علماء يحذرون من دوامات تحت المحيط تسبب ذوبانا سريعا للجليد بالقطب الجنوبي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    اكتتاب "الشركة العامة للأشغال المغربية" العام الأولي يسجّل رقما قياسيا جديدا في بورصة الدار البيضاء    أبرز أحزاب المعارضة الكولومبية يرشح مؤيدة لترامب لانتخابات 2026 الرئاسية    مسلحون يقتلون 3 أمنيين في إيران    المنتخب الوطني المغربي يخوض أول حصة تدريبية بالمعمورة استعداداً لكأس أمم أفريقيا    ال"كاف" تطلق دليل "كان المغرب 2025"    الاضطرابات الجوية.. تحذيرات وتوصيات من وزارة التجهيز لمستعملي الطريق    انسحاب الوفد المفاوض لمكتب تنمية التعاون من جلسة الحوار الاجتماعي احتجاجاً على إقصاء بعض أعضائه    النواب يصادق بالإجماع على ثلاثة مشاريع قوانين تتعلق بالعدل    أبرز عشرة أحداث شهدها العالم في العام 2025    ترامب يطالب "بي بي سي" ب10 ملايير دولار    نقاش تعويضات الوزراء بعد نهاية الخدمة.. بنكيران: سيدنا أرسل لي 100 مليون سنتيم بعد إعفائي من رئاسة الحكومة    تراجع أسعار النفط في ظل توقعات بتسجيل فائض في سنة 2026    كأس إفريقيا للأمم (المغرب 2025 ) -المجموعة ال 3.. نيجيريا وتونس المرشحان الأبرزان وتنزانيا وأوغندا لتفجير المفاجأة    "فولكسفاغن" تغلق مصنعا للإنتاج في ألمانيا لأول مرة في تاريخها    حقوقيون يحملون "الاستهتار البشري" مسؤولية أضرار فيضانات الجرف بإقليم الرشيدية    توقعات أحوال الطقس لليوم الثلاثاء    تمديد العمل بالمحلات التجارية والمطاعم والمقاهي بالرباط إلى الساعة الثانية صباحا تزامنا مع كأس إفريقيا    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    يوسف آيت أقديم يكتب: دروس آسفي.. التفكير في الكارثة المقبلة    تعليق الدراسة باقليم الجديدة واقليم سيدي بنور يوم الثلاثاء بسبب سوء الأحوال الجوية    ابتدائية الجديدة تحسم ''ملف المزاد المشبوه'' وتدين متورطين في التلاعب بالمزادات وحمل الغير على الإدلاء بتصريحات كاذبة    أخنوش: إصلاح الصفقات العمومية رافعة لتمكين المقاولات الصغرى والمتوسطة وتعزيز تنافسيتها    العثور على جثة فتاة عشرينية في ظروف مأساوية بحي المرس بطنجة    إحباط مخطط إرهابي خطير كان يستهدف لوس أنجلوس في ليلة رأس السنة    الإعلام الفرنسي يرشّح المغرب للتتويج بكأس إفريقيا 2025    أخنوش: إصلاح مناخ الأعمال يثمر إحداث 95 ألف مقاولة في 2024 و81 ألفا إلى متم شتنبر 2025    كأس العرب: نهائي بطابع مغربي خالص بين الأردن والمغرب    الأحمد .. مهاجر سوري يتصدى للإرهاب ويتحوّل إلى بطل في أستراليا    "أسود الأطلس" و"النشامى" وجهاً لوجه في نهائي تاريخي لكأس العرب    صرف مساعدات مالية لموظفي الأمن    "الأسود" يتوافدون على "المعمورة"    الصحافي الفرنسي كريستوف غليز يطعن أمام محكمة النقض بحكم الحبس الصادر بحقه في الجزائر    الرواية المغربية "في متاهات الأستاذ ف.ن." ضمن القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية 2026    أخنوش: إقرار ميثاق جديد للاستثمار هو إصلاح فارق خلال الولاية الحكومية بعد أكثر من 26 سنة من الانتظارية    تساقطات ثلجية وزخات مطرية قوية وهبات رياح قوية إلى الأربعاء بعدد من مناطق المملكة    المؤثرات الأساسية على التخييل في السينما التاريخية    تعاون عربي في إصدار أغنية «روقان» للفنان المغربي محمد الرفاعي    فاس تحتظن الدورة ال13 لأيام التواصل السينمائي    دورة ناجحة للجامعة الوطنية للأندية السينمائية بمكناس    مركب نباتي يفتح آفاق علاج "الأكزيما العصبية"    ميناء الناظور .. انخفاض الكميات المفرغة من منتجات الصيد البحري        التحكم في السكر يقلل خطر الوفاة القلبية    جدل واسع عقب اختيار محمد رمضان لإحياء حفل افتتاح كأس إفريقيا 2025    أسعار صناعات التحويل تزيد بالمغرب    ترامب يوقع أمراً تنفيذياً جديداً ينظم قواعد الذكاء الاصطناعي    عريضة توقيعات تطالب بالإفراج عن الرابور "PAUSE" وتدق ناقوس الخطر حول حرية الإبداع بالمغرب    بنسليمان تحتضن المعرض الجهوي للكتاب من 17 إلى 22 دجنبر احتفاءً بالقراءة في زمن التحول الرقمي    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    سلالة إنفلونزا جديدة تثير القلق عالميا والمغرب يرفع درجة اليقظة    المغرب: خبير صحي يحدّر من موسم قاسٍ للإنفلونزا مع انتشار متحوّر جديد عالمياً    "الأنفلونزا الخارقة".. سلالة جديدة تنتشر بسرعة في المغرب بأعراض أشد وتحذيرات صحية    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مواقف مواطن بسيط حول الحوار الوطني بشأن إصلاح منظومة العدالة 1/3
نشر في كود يوم 18 - 05 - 2012

