إن دراسة أي طريقة من طرق الاتصال والتلقي لا بد أن تستند إلى تحليلات تفاعلية، ومن البديهي أن يقوم ذكاء الفاعل (المرسل) بتشغيل فاعلية المفعول به (المتلقي ) من خلال الازدواج النفساني الناتج عن تشكيل وظائف المراقبة الداخلية لتفاعلية الفاعل عن طريق تحرير طاقة فاعل ثاني أو نائب فاعل من نفس المفعول به الأول، ثم تتجه طاقة الفاعل ونائب الفاعل نحو مفعول به ثاني، لو استعضنا عن هذه المتوالية القواعدية لوجدنا أن كل فكر علمي يزدوج مع فكر تقريري وفكر تفاعلي يقيني وبين فكر واعٍ لواقعة الفكر، وبين الوعي واللاوعي، وبين قطبي هذا الازدواج يشتغل فكر هو في غاية التفاعلية، والقصد من الازدواج هو تفاعل الممثل مع المشارك ومع الدور الذي يؤديه، لذا بدأ الاهتمام بدراسة فكرة التفاعل منذ أن أكد ( ويلبر لانج شرام 1948) أهمية شكل ومضمون التغذية الراجعة، والتي هي عنصر أساسي من عناصر العملية التفاعلية، وان عملية الاتصال الجماهيري وتأثيراتها التي جاءت في أول إشارة لمصطلح التفاعلي وأكد ( شرام ) على وجود محتوى ومسافة شكلية تركيبية في عملية التفاعل بين المرسل (الممثل) والمستقبل(الجمهور) بينما كانط) يرى أن الشكل هو الذي يحدد الأثر التفاعلي ويستثير الانفعال الجمالي، والذي بفضله يتم توصيل نوعين من رجع الصدى، هما رسالة من المستقبل إلى المرسل ورسالة من المستقبل الى ذاته ، باعتبار أن المسرح وسيلة من وسائل الاتصال الجماهيري. إن عملية التفاعل والتبادل مع الآخرين بقصديه تفاعلية من خلال (التغذية الراجعة، النتائج، رد الفعل لشيء ما ) يُراد الاتصال بالآخرين والتفاعل معهم، فتُستخدم الرموز الحركية والسمعية والبصرية واللمسية التي تُعَد افضل وسلة لايصال دلالة العرض الخارجية والكشف الضمني لتلك الرموز. فضلاً عن العملية التفاعلية ينبغي ان يشترك فيها كل من العرض والمتلقي في فهم كل من السلوك اذ يتفاعل الوعي ، الحركة الجسدية والنفسية والوظيفية . من خلال الجوانب الآتية: لغة الرموز وتفاعل الاشياء 1- تركيب واستعمال القواعد وعلاقتها بالرموز 2- طرائق استخدام لغة الرموز وتفعيلها لدى المتلقي 3- إن وصف تفاعلية لغة العرض التي تعني أن النظام المشترك المكون من الرموز والإشارات التي يستخدمها (المُيَسر) الذي يعرفه الباحث وسام عبد العظيم على انه اللاعب الأساسي في المسرح التفاعلي والوسيط بين الممثلين والمتفرجين فهو يشجع الجمهور ويحفزه على المشاركة في اللعبة، لتبادل وتفاعل المعاني والأفكار بين الممثل والمتلقي فالممثل المُيَسر يتفاعل من خلال المشهد المسرحي بنقل المعاني على لسان الممثل بالكلمات الملفوظة (المنطوقة) التي تعتمد على فاعلية الصوت، وغير الملفوظة غير المنطوقة التي تعتمد على استخدام الكلمات المقروءة والمكتوبة والرموز والاشارات وحركات الجسم والايماءات، وعلى المستقبل المتلقي فك الرموز او شفرات العرض، أي قراءة الأفكار، وهذه الأفكار ليست بدرجة واحدةفي التفاعل مع المعاني التي يراد إيصالها فيتحول