انزعاج "أمستردام" من تدخل إسرائيل في السياسة الداخلية عقب إرسال "تقرير خاص" إلى البرلمانيين    التجار يكشفون أسباب حريق جوطية "الجمعة القديمة" بالناظور    أسامة الصحراوي يغادر معسكر المنتخب المغربي بسبب الإصابة والقائمة تتقلص إلى 25 لاعبا    قبل مواجهة الديربي.. الرجاء الرياضي دون مباريات ودية    إقصائيات كأس أمم إفريقيا 2025.. المنتخب الوطني قدم عرضا جيدا وهناك مجال للتطور أكثر (وليد الركراكي)    المحامون يتوصلون إلى توافقات مع وزارة العدل    رؤية الرئيس الصيني.. التعاون الدولي لتحقيق مستقبل مشترك    زوجة المعارض المصري عبد الباسط الإمام تناشد السلطات المغربية إطلاق سراحه وعدم تسليمه إلى نظام السيسي    إنعقاد المؤتمر الدولي بالداخلة حول "المبادرة المغربية للحكم الذاتي:نموذج للحكامة الترابية بإفريقيا الأطلسية".    جائزة المغرب للشباب تحتفي بالتميز    نقابي يكشف أسعار الغازوال والبنزين المٌفترضة بالمغرب خلال النصف الثاني من شهر نونبر    أكبر منتج لزيت الزيتون يتوقع انخفاض الأسعار إلى النصف مع تحسن الإنتاج    السكوري يكشف تشكيل لجنة حكومية تدرس منح دعم للكسابة في العالم القروي لمواجهة فقدان الشغل    دعوة في طنجة لتبني إعلام جهوي يواكب التحولات المجتمعية والتكنولوجية    مجلس الشيوخ بالباراغواي يدعم بشكل لا لبس فيه الوحدة الترابية للمغرب        ‪أمن دبي يقبض على محتال برازيلي    الفلبين تأمر بإجلاء 250 ألف شخص    المغرب يرسل شاحنات إضافية لمساعدة إسبانيا في تخطي أضرار الفيضانات    تقلبات أسعار المحروقات في المغرب .. البنزين يتراجع والغازوال يستقر    المرتجي: التراث اللامادي بين المغرب وهولندا أفق جديد للتعاون الثقافي    حشرات في غيبوبة .. "فطر شرير" يسيطر على الذباب    منع جمع وتسويق "المحارة الصغيرة" بالناظور بسبب سموم بحرية    وزارة الداخلية تكشف عن إجراءات حاسمة لإنهاء الفوضى بقطاع "التاكسيات"    أنفوغرافيك | ⁨لأول مرة.. جامعة الحسن الثاني تدخل تصنيف "شنغهاي" الأكاديمي العالمي 2024⁩    مشروع نفق جبل طارق.. خطوة إسبانية جديدة نحو تجسيد الربط مع المغرب    ارتطام وأغدية متطايرة.. حالة من الرعب عاشها ركاب طائرة    أنفوغرافيك | أرقام مخيفة.. 69% من المغاربة يفكرون في تغيير وظائفهم    صانع المحتوى "بول جايك" يهزم أسطورة الملاكمة "مايك تايسون" في نزال أسطوري    اتهام فنزويلا بارتكاب "أفعال دنيئة" أمام البرازيل    الوزيرة أشهبار تستقيل من الحكومة الهولندية والمعارضة تعتبره "موقفا شجاعا"    السوق البريطاني يعزز الموسم السياحي لاكادير في عام 2024        كيوسك السبت | 800 مليار سنتيم سنويا خسائر الكوارث الطبيعية بالمغرب    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    فريق الجيش الملكي يبلغ المربع الذهبي لعصبة الأبطال الإفريقية للسيدات    "طاشرون" أوصى به قائد يفر بأموال المتضررين من زلزال الحوز    فيضانات فالنسيا.. المديرة العامة للوقاية المدنية الإسبانية تعرب عن امتنانها للملك محمد السادس    دراسة تكشف العلاقة بين الحر وأمراض القلب    الأمم المتحدة.. تعيين عمر هلال رئيسا مشاركا لمنتدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي حول العلوم والتكنولوجيا والابتكار    "باحة الاستراحة".. برنامج كوميدي يجمع بين الضحك والتوعية    مغاربة يتضامنون مع فلسطين ويطالبون ترامب بوقف الغطرسة الإسرائيلية    حملات تستهدف ظواهر سلبية بسطات    مقابلة مثالية للنجم ابراهيم دياز …    "طاقة المغرب" تحقق نتيجة صافية لحصة المجموعة ب 756 مليون درهم متم شتنبر    شراكة مؤسسة "المدى" ووزارة التربية    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    خناتة بنونة.. ليست مجرد صورة على ملصق !    