بعد طول انتظار قارب العديد من العقود أخدت الدولة المغربية إصلاح منظومة العدالة مأخذ الجد عوض الخطابات التي تعيد انتاج نفس الصورة النمطية عن واقع العدالة بالمغرب، و قد احسن مدبري الشأن العام حين أطلقوا تسمية اصلاح منظومة العدالة عوض اصلاح منظومة القضاء، و مرد الاستحسان هو استغراق الاولى للثانية و احتواءها لها، فالقضاء جزء من منظومة العدالة ككل منظومة يندرج فيها الجانب المؤسساتي (قضاء، محامون، عدول، موثقون، نسّاخون، مفوضون ...) مع الجانب الاجرائي (نصوص قانونية، تنظيم قضائي ..) دون تجاوز الجانب الفلسفي، و اي اصلاح لهذه المنظومة المتكاملة نسقيا لا يستقيم إلا باستحضار هذه الجوانب و الحلقات التي تشكل في مجملها و تكاملها منظومة العدالة.

و اعتبارا لكون هذا الورش يتطلب مساهمة كل المهتمين بمجال العدالة، فانه كان لزاما على كل معني ان يعبر عن رأيه في هذا الامر، و باعتباري من المواطنين البسطاء المعنيين بهذا الورش الكبير ارتأيت أن اعبر عن ما يخالجني من خواطر مختلطة بآمال و اماني قوية في اصلاح منظومة العدالة بالمغرب، لتكون مساهمتي موزعة على ثلاث مداخلات الاولى لها علاقة باستقلال القضاء، و الثانية ترتبط بمبدأ المحاكمة العادلة و معاييرها، و اخر مداخلة ارتأيت ان تنصب على قواعد سير العدالة وفق ما تم التنصيص عليها دستوريا.