المتلقي في المسرح التفاعلي إلى مرسل للعلامة ومستقبل ، أي (علاقة تبادلية ديالكتيكية)، وهذا لا يتم إلا باشتراكه الذهني تارة والمادي تارة أخرى في إنتاج دلالات العمل الفني الجديد. إن عملية (الاشتراك) من جهة تعطي فرصة لانتاج رسائل مستمرة، تنتج بنحوٍ مباشر من تبادل الارساليات بين المتلقي ومقدمي العمل المسرحي تاركة العمل مفتوح باتجاه تأسيس المعاني والقيم الجمالية الجديدة ، ومن جهة اخرى كسر هذا (الاشتراك) استمرارية العمل المسرحي التقليدي، والمتمثلة في خطاب جاهز لا يسمح باختراقه أو الارتجال فيه، وهذا ما يؤكده (جاك دريدا) حين عد هذه العملية بمنزلة كسر لاستمرارية أو خطية الخطاب فتعود ومن ثمَّ إلى قراءة مزدوجة ، قراءة للجزء مدركاً في علاقته بالأصل، وقراءة أخرى له وقد خلط في كل جديد ومختلف . وبناءً على هذه التصورات فبإمكان الباحث أن يتوصل إلى تقنية (الاشتراك الإرسالي) أو الإرسال المشترك بين المتلقي ومنتجو العمل الفني وبتوظيف هذه الخاصية بتقنيتها في المسرح التفاعلي، يجد أن الاشتراك الارسالي، نوعان: الأول: اشتراك ( تفاعلي) فكري ونفسي. الثاني: اشتراك ( تفاعلي) مادي قصدي. النوع الأول تكمن الصعوبة فيه بأنَّ المتلقي لا يتكيف من اللحظة الأولى مع الرسائل التي يتلقاها ولا يتآلف معها، وبذلك يكون موقفه معقداً، الأمر الذي يخلق نوعاً من التعارض الثنائي بين المألوف واللامألوف. وإنَّ هذه العملية من شأنها أن تدفع بالمتلقي إلى تفجير فعل التفكير والوعي في ضوء استقبال العلامات بصيغها البصرية والسمعية والحركية، وما تحمله من إحالات رمزية مباشرة وغير مباشرة ثم تفكيك شفراتها، والتفاعل معها، ومحاولة إيجاد العلاقات الرابطة بينها يتيح الفرصة للفهم والتأويل والارتقاء إلى امتلاك الدلالة وإنتاج المعنى، وفي معرض حديث (مايكل كيربي) عن عملية إشراك المتلقي ذهنياً في تأسيس نظام العرض الدلالي، يقول: "إننا نربط أجزاء العرض المتشظية بنسق خفي لتشكل صورة معينة، هذا النسق لا يحدث في الكيان المادي للعمل الفني، بل يحدث في عقل المتلقي"، اذ إن ما يميز العرض المسرحي التفاعلي من غيره هو ذلك الحضور الآني واللقاء والمشاركة بين الممثل والجمهور. ومن هنا تتأتى خصوصيته في تحقيق زمكانية مشتركة للتلقي بين منتجيه، وهذا يقابل مفهوم أفق التوقع الذي رسمهُ (هانز روبرت ياوس) ضمن طروحات نظرية (جمالية المتلقي) وفي حال تخييب أفق توقع المتلقي يجعله أكثر انشداداً وإثارة للتواصل مع الحدث المسرحي، إذ يؤكد (ريتشارد فورمان) في حال تحريف عنصر التلقي فذلك يؤدي الى تحريف كل عناصر العرض الأخرى، وبهذا يتم اقصاء أي تصور عقلي سابق ، لا تخلق مثل هذه العملية اهتماماً مباشراً بتحقيق تعدد المعاني والتفسيرات بل إلى تعليق فعل التفسير ذاته ومغادرته إلى فعل المشاركة، وهذا ما سعى إليه (فورمان) من أنْ يكون المتلقي مبدعاً ضمن طاقم مبدعي العرض، إذ يقول “لا توجد مشكلة في أن نبدع عرضاً مسرحياً، لكن المشكلة كيف نجعل المتلقي