفت محاكم التفتيش بهذه المهمة مع توفير الكنيسة الكاثوليكية للغطاء الديني من جهة، بينما شرعنت الجهات الحاكمة ذلك بمبررات قانونية(ظهائير ومراسيم).
مع ارتفاع حدة التصفية الجسدية للموريسكيين وعم قدرتهم على مسايرة الوضع بإظهار شيء وإخفاء أشياء أخرى، كان من اللازم على من تبقى على قيد الحياة الهروب والنجاة بنفسه، إما خارج الجغرافيا الاسبانية أو بالتخلي عن المعتقد والانصهار داخل المجتمع المسيحي. وكانت للشخصية الرئيسية في هذا النص الروائي تجارب كثيرة تعكس الواقع المر الذي عانى منه الموريسكيون طوال حياتهم.
إن الاضطهاد الذي تعرض له الموريسكييون يعد عندهم بمثابة “المأساة التي رسخت عاطفة الانتماء”5. هذه العاطفة التي حاولت جميع الشخصيات الموريسكية في النص تمثلها في حياتها وفي مواقفها، ثم أنها تكشف بجلاء عن البعد الهوياتي في هذه الرواية المتميزة.
عاش أحمد الشخصية المحورية في الرواية حالة من الاغتراب في المكان والمعتقد والانتماء، فهو من مواليد الأندلس خلال الحكم الإسلامي، لكنه عاش متنقلا بين اسبانيا وشمال افريقيا بحواضرها وقراها. كما أنه ولد في بيئة مسلمة، لكن اضطرته الظروف إلى الجهر بما لا يعتقد به دينيا وهو الأمر الذي خلق عنده تناقضا خطيرا كان يؤرق باله وعقله. كل هذه الأمور جعلت من شهاب الدين كائنا بدون هوية واضحة وموحدة. في كثير من أحداث الرواية كان شهاب الدين يلملم جراحه ويتأمل باحثا عن هويته الدينية والجغرافية والاجتماعية. أهو مسلم أم مسلم سيء؟ أهو من هنا أم من هناك؟
إبراهيم أنتاتي: رمز الأمازيغي المنبوذ
يعالج أوريد القضية الأمازيغية من خلال توظيف شخصية أنتاتي التي ترمز إلى الإنسان الأمازيغي، إذ تعاني هذه الشخصية، داخل الرواية، من استفزازات متكررة وتوجه إليها تهم خطيرة، من قبيل عدم الوفاء، الخداع، والغدر، مما يعني أنها شخصية ليست جديرة بالثقة، وبالتالي يجب تهميشها وعدم الاعتراف بها وبهويتها في انتظار فرصة تصفيتها نهائيا من عالم الوجود. تصور لنا الرواية هذا من خلال عدد من المواقف المسجلة في أجداث الرواية، ويمكن الاستشهاد بالحوار الذي دار بين الشاوي وأنتاتي:”وقد كنت شاهدا ذات يوم على مشهد يوضح بجلاء الهوة الثقافية التي تفصل أنتاتي عن الشاوي. بادر الشاوي أنتاتي في باحة القبة الخضراء بما كان أشبه بالاستفزاز:
– أمازلت أيها الأمازيغي ترفض اعتمار الطربوش رغم أنها تعليمات مولانا السلطان؟
– اعتمر أجدادي دوما العمامة. الأتراك ليس أجدادي، رد أنتاتي.