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يكشف عن قائمة الأسماء المشاركة في برنامج 'حوارات'    "السودان يا غالي" يفتتح مهرجان الدوحة    الطبيب معتز يقدم نصائحا لتخليص طلفك من التبول الليلي    وكالة الأدوية الأوروبية توافق على علاج ضد ألزهايمر بعد أشهر من منعه    مدينة بنسليمان تحتضن الدورة 12 للمهرجان الوطني الوتار    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التواصل المعرفي دعامة لإصلاح منظومة العدالة
نشر في بيان اليوم يوم 19 - 12 - 2018

بداية لابد من أن ننطلق من سؤال مركزي كمؤطر للبعد الإنساني والثقافي لكل تقويم أو إصلاح، هل هناك، فعلا، إرادة حقيقية لإنجاح إصلاح شمولي وعميق وهيكلي لمنظومة العدالة، إن على مستوى بنيتها التحتية، التي يعتبر التنظيم القضائي عمقها الاستراتيجي، والذي يحدد طبيعة الدواليب والميكانزمات والآليات البشرية والإجرائية التي يدار بها النشاط القضائي وتنتج الأحكام القضائية ؟
لا أحد ينكر بأن المجهود الدستوري أقام أعمدة صلبة للسلطة القضائية، من خلال الباب السابع وعلى الخصوص وبالتحديد في الفصول 107 وما يليها الى غاية 128؛ لكن ما جدوى هذه الأعمدة إذا لم يتم إشراك المعنيين بالإصلاح كفاعلين من داخل المنظومة وكموضوع له ؟. كيف يمكن تأهيل مكونات منظومة العدالة لكي يلعبوا دورهم بنجاعة وتفان، والحال أنه لا معنى لإكتساب القضاء لصفة السلطة دون إبراز مؤشرات وأسس ” الاستقلالية ” ؟.هل يعقل أن نكرر تلك الأسطوانة المشروخة حول صعوبة البدايات ومقاومة التغيير؟ أليس كل انتقال ورش للتأسيس والهيكلة على المقاس ؟ .أليس مطلوبا منا أن نبني العدالة وهي تبنينا ؟ ألا يؤكد التوجس حول فشل مهمة الإصلاح في تكريس الأمن القضائي إصرار السلطة التنفيذية الضمني على تبخيس دور القضاء كسلطة مضادة ومراقبة للشرعية والمشروعية، كرافعة لبناء دولة الحق والقانون، وذلك باستعمالها كل الإمكانيات لتكريس هيمنة السياسي على القانوني والحقوقي والثقافي وحتى االتربوي ؟. ألم يحن الوقت للإعتراف للمحامين والقضاة بمركزية دورهم في إصلاح العدالة ؟. فأي دور لهم وأي تواصل وبأي محتوى وخلفيات يمكن إصلاح منظومة العدالة ؟. وهل القضاة واعون بأهمية استقلاليتهم، كخيار، مؤسسة وأفراد في تحقيق التقويم المنشود؟ إصلاح أية أعطاب أية سلوكات ؟. هل ذلك يعني التجاوز بالقطع مع الماضي المقلق غير المرغوب فيه ؟. ماضي في حاجة إلى تقييم وتقويم ذاكرته والتصالح معها ؟ وبأية وسائل والحال أن السلطة التنفيذية تقوت نفوذا وقوة على حساب بقية السلط ؟. كيف يمكن للجسم القضائي المترهل والمنهك بسبب تسخير الدولة له في حسم الصراعات السياسية لفائدتها تتبيثا لأمنها وتزكية لقمعها، إلى درجة لم يعد ينظر إلى جهاز القضاء سوى ملحقة بالإدارة ، بل إن القضاة –وعلى الخصوص قضاة النيابة العامة – مجرد موظفين
عموميين وضباط شرطة قضائية يحررون المتابعات ويزكون تصفية الحسابات السياسية ؟.