مبدعاً يختبر حواسه بعيداً عن خطر الاندماج في العمل أو الإثارة”. أما النوع الثاني من الاشتراك فهو (مادي قصدي)، يعني أن مشاركة المتلقي مشاركة فعلية لا تقتصر على التواصل الذهني والحسي فقط، ومنتج العرض هنا (المخرج) هو الذي يحدد القصدية إن وجدت، إذ أن وجود القصدية يتوقف على تصور المتلقي للشكل، وعلى تفاعله معه، وهكذا تتلاشى المسافة النقدية التقليدية بين (المتلقي والعرض)، فالنقد هنا لا يقوم على دراسة بناء الشكل للعمل المسرحي وإنَّما على غياب مسافته الجمالية، إذ أن عروض المسرح التفاعلي، تقرر غياب هذه المسافة في انتاجاتها، ومن ثمَّ فالعملية النقدية لا تفسر دلالة الإشكال في العمل المسرحي رجوعاً لمدللها، وإنما من علاقة المتلقي بتلك الإشكال ضمن الإطار التركيبي البنائي للعرض كله، وما يرسله المتلقي نفسه، ويؤكد هذا الطرح (ريتشارد فورمان) فيقول "إنَّ بناء العرض المسرحي التفاعلي يتألف في العمل نفسه كشيء ومن مشاركة المتلقي له شيء آخر. فالمسرح التفاعلي يعمل على استراتيجية تسعى إلى إشراك المتلقي في مناقشة واختبار كل المعاني، وإلى اقتناص الدلالات في ضوء الأحداث المطروحة في العرض. ومن الجدير بالذكر أن ظهور المسرح التفاعلي قد ارتبط بالكاتب والمخرج المسرحي البرازيلي أوجستو بوال الذي عرف باهتمامه بمسرح المضطهدين والمسرح السياسي، ويعتبر هذا النوع من المسرح مدخلاً فعالاً في توضيح بعض المجالات والأفكار وإكساب الجمهور مجموعة من المفاهيم والقيم والمهارات، عن طريق إشراكه في الفعل المسرحي، ويعتمد هذا المسرح على التلقائية وعدم الدخول في تداريب دقيقة حينما يتعلق الأمر بإشراك الجمهور كممثل وقد يمثل هذا الأخير دون اعتماد نص أو أزياء أو اكسسوارات، عكس الممثلين الرسميين في العرض المسرحي. وفي كل الحالات يصبح المشهد ساخناً درامياً إذا كان الشخص الذي اقترح الفكرة موجوداً بين المتفرجين، وما أن يبدأ الممثلون في أداء المشهد حتى يحرصوا على تطوير الفكرة، بحيث تصل إلى نقطه تصبح فيها المشكلة التي يتحدث عنها المشهد واضحة وتحتاج إلى حل فيتوقف الممثلون عن الأداء ويسألون الجمهور أن يضع حلاً لهذه المشكلة، وهنا يبدأ المتفرجون في اقتراح الحلول، ويقوم الممثلون مباشرة بارتجال مشاهد تجسد الحلول، ويصبح لدى المتفرجين الحق في إيقاف التمثيل، بواسطة الميسر أو الممهد للعمل، وتصحيح الممثلين فيما يذهبون إليه من حلول، أو فيما يستخدمون من كلمات لوصف المشكلة، وهكذا يصبح الجمهور هو (مؤلف) المشهد والممثلون يؤدون ما يؤلفه الجمهور بشكل فوري على المسرح. والعارضين في المسرح التفاعلي هم نماذج منفتحة على نفسها (بعكس طريقة ستانسلافسكي). ويستخدم هذا النوع من المسارح خطوات أساسية، تمثل أسلوبه الخاص مع ممثليه، والتي تبدأ من التمرينات وتستمر خلال العرض الاتصال مع نفسه بنفسه، الاتصال بالآخرين بدون تكوين سردي أو تشكيل عال، الاتصال بالآخرين مع تكوين سردي أو تشكيل عال، إن مشاركة المتفرجين في المسرح