حول استقلال السلطة القضائية:
يكاد يتفق معي الجميع أن للقضاء دور حمائي بوصفه احدى الضمانات الاساسية لحماية حقوق الانسان و حرياته، غير ان هذا الدور الوظيفي لا يستقيم إلا بتوفر استقلاليته عن باقي السلط، و في الواقع ان مسألة استقلال القضاء قد تم تناولها بشكل عام و محتشم في الاعلان العالمي لحقوق الانسان خاصة في المادتين 8 و 9 منه، كما ان العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية قد خصصت له مادة وحيدة (المادة 14) ، غير ان هذا الاحتشام الذي جاء به المبدأ المذكور في المواثيق الدولية، قد تم تداركه مع مؤتمرين اثنين:
الاول: مؤتمر منتريال لاستقلال العدالة الذي عقد سنة 1983، و الذي اهتم فيه المشاركون ببيان ما المقصود باستقلال القضاء،
أما المؤتمر الثاني: فهو مؤتمر ميلانو الذي انعقد عام 1975، و قد نتج عن هذا المؤتمر صدور الاعلان العالمي حول استقلالية العدالة و قد تضمن الاعلان المذكور مجموع العناصر التي يفترض توافرها لقيام السلطة القضائية المستقلة في أي مجتمع، و اهم هذه المعايير وفق ما نص عليه اعلان مؤتمر ميلانو هو النص بشكل صريح على استقلال السلطة القضائية في النص الدستوري، و وجوب احترام السلطات الاخرى لهذا الاجراء دون ان ننسى شمول ولاية السلطة القضائية لجميع المسائل ذات الطابع القضائي و عدم جواز مراجعة الاحكام النهائية اضافة الى تمكين السلطة القضائية من الموارد التي تتيح لها القيام بمهامها.
و الى حدود تاريخ هذين المؤتمرين كان الضمير العالمي منصب على استقلال القضاء كسلطة، و لم ينتبه الى العنصر البشري أي القضاة إلا مع انعقاد اللجنة الفرعية الخاصة بمنع التمييز و حماية الاقليات التابعة للجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة، و الذي نتج عنه صدور الاعلان العالمي لاستقلال القضاء و الذي تم فيه لأول مرة التمييز بين استقلال القضاء كسلطة و استقلاله كأفراد، و في الشق الثاني اعتبرت الوثيقة المذكورة ان القضاة كأفراد من واجباتهم البث بصورة حيادية في المسائل المعروضة عليهم حسب تقييمهم للواقع و فهمهم للقانون دون اية قيود، او مؤثرات، او ضغوط، او تهديديات، أو تدخلات مباشرة او غير مباشرة و من اية جهة كانت و لأي سبب كان.
و عموما يمكن تركيز معايير استقلال القضاء في النقط اسفله:
استقلال القاضي عن جميع المؤثرات الخارجية،
تطبيق القانون بصفة حيادية، دون الاكتراث بمراكز المتقاضين،
التوكيد في القانون الوطني على ضمانات استقلالية القضاة و حمايتهم،
الحرص على جعل القانون اعلى سلطة و إلتزامه بمقتضيات حقوق الانسان.
و بالرجوع الى التشريع المغربي نجد ان دستور 2011 قد تضمن كلا البعدين المؤسسين لاستقلال القضاء، و ذلك حينما نص في فصله 107 أن السلطة القضائية مستقلة عن السلطتين التنفيذية و التشريعية و هو مقتضى ليس بجديد على الحياة الدستورية المغربية فقد تم التنصيص على هذا الامر مع دستور 1996 في فصله 82، و الجديد الذي يمكن ذكره هو وصف المشرع الدستوري في دستور 2011 للقضاء بالسلطة القضائية، لتبين ان المغرب قد واكب المواثيق الدولية خاصة اعلان ميلانو حين نص في الوثيقة الدستورية على استقلالية القضاء كسلطة.
أما القيمة المضافة التي اتى بها دستور 2011 في هذا الباب هي نصه بالتفصيل لمجموع المقتضيات التي يمكن ان تشكل
ضمانات لاستقلال القضاء كأفراد، و التي يمكن تركيزها في الاتي:
الفصل 108 الذي يؤكد ان قضاة الاحكام لا يعزلون و لا ينقلون الا بمقتضى القانون،

الفصل 109 الذي منع التدخل في القضايا المعروضة على القضاء، و عدم تلقي القاضي لأي تعليمات او اوامر او أن يكون تحث أي ضغط،

امكانية اللجوء الى المجلس الاعلى للسلطة القضائية كلما اعتبر ان استقلاليته مهددة تحث طائلة اعتباره خطأ جسيما من قبله،

إلزامية التطبيق العادل للقانون،

اما بالنسبة للوضعية الفردية للقضاة فامر النظر فيها و تتبعها يعود الى المجلس الاعلى للقضاء (الفصل 113)، و الذي تكون مقرراته قابلة للطعن بسبب الشطط في استعمال السلطة امام اعلى هيئة قضائية ادارية (المادة 114)، و في هذا الباب وجب التوضيح إن مصطلح الوضعية الفردية جاء على إطلاقه في نص الوثيقة الدستورية دون تقييد أو حصر وأنه بذلك يشمل جميع الحالات والأوضاع التي تعتري القاضي وهو يعمل في مساره المهني، سواء فيما تعلق بترقيته أو تأديبه أو حصوله على أجوره ومستحقاته إلى غير ذلك من الدعاوى التي يمكن أن يقيمها من أجل تسوية هاته الوضعية مما ينعكس إيجابا أو سلبا على وضعيته المادية حسب الأحوال، و هذه ضمانة اساسية منحت للقضاة عززت من استقلاليتهم،