لقد سبق للدساتير السابقة أن نصت على استقلال القضاء ، لكن صفة “السلطة ” التي جاء بها دستور 2011 قد حسمت الموقف والتأويلات، وباعتبار المجلس الأعلى للسلطة القضائية هو الممثل المعنوي والقانوني للعدالة؛ فإن الهندسة الدستورية الجديدة التي حذفت عضوية وزير العدل من تشكيلته، كانت حاسمة في كون القضاء صار متحررا من أية هيمنة للسلطة التنفيذية.لكن السؤال الذي يفرض نفسه من الناحية الواقعية، هل تحرر القضاة والقضاء من “حضور ” السلطة التنفيذية، وطبعا نقصد الحكومة
ورئيسها، ولا نقصد الملك كضامن للاستقلال دستوريا …؟.
أضيف سؤالا على سبيل الإنكار البلاغي : لماذا لحد الآن لم يحتفل القضاة فعليا باستقلال القضاء وباستقلالهم عن مقتضيات وتمثلات المجلس الأعلى للقضاء الذي لازال يترأسه وزير العدل بالوكالة ؟
قد نعتبر الأنشطة والتظاهرات العلمية التي ينظمها القضاة في موضوع الاصلاح، وكذلك الوقفات وإصدار البيانات وتأسيس الجمعيات، مظاهر من الفرح والاحتفاء، لكن ألا يستحق المغاربة جميعا احتفاء جماعيا ووطنيا بعيد استقلال القضاء ؟ أليس الانكفاء في الاحتفال والتعبيرعن مطلب استقلال القضاة وتحسين وضعيتهم نزوع إلى نضال فئوي منغلق على الذات؟. وهل بهذه المنطلقات الذاتية يمكن أن نؤسس لاستقلالنا كمؤسسة وكأفراد، والحال أننا، دون وعي، نحتكم للحظات الحنين إلى ما قبل الاستقلال الدستوري غير المؤسس واقعيا في شكل سلطة قائمة الذات والصلاحيات المتميزة ؟
لست وصيا على زملائي القضاة والقاضيات، كي أملي عليهم جدول أعمالهم خاصة في العلاقة مع مطلب تحسين أوضاعهم المادية ولكن لأن العدالة شأن عام، وهمني كهيأة (المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف )وهي منظمة مدنية غير حكومية، أسست لجبر ضرر ضحايا سنوات
الرصاص، يهمني ليس فقط إصلاح القضاء كأداة سخرت في الماضي لتزكية الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وتعسف الدولة، إلى أن صارت تمثلات المجتمع تعتبر بجزم أن القضاء وظيفة سياسية غير محايدة، ويؤرقني الوضع الذي آلت إليه العلاقة بين مكونات منظومة العدالة ،فالتوتر
السائد بين المحامين والقضاة لايخدم سوى أطراف خارج منظومة العدالة .فلماذا هذا الاحتقان غير المبرر وغير المؤسس على أية مصلحة مشروعة .ودون أن ادخل في التشخيص، أتساءل فقط: من يصلح ماذا؟ وكيف لمن خولوا مهمة تدبير النزاعات أن يصلحوا قطاعا دوره الاستراتيجي هوتدبير النزاعات وصناعة المراكز القانونية آو الإعلان عنها، بل صناعة بدايات الواجبات وإرهاصات الحقيقة القضائية باعتبارها في آخر التحليل بشرية ونسبية؟ اذا كان المحامون (ككتلة وهيآت) والقضاة كمكونات للسلطة القضائية، هم عماد وجود العدالة ووطنها، فكيف لهم وهو يتحاربون خلال “اليومي” أن يحافظوا على مقتضيات العدالة، التي ليست فقط مجرد تعاقدات وعقود بل كينونة وسيرورة ووجود؟. قد نسلم بقيام الحروب كضرورة نظرا لتناقض المصالح وتنازع الحقوق، والصراع من أجل “البقاء”، غير أن حكماءنا المفترضين لبلورة المصالحات وخلق التوازن الاجتماعي والسياسي وتكافؤ المصالح الاقتصادية والمالية يفتقدون إلى هاته الملكة ومهارة التدبيرالذاتي للخصومات البينية، مما يستدعي الحاجة إلى محطات ووقفات للتأمل من أجل التجاوز، من هنا أعتبر الندوة ناجحة من الآن بكل المقاييس، فالعنوان لامس الإشكالية وكذلك المحاور .