التفاعلي توسع من حقل ماهية العرض لان مشاركة المشاهدين تتم بدقة في النقطة حيث يهدم العرض ويصبح حدثاً اجتماعياً. بكلمة أخرى، فإن المشاركة هي متعارضة مع فكرة احتواء الذات، الاستقلالية، بداية – وسط- نهاية . وبهذه الطريقة فإن المشاركة تعني: تحويل الحدث الجمالي إلى حدث اجتماعي، أي تحويل التركيز من الفن والمحاكاة إلى محتوى حقيقي كامن أكثر صلابة لكل من في المسرح بعكس جماليات المسرح التقليدي التي تفرض احتواء – الذات والاستقلالية بقوة، وهذا يمثل إعادة إحياء مشاركة الجمهور التي كانت سائدة في العصور الوسطى. يهدف المسرح التفاعلي إذن إلى إعادة مشاركة الجمهور باعتباره قناة نهائية تجريبية للمحاولة الأولى من أجل دعمها وإعادة خلقها من خلال فتح النظام التواصلي وجعل التغذية الاسترجاعية ممكنة ومفعمة بالبهجة. وحسب ماري إلياس، فإن المسرح التفاعلي هو المسرح الذي يُطَبق على مبدأ الارتجال واللعب ويحاول أن يحافظ على مبدأ المتعة ( أي متعة الملقي) ويقلب أسس المسرح التقليدي من اجل التغيير عبر حوار مع متلقية حول موضوع محدد. بينما عرف الباحث وسام عبد العظيم على انه ( مسرح حي للتنشيط الاجتماعي ، يتيح للجمهور امكانية التواصل والتفاعل والتفكير والتعبير والمناقشة مع الممثلين وفيما بينهم بكامل الحرية وفي جميع الحالات والمواقف فهو يشجع الجمهور على مراجعة معارفهم ومواقفهم وسلوكياتهم ، ويعرض المشاكل أمامه، ويدفعه إلى مناقشتها والبحث عن حلول لها، الأمر الذي يسهم في زيادة الوعي وتطوير المهارة لدى الجمهور). لاحظ الباحث من خلال تطبيقه العملي لهذه التجربة، أن الأداء التمثيلي للطرف الأول من الرسالة، لا زال يتجه إلى الصيغ التقليدية للأداء، ويحاول بحذر وتوجس أن يطلق طاقاته الأدائية لتؤدي فعلها في هذه التجربة الفتية، فكانت المحاولات فردية لا تتسم بالشمول والوضوح في تقنياتها، ولذلك اتجه الباحث إلى دراستها، والبحث عن الأطر التنظيرية لهذه التجربة ، لكي تكسبها الصلابة والوضوح باعتبار أن المعرفة بهذا الشكل المسرحي تعد ضرورة أساسية ومهمة ، بعد ان حقق هذا المسرح نجاحاً كبيراً في أنحاء عديدة من العالم والوطن العربي. ولما اطلع الباحث على أدبيات الاختصاص وجهود الباحثين الذين سبقوه لم يجد ان هناك من تصدى لهذه المشكلة ، وهذا بحد ذلك يمثل مشكلة بحاجة ماسة الى المعالجة . ولذلك وجد ضرورة التصدي لها في دراسة علمية لكي يسعى لرسم الأطر الأدائية العلمية والعملية فيها ، سيما وان الباحث قد خاض العديد من التجارب في هذا المجال. وهكذا حاول المسرح التفاعلي في المزج بين الفعل المنظم والاجزاء الدرامية المفتوحة والتي ليست مجرد لحظات ارتجالية – يقوم فيها المؤدون بالأداء بشكل حر انطلاقاً من مجموعة الاهداف والقواعد- ولكن لحظات مفتوحة (وغير مجهز لها مسبقاً) يقوم فيها كل من بالقاعة بالتمثيل سواء فردياً، او في مجموعات صغيرة او في شكل جوقة موسيقية، وذلك للدفع بالفعل الدرامي إلى الأمام. إذ أن هذا المسرح يترك