ألقى المصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، درسا افتتاحيا، حول موضوع: “حقوق الإنسان: التطور القانوني والمؤسساتي”، بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – جامعة عبد المالك السعدي- بطنجة، وذلك يوم الأربعاء 02 يناير الجاري. وترأس هذا اللقاء الدكتور محمد الإدريسي العلمي المشيشي، وزير العدل سابقا، وحضره ثلة من أساتذة القانون، وعلى رأسهم رئيس شعبة القانون الخاص الأستاذ مرزوق أيت الحاج، ومنسق ماستر العدالة الجنائية وحقوق الإنسان الأستاذ هشام بوحوص، إضافة إلى قضاة ومحامين وطلبة باحثين، وعدد مهم من المهتمين ورجال الإعلام. في بداية درسه الافتتاحي، استهل المصطفى الرميد مداخلته بالثناء على أصحاب الدعوة وبالتعبير عن سروره لوجوده إلى جانب قامة علمية يعتبر بحق أستاذا للأجيال، مشيرا إلى أن مرحلة السهر على ورش إصلاح العدالة التي دامت مدة أشغال اللجنة المكلفة به 14 شهرا، مكنته من التعرف أكثر على خصال الأستاذ المشيشي والاستفادة من تحليلاته الرصينة وآرائه العميقة. وخلال ساعتين متواصلتين، طاف وزير الدولة على العديد من القضايا والمحاور الكبرى في جولة بانورامية على الإصلاحات التي تشهدها المرحلة، والتي اعتبرها إصلاحات بمثابة بنيات أساسية للديمقراطية وحقوق الإنسان. وانطلق بالقول أن الحديث عن حقوق الإنسان في علاقاتها بالإصلاحات المؤسساتية يستلزم التذكير بأن الأساس في هذه الإصلاحات هو الدستور الذي يؤسس بحق لانتقال ديمقراطي إذا وجد الإرادة اللازمة لتفعيله. فالتصدير ينص على عبارات دقيقة من قبيل (“البناء”، “تواصل بعزم”، “إرساء”)، وهو ما يفيد بوضوح، في نظره، ” أننا في طور بناء المؤسسات وإرساء دعائم الديمقراطية. وقد حاول الدستور تقديم أجوبة دقيقة من خلال تفصيلات وإحالات على قوانين تنظيمية مكملة للدستور (17 قانونا تنظيميا) وقوانين عادية كثيرة، حيث أفرد الدستور الباب الثاني للحقوق والحريات، والذي يتكون من 22 فصلا، مقدما له بالفصل 19 الغني بالدلالات والذي يحتاج إلى دراسات لتتباين القراءات بشأنه”. كما أكد على أن الدستور أعاد توزيع السلط بين المؤسسات ونص على مؤسسة مجلس الحكومة وعلى مبدأ استقلال السلطة القضائية وعلى مبادئ الحكامة الجيدة. وإذا كان الدستور قد أبان عن بعض ملامح القصور في التطبيق، فإنه ما زال لم يستنفذ بعد أغراضه، بل إن بعض النصوص والمؤسسات التي نص عليها لم تر النور بعد، وهو ما يبرز أنه لا حاجة لتعديله بل في هذه المرحلة وأن ما نحتاجه فعلا هو تقوية المؤسسات لتستوعب جيلا جديدا من الإصلاحات، فمهما سمت القوانين والمؤسسات فإنها لن تستطيع تحقيق نتائج مرضية إذا ابتليت بممارسة متخلفة جامدة. وأكد وزير الدولة أنه، وبدون مجازفة ومن خلال موقعه، على يقين تام أننا نعيش مرحلة بناء المؤسسات الحاضنة وإنتاج القوانين الحامية للديمقراطية وحقوق الإنسان. وإذا كانت بعض المعطيات المشوشة وما ينتج عنها من ارتباكات واختلالات أمرا واقعا فإنه لا يمكن أن نتصور أن الأمر يتعلق بتراجعات ولا يجوز أن تكون تلك الاختلالات بمثابة الشجرة التي تخفي الغابة. فما أنجز مثلا على مستوى الاستقلال المؤسساتي للسلطة القضائية أمر بالغ الأهمية، علما أن القاضي المستقل كان ولا يزال مستقلا بغض النظر عن البنيات والمؤسسات. وأضاف وزير الدولة أن إصلاح العدالة على ضوء الدستور وعلى ضوء الاتفاقيات الدولية والمطالب الوطنية، والذي أدارته 40 شخصية وازنة ومن ورائها أكثر من 160 مؤسسة وجمعية مهتمة، هو أمر لا يستهان به، وهنا ينبغي التمييز بين المؤسسات والممارسات، فبعد إرساء مؤسسات قوية يبقى أن نعول على الضمير المسؤول للقاضي وعلى دور المجلس