ومن هنا كان اختياري لمحور ” التواصل المعرفي دعامة لإصلاح منظومة العدالة ” .وفعلا ؛نحن جميعا في حاجة ماسة إلى تواصل، وبالأساس إلى هدنة، مرجعيتها الأساسية هي الوعي بأهمية المرحلة . فنحن بصدد التأسيس لدولة الحق والقانون، دولة تقطع مع ماضي التعليمات والانتهاكات، وأيضا إلى مجتمع بنفس المواصفات حيث القانون هو الحكم وكمؤسسة فوق الجميع.فمطلوب منا أن نشرع أخلاقيا لتدبير النزاعات فيما القضاة والمحامين وكذا فيما بين هيئاتهم، بما يعنيه التواصل المؤسساتي، لذلك ستلاحظون بأن المفكرين والأخلاقيين من النخبة وكذا علماء الإجتماع والنفس اتفقوا على أهمية وضرورة وجود هدنة لأجل التفكير العقلاني، فيما يتراكم من شنآن وصراعات، فحتى “المشرعين الدينيين ” كانوا يشرعون لما يسمى ب “نظام هدنة الله “
لدى المسيحيين، وأيام كيبور لدى العبريين اليهود، والأشهر الحرم التي ورثها الإسلام عن الجاهلية وسار عليها. وهي فترات يرخص فيها للمتحاربين كي يهتموا بطقوسهم وشعائرهم العقائدية والدينية ويمارسونها بخشوع ودون تشويش . ما أحوجنا إلى هدنة قد تطول أو تقصر،للعمل على بلورة مصالحات بينية ؛ وإذا كان يصعب الوصول إلى صلح قطعي ودائم ،فنحن في المنتدى نعتبر استحالة بلوغ المصالحة كمسلسل وبالأحرى الصلح الذي يعني وضع حد نهائي للنزاع ، لذلك نعوض –إجرائيا ومصلحيا – المصالحة باصطلاح التواصل التاريخي، حيث المد والجزر،في أفق بلوغ الهدف الأسمي وهو العيش الجماعي وحسن تدبير الاختلاف كحق وكفطرة .
ولأن التواصل التاريخي وحده غير كاف بحكم استحضاره دائما لسلبيات الماضي وتراكماته وجراحه ،فإنه ينبغي الإرتقاء بالتواصل إلى مستوى فكري وعلمي ،من أجل حسن التأطير وتغليب المصالح العليا على الذاتية .لذلك فالمقصود بالمعرفي كل المبادرات والأدوات والسبل والتراكم الثقافي والعلمي والفكري الذي يتناول النزاع ويحلله في كليته ونهايته بما تعنيه” الكلية” بالعموم والشمول والكمون ،خاصة وأن أغلبنا يتعامل مع الظاهرة من خلال أسبابها السطحية والجلية، والحال أن الأسباب
والمسببات المباشرة هي مجرد أقنعة خادعة، لما يختفي في الخلف هي مجرد نتائج لأسباب جوهرية، فكيف لنا أن نعالجها إذن بالتواصل المعرفي ؟
لا يمكن أن نتحرر من هيمنة التحليل السياسي والاقتصادي سوى بإعمال أدوات التحليل المعرفي الشامل وتمثلها ، انطلاقا من المقاربة القانونية /الحقوقية /التعاقدية إلى المقاربة المعرفية الشاملة وإن القانون معرفة بذاته كعلم وتقنية .فهل نملك هاته الإمكانية المعرفية القانونية، وهل هي كافية ككفاية ؟
وباعتبار المعرفة تراكم وتواصل ،فإني سوف أقتصر ،تفعيلا لهذه المقاربة،على اقتراح ثلاثة مداخل مندمجة لهذا التواصل بمثابة توطئة خام :
– المدخل الأول : التعايش في ظل النزاع بواسطة التواصل المعرفي .
– المدخل الثاني : الحوارالمعرفي كتمرين لدمقرطة التواصل .
المدخل الثالث :التسامح كبيداغوجيا للاعتراف بالآخرين .
*الرئيس المؤسس للمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والانصاف
ملاحظة: على هامش ما يجري من توتر، بعضه طبيعي والبعض الآخر يبدو أنه مفتعل، فيما بين مكونات النظام السياسي وبين المجتمع المدني، وداخل كل المربعات والتكتلات نفسها؛ أعيد نشر مداخلة شاركت بها في ندوة نظمتها جمعية القضاة التي كانت تترأسها الدكتورة رشيدة احفوظ بتاريخ 28 يونيه 2013 بالدار البيضاء


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.