كما ان الوثيقة الدستورية لسنة 2011 تحدثت في مادتها 116 الفقرة 4 على ان يصدر قانون تنظيمي (و هو ما هو في البناء القانوني) يحدد انتخاب و تنظيم و سير المجلس الاعلى للسلطة القضائية و كذلك المعايير المتعلقة بتدبير الوضعية المهنية للقضاة و مسطرة التأديب، و هذا مؤشر جد دال على العناية التي اولاها المشرع الدستوري لمادة الضمانات الممنوحة للقضاة،

أما اهم ملاحظة هي ما نص عليها الفصل 110 حين ألزم قضاة النيابة العامة بتطبيق القانون و الإلتزام بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي
يتبعون لها، و أهمية هذا النص تجد مستقرها في إلزام قضاة النيابة العامة بالتعليمات المكتوبة و ليست الشفوية و المشروطة بموافقتها للقانون،
إن اول ملاحظة يمكن اثارتها بهذا الشأن ان نص الوثيقة الدستورية لعام 2011 كانت جد متقدمة بالمقارنة مع ما كان ينص عليه دستور 1996 في مادة الضمانات الممنوحة للقضاة و الذي اكتفى بالحديث عنها بصيغة العموم دون تفصيل، كما ان دستور 2011 قام برفع الضمانات التي كان منصوص عليها بالقانون الاساسي للقضاة من مجرد قواعد قانونية عادية الى قواعد دستورية و هي ضمانة معتبرة قانونا، يضاف إلى هذه الملاحظة أن قواعد سير السلطة المكلفة بتتبع المسار المهني للقضاة قد اخضعت لقانون تنظيمي و هو امر سيمكن من توضيح المساطر و الاجراءات المعمول بها في هذا الباب، مما يمكّن من رفع اللبس و الغموض عن احد اهم المناطق الرمادية التي كانت تعرفها منظومة القضاء بالمغرب.
أما ثاني الملاحظات فإن المشرع الدستوري قد اعطى دفعة قوية لمبدأ استقلالية القضاء و ذلك عبر تمثله لجل معاييره وفق ما تم التنصيص عليها في المواثيق الدولية، فهل سيكون لأعضاء الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة الجرأة و الاقدام و الابداع الذي كان للمشرع الدستوري عند تنزيلهم لقواعد الدستور، أم سيتخلفون عن موعدهم مع التاريخ.
بقي ان أطرح إشكال قانوني حول اعضاء المجلس الاعلى للسلطة القضائية خاصة الفئة التي يرجع امر تعيينها الى الملك و المنصوص عليها في البند التاسع من الفصل 115 من دستور 2011، و الذي نصت على الاتي:
"يرأس الملك المجلس الاعلى للسلطة القضائية، و يتألف هذا المجلس من:
خمس شخصيات يعينها الملك، مشهود لها بالكفاءة و التجرد و النزاهة، و العطاء المتميز في سبيل استقلال القضاء و سيادة القانون، من بينهم عضو يقترحه الامين العام للمجلس الاعلى".
يتضح من خلال قراءة الفصل المذكور أن الملك يعين 5 اعضاء بالمجلس الاعلى للسلطة القضائية، و غني عن البيان ان اختصاصات الملك عند تفعيلها تتم بموجب ظهائر و هو الامر الذي نص عليه المشرع الدستوري في الفقرة الثالثة من الفصل 42 الذي اكدت ان الملك يمارس مهامه و صلاحياته المنصوص عليها صراحة في الدستور من خلال ظهائر، و الاصل ان جل الظهائر توقع بالعطف عدى ثللك الظهائر المنصوص عليها حصرا في الفصل 42، و بالرجوع الى الظهائر المستثناة من التوقيع بالعطف لا نجد ضمنها البند التاسع من الفصل 115، مما يعني انها مشمولة بالتوقيع بالعطف من قبل رئيس الحكومة، و هنا اشكال قانوني، فكيف يستقيم قانونا أن يتم التوقيع بالعطف على ظهير يهم أعضاء المجلس الاعلى للسلطة القضائية و هي سلطة مستقلة بموجب النص الدستوري عن السلطتين التشريعية و التنفيذية، من قبل رئيس السلطة التنفيذية؟ أظن انه كان على المشرع الدستوري أن يستثني الظهائر التي تتخذ في اطار البند التاسع من الفصل 115 من التوقيع بالعطف، حفاظا على مبدأ فصل السلط و استقلالها، و جعله اختصاصا اصيلا للملك بصفته ضامن لاستقلال السلطة القضائية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.