– ومتى كان أجدادك مرجعا؟
– ومتى كان أجدادك كذلك إن كنت تعرفهم؟
– كنتم لا تسكنون إلا المغارات، حين
.. – حين أوقفتم دورة حضارتنا. إنك لا تعرف التاريخ يا الشاوي
– أنت جاحد، بفضل سيدي تعلمت العربية وصار بمقدورك التخاطب بلغة متحضرة
– روحي بقيت أمازيغية
– إنكم خونة
– ليس هناك خيانة أكبر من انتزاع الأرض من مالكيها، وطمس ذاكراتهم بالأكاذيب والأراجيف

– أنتم تستحقون الإبادة
– أعرف الحب الذي تكنونه لنا، لكننا لن نمتعكم بمشهد اختفائنا…”6
بالإضافة إلى هذا نجد مشهدا آخرا ينم عن عنصرية كبيرة ونظرة مريبة تجاه الأمازيع، حيث يتهمون بتهم التمرد. يظهر ذلك واضحا من خلال الحوار التالي الذي جار بين دوغا وشهاب الدين:
“هل لديك أخبار عن أنتاتي؟
– لا أخبار لدي
يا له من رجل ! لعله الآن على رأس بعض القبائل يقود تمردا.
– أتعتقد ذلك؟
– الأمازيغ لا يحسنون إلا هذا. كان أنتاتي رجل فعل أراد السلطان أن يبقيه تحت وصايته، والآن، وهو حر، لابد أن يكون على رأس حركة تمرد. فالتمرد من طبعهم..”7
في مقابل هذا يعطي شهاب الدين بطل الرواية صورة إيجابية عن أنتاتي الأمازيغي، فيقدمه إنسانا متسامحا يتقبل الآخر، كما أنه يحب الاطلاع على العلم والمعرفة، بالإضافة إلى حبه لطرح السؤال والتشكيك في سياسات السلاطين. يقول شهاب الدين عن صديقه أنتاتي بأنه كان أمازيغيا قحا، كما يصفه في موضع آخر حيث يقول: “كان زميلي مثقفا، كامل الرجولة، ومتكتما… كان يقضي سحابة يومه قارئا، ولم يكن يخالط إلا شابا واحدا”8
هذا دون أن ننسى عدم تفريطه في هويته وثقافته وأرضه. حيث “كان أنتاتي يرفض أن ينادى باسمه كما جرت العادة، هنتاتي، بهاء في مستهل اسمه، هاء فرضتها قواعد الإبدال والإعلال في اللغة العربية”9، إذ يعتبر ذلك مدخلا للقضاء على انتمائه الأمازيغي، وبالتالي تجريده من هويته الأمازيغية ودفعه الانصهار في الهوية العربية. وهذا مظهر من مظاهر الاضطهاد الثقافي والوجودي الذي عانى منه الإنسان الأمازيغي على مر التاريخ. ومن المؤشرات الدالة على ارتباط الأمازيغي بأرضه هو عودة أنتاتي إلى موطنه الأصلي حيث أهله وعائلته بمجرد وفاة السلطان أحمد المنصور الذهبي الذي فرض عليه الاشتغال في أحد دواوينه.
هذه المعطيات وغيرها تجعل من شخصية أنتاتي رمزا للأمازيغي المنبوذ داخل المجتمع العربي الذي يبجل النسب الشريف ويقدس اللغة العربية في مقابل تهميشه وتهشيمه لكل ما ليس من هذه الثنائية الصنم. لقد حان الوقت، على ما يبدو، للاستفادة من التاريخ لضمان عدم تكرار وقائع الاضطهاد الهوياتي والحرمان من الحقوق الثقافية والإقصاء الممنهج تجاه مكون إثني أو ثقافي كيفما كان. فالإنسان يجب أن يعي، من باب الإنسانية، أنه من حق الجميع العيش بسلام رغم كل الاختلافات والتمايزات والتقاطبات. فالإنسان إذا مسه الشر كان يئوسا.
هوامش:
1- حسن أوريد، الموريسكي، ترجمة عبد الكريم الجويطي، دار أبي رقراق، الطبعة الأولى، ص: 10
2- حسن أوريد، الموريسكي، ترجمة عبدالكريم الجويطي، منشورات دار الأمان، الطبعة الثالثة، ص: 10
3- نفسه، ص: 203
4- نفسه، ص: 29
5- نفسه، ص: 23
6- نفسه، ص: 80
7- نفسه، ص: 210
8- نفسه، ص: 78
9- نفسه، ص: 91


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.