الأعلى للسلطة القضائية وأيضا على وعي المجتمع بكل مكوناته. وبخصوص موضوع استقلال النيابة العامة، أوضح وزير الدولة أن هناك أوهاما حول الموضوع سادت للأسف حتى داخل الأوساط العلمية، وأكد أن هذا الاستقلال كان مطلب الحقوقيين ومطلب المجلس الوطني لحقوق الإنسان وعدد من الأساتذة الجامعيين والمحامين والقضاة، وقد كان الوزير مؤتمنا على التدبير الجيد والأمين لمخرجات الحوار وهو ما جعله مدافعا عن حسن تنزيلها بغض النظر عن مواقفه وقناعاته. وقد استفاض في مناقشة العديد من القضايا المرتبطة باستقلال النيابة العامة بكثير من التفصيل، باسطا العديد من المعطيات والحجج ذات الصلة بالموضوع التي أهله إشرافه على إصلاح منظومة العدالة الإحاطة بها. وحذر وزير الدولة من ثقافة الإنكار والتنكر، والتي تعد ثقافة خطيرة، موضحا أنه هنا لا يقصد الإنكار لدوره الذي يترك الحكم فيه للتاريخ، وإنما الإنكار لإنجازات كبيرة حققها المغرب لم تحظ بالاهتمام اللازم والإشادة المطلوبة، وأعطى مثالا على ذلك قانون القضاء العسكري، حيث تم تحويل المحكمة العسكرية إلى محكمة متخصصة في الجرائم العسكرية بعد أن كانت محكمة استثنائية يحاكم أمامها المدنيون إضافة إلى العسكريين، كما تم تقليص عدد الحالات المعاقب عليها بالإعدام من 16 حالة إلى خمس حالات، إضافة إلى جعل التقاضي فيها على درجتين. وفي سياق عرضه للمؤسسات الضامنة، تطرق وزير الدولة إلى الحديث بتركيز عن أدوار عدد من المؤسسات مثل المحكمة الدستورية التي أنيط بها دور هام وحاسم بالنسبة للحقوق والحريات وهو البت في الدفع بعدم دستورية القوانين. وتوقف وزير الدولة عند أدوار المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي من مهامه الدفاع عن حقوق الإنسان وحمايتها والنهوض بها، مؤكدا أن صلاحياته امتدت لتشمل الآليات الوطنية للوقاية من التعذيب وتظلم الأطفال ضحايا انتهاك حقوق الطفل وحماية الأشخاص في وضعية إعاقة، مشيرا بهذا الشأن إلى أنه دافع بقوة، إلى جانب وزيرة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، كما أنه سيظل يدافع، عن ضرورة توفير الدولة للدعم المادي اللازم لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة عميقة، موكدا أنه من واجب المواطنين أداء الضرائب وعدم التملص منها، وفي المقابل يجب أن يروا أثر هذه الضرائب في تضامن اجتماعي خاصة مع هذه الفئة التي لا ينبغي أن تترك لحالها. وخلص وزير الدولة إلى أن إرساء هذه المؤسسات يؤكد على أننا في طور وضع البنيات الأساسية العميقة في مجال حقوق الإنسان، مضيفا أنه إلى جانب هذه المؤسسات هناك القوانين الضامنة سواء المتعلقة بحرية الرأي والتعبير أو بشفافية المرفق العام وتخليقه أو بالسياسة الجنائية أو بالديمقراطية التشاركية. وعرج وزير الدولة على الخطة الوطنية للديمقراطية وحقوق الإنسان التي تضمنت 435 تدبيرا وهو ما يعني 435 إشكالا ينبغي معالجته، وذكر أن هذه الخطة تعتبر بحق ملتقى جميع الوثائق والبرامج والتطلعات، فهي خطة لم يضعها الوزير ولا الحكومة وإنما هي مشروع مجتمع شارك فيه مختلف الفاعلين المعنيين، من حكومة وبرلمان ومؤسسات وطنية ومنظمات المجتمع المدني وأساتذة ومحامين وقضاة. وختم وزير الدولة حديثه بالقول أنه إذا كانت المؤسسات الحاضنة والقوانين الضامنة عنصران أساسيان لا غنى عنهما لبناء النظام الديمقراطي وإرساء الدولة الحديثة فإنه لا بد من إرادة مفعلة. وقد عبر جلالة الملك وفي كثير من المناسبات عن دعمه لبناء المؤسسات وتفعيلها ويبقى الأمل معقودا على المجتمع بنخبه وقياداته في تحمل مسؤولياته والاضطلاع بالأدوار المطلوبة كل من موقعه، “فلا ديمقراطية بدون ديمقراطيين”.