آأثارا لا يمكن نسيانها على المدى القصير، متمثله في اكتشاف الناس لأنفسهم من خلال التفاعل مع عروضه التي تعد بمثابة لحظات تعارف واكتشاف جماعي تتمحور حول قيم وإبعاد جماعية مشتركة ذات طابع إنساني وقيمي. يعمل المسرح التفاعلي على تعبئة المجتمع بصورة مباشرة من خلال فكره يعرضها أمام أعين الجميع، فتختلف المظاهر الاجتماعية والسايكلوجية، ويقوم بدفع الجمهور للبحث ذاتياً عن الحلول ، كما انه يعمل على كسر جدار الصمت المقيم حول الموضوعات الاجتماعية التي يصعب تداولها بين الناس. يستمد المسرح التفاعلي قوته وفاعليته من تجسيده المباشر للواقع بكل تشعباته وتناقضاته، فهو يعكس حالات وأوضاع إنسانية تتجلى فيها شتى أشكال الأفكار والمشاعر والمعتقدات والعادات والتقاليد، ويتم تجسيد ذلك كله من خلال آليات وتقنيات مختلفة ، كالحوار بين الممثلين او بين الممثلين والجمهور، وحركة تجسيد الجسد بإيقاعاته المتنوعة والصوت بكافة نغماته ودلالاته ، والغناء والموسيقى وكذلك الوسائل السمعية والبصرية وقد استفاد المسرح التفاعلي من البؤرة الواحدة في المسرح التقليدي وأضاف لها تعدداً في البؤر، أي أن عدد من الأحداث المتزامنة موزعة في الفضاء، بحيث ان كل حدث يتنافس مع غيره لشد الانتباه ، والحوادث تتم أمام وفوق وتحت وحول المشاركين ، وبالتالي فهم محاطون بتشكيلة من الصور المرئية والاصوات، وليس مهماً ان تكون كثافة الاحداث سميكة، ما هو مهم أن الأحداث المتفرقة تقود الى الشعور بكبر الفضاء بأغلب حجمه. ومن المهام الأساسية للمسرح التفاعلي ان ينبع من صميم مشاكل الناس، لان الناس عند رؤيتهم لمسرحية لا تعبر عن انفسهم لن يكترثوا لها ولن يتابعوها بشوق . لذا فإن عروض المسرح التفاعلي ، قد تصدت لأشياء كانت تتأرجح بين التظاهر السياسي وإلقاء الضوء على الحياة الإجتماعية ومحاكمتها وفي هذا عودة الى المسرح ودعوة الجمهور للإشتراك في بالعرض بشكل فعلي و جمهور هذا المسرح لا يشترط بالضرورة جمهوراً مسرحياً ، والمتفرج الذي يصل إلى مرحلة الجرأة والشجاعة في محاولته للتغيير سيعتاد عل التغير السيكولوجي الحاصل في ذاتهِ ويستمر في المسرح الذي تحول إليه من ذلك العلاج أو تلك الجرعة التشجيعية التي أخذها عبر ما مرَّ به من متغيرات جماعية إذ ان العلاج أمام الجميع وليس على انفراد، هو ما يجعل من الفرد في حالة تغلب على الشك عبر ما اخذ من دوافع سلوكية ، اذ يقوم بالمعالجة النفسية للذات المقهورة بالمسرح والعلاج بالتمثيل ولهذا اتخذ النشاط المسرحي سبيلاً للمعالجة النفسية وأطلق عليه السكيودراما وهو شكل من الأداء الارتجالي غير المكثف لدور أو عدة ادوار يرسمها فريق عمل ويؤديها المريض. وحسب ( باشلار) ، استطاع العاملون في المسرح التفاعلي تطبيق المنهج في التعليم والتحريض والعلاج النفسي في أماكن متعددة ولم يتقيد بالمكان التقليدي وانفتح على الشارع والمقهى والميترو والأسواق والأحياء السكنية إذ إن احد العروض التي قدمها (بوال) في مسيرته كانت