يبدو أن العلاقة بين الحكومة والمهندسين وصلت إلى ما يشبه الباب المسدود وعوضت لغة الاحتجاج مسار الحوار المتعثر والبطيء الذي جمع الطرفين. حيث خاض آلاف المهندسين العاملين بمختلف القطاعات الوزارية والمنشآت العمومية والجماعات المحلية والقطاع الخاص أول أمس الأربعاء إضرابا وطنيا، احتجاجا على الحكومة متهمين إياها بعدم الجدية وبغياب المسؤولية في تعاطيها مع مذكرتهم المطلبية، والتي تتمحور حول تعديل القانون الأساسي بما يؤدي إلى الارتقاء بوضعية المهندس المادية والمعنوية، هذا فضلا عن تكوين المهندسين وإحداث هيئة وطنية للمهندسين والتي من شأنها تنظيم ممارسة المهنة وبالأخص في القطاع الخاص. وقال عبد الله السعيدي رئيس الاتحاد الوطني للمهندسين، خلال ندوة صحفية نظمها الاتحاد صباح أول أمس الأربعاء بمقر نادي الصحافة بالرباط ، "إنه لم يتم تسجيل أي تطور يدعو إلى وقف المهندسين لحركتهم الاحتجاجية، مبرزا أن الإضراب ما هو إلا تجلٍّ لما آل إليه الحوار بين الحكومة والاتحاد". وأكد، أن الأوضاع المادية والمعنوية للمهندسين والتي لاتزداد إلا تفاقما وتدهورا تستدعي من الحكومة الانكباب بشكل مستعجل على معالجة الملف عبر الاستجابة للمذكرة المطلبية التي أعدها الاتحاد، مبرزا الفوارق الهائلة بين أجور المهندسين كأطر والفئات المهنية الأخرى المماثلة للمهندسين، واختلاف نظام الترقية، حيث يعد المهندسون الفئة الوحيدة التي يطبق عليها نظام الحصيص القار، وهو نظام أعلن عن نفاذه في العديد من الوزارات، فلم يعد بإمكان غالبية المهندسين الاستفادة من الترقية، الأمر الذي أدى إلى كون هذه الفئة ينتهي طموحها المهني وهي لازالت في قمة العطاء. واستغرب المتحدث من التناقض الذي يطبع خطاب الحكومة، فهي من جهة تقر بالدور الأساسي للمهندس في تنفيذ الأوراش الكبرى، لكن من جهة أخرى ترفض الاستجابة لمطالبهم، محذرا من استمرار هذه السياسية التي ستكون لها آثار وخيمة على تنفيذ تلك الأوراش، قائلا "الأوراش الكبرى التي هي مبادرات للدولة ستعاني من سوء التأطير في ظل استمرار وضع المهندسين على ما هو عليه، فأغلب المهندسين المتخريجين حديثا يفضلون في ظل هذه الأوضاع خيار الهجرة أو العمل في القطاع الخاص على خيار العمل في القطاع العمومي والجماعات المحلية". وأعطى في هذا الصدد مثالا بما تعرفه وزارة التجهيز والنقل التي أعلنت مؤخرا عن عروض لتوظيف 92 مهندسا، فتقدم فقط 12 مهندسا بترشحيهم، والتحق للعمل بالوزارة 5 مهندسين لاغير، مشيرا "أن العديد من المهندسين يوجدون في مواقع حساسة ويسيرون مشاريع تقدر بملايير الدراهم، وهم يواجهون بإغراءات، وعلى الدولة حمايتهم من هذا الإغراء عبر تحسين أوضاعهم". وبخصوص العودة إلى طاولة الحوار، أفاد السعيدي، أن ذلك رهين بتعامل الحكومة وإبدائها لنوع من الجدية والمسؤولية في تعاطيها مع المذكرة المطلبية للاتحاد، مبرزا أن التعامل الإيجابي سيتوج بعقد مناظرة وطنية حول "المهندس وواقع الهندسة والآفاق المستقبلية"، معلنا أن هناك لجنة مكونة من الاتحاد والحكومة ممثلة في وزارة التجهيز من أجل الإعداد لهذه المناظرة الأولى من نوعها". "لكن في حال استمرار الحكومة في موقفها، سيتم تنفيذ البرنامج الاحتجاجي كما قررته اللجنة الإدارية لاتحاد المهندسين، وذلك عبر تنظيم إضراب وطني لمدة 48 ساعة خلال شهر يونيو القادم، وتنظيم وقفات احتجاجية على المستوى الجهوي، بل وإبداع أشكال نضالية أخرى" حسب المتحدث. وفيما يتعلق بالاتحاد الوطني للمهندسين المغاربة كإطار يضم في عضويته كافة المهندسين بمختلف حساسياتهم وتوجهاتهم السياسية والنقابية، أكد، أن هذا الإطار يبرز مدى النضج الذي تتسم به فئة المهندسين، منتقدا بعض الهيئات التي قال أنها أحدثت من أجل أهداف أخرى غير الدفاع عن المهندسين. وأوضح أن نضج فئة المهندسين يبرز بشكل جلي من خلال المحاور التي تتضمنها المذكرة المطلبية لاتحاد المهندسين، حيث لاتركز فقط على المطلب المادي ومسألة الأجور، بل تمتد إلى المطالبة بتقييم مبادرة تكوين 10 آلاف مهندس في أفق 2010، عبر التأكيد على عدم تغليب عنصر الكم على حساب معيار الجودة.