في حي شعبي بسيط مجرياً بعض التمارين مع عدة ممثلات ومتناولا موضوعاً عن علاقة الرجل بالمرأة مما دعا بعض ساكنات الحي إلى التدخل تلقائياً وان تنزل أخريات بدعوة من (بوال) نفسهُ إلى الشارع ليحظين بمشاهدة أقرب وهذا ما جعل ربطاً وثيقاً بين المعروض من ناحية ومع المكان من ناحية أخرى، إن الانطباع الذي يتشكل عفوياً لدى المتفرج جراء تواجده بالمكان الذي تجري فيه أحداث العرض، يؤثر مستقبلاً في حالة مابعد التغيير الذي يتشكل لديه حيث ان المكان يعني معان عديدة، أقربها إلى ذهن المشاهد تلك البيئة المسرحية التي يشرحها المؤلف في النص حيث تعيش شخوصهُ. ومن العلامات الفارقة التي تميز مناهج المسرح ل ( ارسطو وبرخت ) وما يمكن لهذين المنهجين من تحقيقهِ مع المتفرج وما يمكن لمنهج المسرح التفاعلي من التوصل إليه مع المتلقي ففي حالة أرسطو، هي حدوث التطهير، وفي حالة برخت يصبح الهدف هو إيقاظ الوعي النقدي لدى المتفرج. أما المسرح التفاعلي فيركز على الفعل أو الحدث ذاتهُ والمتفرج في المسرح التفاعلي لا يسلم نفسهُ للشخصية الدرامية أو الممثل ليقوم بأداء الفعل أو الفكر نيابة عنهُ، وإنما العكس هو الصحيح. ويرى الباحث أن المسرح التفاعلي ما يميزه عن غيره هو دفع المتفرج إلى المشاركة الفعلية والدخول في اللعبة المسرحية، بل ويقوم على تغيير الحدث المباشر في العمل والإدلاء برأيهِ على وفق ما يراه مناسباً من فعل وقول بل هو يذهب ابعد من ذلك في انه يبحث في الحلول والمعالجات ولا يقف ساكناً مكتفياً بعرض المشكلة فقط، وهذا ما كان يفتقره المسرح التقليدي. ويبدو أن عملية ضخ المعلومات من المرسل تجاه المتلقي هو فعل يقوم بهِ فاعل واحد الا وهو المرسل بكل أشكاله أما مسألة توزيع فعل التعليم وتقسيمهُ قسمة عادلة بين المرسل والمتلقي فذلك ما يبحث فيه (باولو فرايري) ، إذ ليس هناك متلقٍ خاوٍ تماماً من أية معلومة وبهذا يستند فعل التعليم إلى فاعلين والمسرح التقليدي محكوم بصلة غير انتقالية، ففيهِ كل شيء يبث من المنصة إلى الصالة ، كل شيء مرسل محول نحو الاتجاه والعواطف والأفكار و الأخلاق ولا شيء يسير في الاتجاه الآخر. اصغر ضجة وأدنى تعجب واقل إشارة حياة يصدرها المتفرج تعادل السير في الطريق الخطأ في شارع له اتجاه واحد خطر فخشية أن يتبعثر سحر المسرح، السكون مطلوب ، وفي سياق العمل المسرحي التفاعلي تجري مجموعة من التفاعلات التي تشارك في صناعة الجو الذي يعد الرحم لولادة المتفرج المتفاعل، إن احد هذه التفاعلات هو الإجراء العلاجي للمرضى النفسيين ودراسة حالاتهم ومدى قدرة تفعيل العلاج بالمسرح التفاعلي كأحد طرق العلاج المجتمعي عبر ممارسات حياتية يومية أو معالجة لها من قبيل التدريب والتمرين هذا هو الحال مثلاً في المسرح العلاجي الذي يتراوح بين الطب العقلي والتمثيل النفساني. المداواة بالتمثيل المسرحي ممارسة طبية موجودة منذ القرن التاسع عشر وتطورت في القرن التالي مع التحليل النفساني الفرويدي، وينطلق من المسرح العفوي ونظرية فرويد بغية العلاج النفسي وإعانة الذين يعانون من الكبت أو صعوبة الاتصال والاندماج الاجتماعي. وقد يأخذ جانب العلاج الفاعل في المسرح التفاعلي مديات تساعد على النمو النفسي والحصول على جرع التشجيع عبر وسيلة عرفتها البشرية منذ قرون ومن الناحية العملية كان ما يفعلهُ (مورينو). وهو أن يجمع مجموعة من الحالات ذات الطبيعة النفسية الخاصة، ثم يظهر هؤلاء الأشخاص أصحاب تلك الحالات على الخشبة ليقدموا خبراتهم وعلاقاتهم الشخصية. فتأخذ حالة المشاركة الجماعية مكانتها والعمل للجميع وليس ثمة بطل هو المحور الذي تدور حوله جميع الشخصيات الأساسية والثانوية والجوقة وحتى الجمهور، وهو يسير ومن وراءه الجميع. ومسرح مورينو مسرحاً للجميع كما هو المسرح التفاعلي وليس مسرحاً يتوسط فيه ممثل محترف جماهير مشدوهة، تثبت أنظارها عليه، فالجميع يجب أن يشاركوا بالأداء، إذ أن الانفرادية لا تسمح بالتطوير الثقافي والمعرفي، ذلك أن النشاط التعليمي ينمو عبر الاحتكاك والمصادمة العلمية التي يتولد عنها الإبداع. ولم يعد المتفرج مأسوراً بوقت معين يحدده زمن العرض الذي أسس له تقليد متبع في غالبية العروض. وقد امتدت اشتغالات المسرح في مجمل توجهاته الحديثة إلى منعطفات والتفاتات متنوعة، ابتُكِرَتْ لتغطي الاحتياجات المتطورة للمسرح، فضلا عن استعراض القدرات التي يمكن للمسرح التفاعلي الوصول إليها، عبر مخاطبة كافة فئاة المجتمع ، حيث جاءت خلال العرض صيغ ومرتكزات جديدة قادرة على التعليم والتوجيه والمتعة والتسلية معا بإشراك الجمهور إشراكا فعليا وإنزاله إلى ميدان التمثيل، وعليه يحدد الباحث وفي ضوء ما طرحه سلفاً تقنيات (المسرح التفاعلي) على وفق الممارسات المتداخلة والمتشابكة التي تحيط بالأسلوب المحوري ل (المسرح التفاعلي)، هذه التقنيات تكون بمثابة ميزه (للعمل المسرحي التفاعلي) قوامه مستمدة من هذه التقنيات والبالغ عددها (سبعة) حسب تصنيف الباحث لها . وهي تقنية مسرح الجريدة وتقنية مسرح الصورة الرمزية ، وتقنية المسرح الخفي ، وتقنية مسرح حلقة النقاش ، وتقنية المسرح التشريعي وتقنية مسرح طيف الرغبة ، وتقنية مسرح صندوق الدنيا . كما عمد وسام عبد العظيم إلى السعي لإيجاد مجموعة من المرتكزات، خاصة بالمسرح التفاعلي تميزه عن بقية المسارح ومن هذه المرتكزات متمثلة بالجوكر ( المُيَسر ) والممثل المتفرج، والارتجال وتبادل الأدوار، أما النص في المسرح التفاعلي فهو ينقسم على قسمين، يتمحور الأول حول طرح القصة وشكل الاضطهاد وتشخيص القاهر والمقهور بأسلوب واقعي أو رمزي أو تعبيري، ولا يحبذ استخدام الأساليب التي تغيب فيها القدرة على الفعل والتأثير، كالسريالي واللامعقول، إذ يأخذ الطابع الميتافيزيقي دورهُ في ذلك، إذ أن التغيير يحصل بما هو ممكن على ما هو كائن، والقسم الثاني من النص فهو الذي يخص التغيير الذي يقترحهُ المتفرج في أثناء العرض والقيام بالفعل المقترح بنفسهِ والإمساك بزمام الأمور وقيادة الدفة على وفق ما يراه.