الحكومة تمد يدها للنقابات للعودة إلى طاولة المفاوضات والمركزيات تطالب بحوار جدي يفضي إلى اتفاق تستأنف في الشهر الجاري، جولات الحوار الاجتماعي بين الحكومة والفرقاء الاجتماعيين عقب فترة توقف طويلة، بعد أن تحدد جدول أعمال جلسات المفاوضات بين الطرفين، وفق الطلب الذي تقدمت به الحكومة إلى المركزيات النقابية لاقتراح جدول أعمال للاجتماع المقبل. ويأتي استئناف جلسات الحوار الاجتماعي في خضم تواتر الإضرابات التي تشهدها العديد من القطاعات، هذه الإضرابات التي تشل المرافق الحيوية المرتبطة بالمواطنين. وأمام ما اعتبره العديد من المركزيات النقابية المنخرطة فيه أنه وصل إلى «الباب المسدود، نظرا لافتقاده إلى منهجية واضحة ومتفق بشأنها، وعدم مأسسته». وبينما لم تقدم المركزيات النقابية أي مقترحات جديدة حول جدول الأعمال المتوقع لجلسات الحوار الاجتماعي، تكاد تجمع كل هذه النقابات أو جلها على أن الحوار بالصيغة القديمة لم يعد يجدي نفعا ما لم تقرر الحكومة مباشرة مقاربة ومنهجية جديدتين، من أجل التقدم في المفاوضات وتقديم مقترحات عملية وملموسة من شأنها الارتقاء بالتفاوض حول جميع الملفات المطلبية، وتجاوز ما يسميه البعض منها الحلول التجزيئية في التعاطي مع مطالب المركزيات النقابية. وأكد عبد الحميد فاتيحي باسم الفيدرالية الديمقراطية للشغل، أن النقابة تنتظر مقاربة ومنهجية جديدة تفضي إلى نتائج ملموسة تؤدي إلى التوافق حول اتفاق مشترك بين طرفي المفاوضات. واعتبر فاتيحي في تصريح ل»بيان اليوم» أن الفيدرالية لم تقدم أي مقترحات حول جدول الأعمال المرتقب للحوار الاجتماعي، التي طلبتها الحكومة من مختلف المركزيات النقابية. وفسر المتحدث ذاته امتناع النقابة عن تقديم اقتراحات بخصوص جدول الأعمال بأنه «ينبع من اقتناعها بوجود نقط عالقة في جدول الأعمال السابق الذي يعود لسنة 2008، والذي لم يستنفذ بعد». وشدد فاتيحي على أن مطلب الفيدرالية، والذي تتقاسمه مع المركزيات النقابية الأخرى، يتلخص في دعوة الوزير الأول إلى الإشراف الشخصي على جلسات الحوار، بجدول أعمال واقعي يتضمن نقط محددة قابلة للتطبيق، وتأخذ بعين الاعتبار حماية القدرة الشرائية للمواطنين، وتأخذ في الحسبان أيضا التطورات التي يعرفها الواقع الاجتماعي بالمغرب، في ظل تواتر الإضرابات بالعديد من القطاعات الحيوية، والعمل على وضع أجند لتنفيذ ما سيتم الاتفاق عليه. وحذر عبد الحميد فاتيحي من تنامي الحركة الاجتماعية بالمغرب، في ظل التطورات التي تعرفها بعض الدول المجاورة، وفي نفس الوقت ثمن حرص الحكومة على حماية القدرة الشرائية ودعم الاستهلاك. وقال إن أي حكومة مسؤولة ليس لها خيار سوى الانكباب على معالجة الأوضاع الاجتماعية، مبرزا اعتقاده الراسخ أن الحكومة بإعلانها إجراء التعاطي مع معضلة البطالة والاهتمام بتحسين الأوضاع الاجتماعية نابع من وعيها التام بالتطورات التي يعرفها العالم. ومن جهته شدد الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، علي لطفي، على أن الحكومة ما زالت تستخف بمؤسسة الحوار الاجتماعي، على حد قوله ب»دليل أنها لا تضعها من بين أولوياتها لتحسين الأوضاع الاجتماعية بالبلاد». وهي عادة ما تلجأ إلى الدعوة لطاولة المفاوضات عندما تدرك بوجود حركية اجتماعية في المجتمع وداخل المشهد النقابي الوطني، يضيف المتحدث نفسه. واعتبر لطفي في تصريح للجريدة أن ما دفع الحكومة إلى الدعوة إلى استئناف الحوار الاجتماعي، هو «ما تشهده المنطقة العربية والمغاربية من احتقان اجتماعي، بغية امتصاص الغضب فقط وربح الوقت». واتهم الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية الحكومة بأنها «تفتقد للإرادة السياسية في معالجة الملفات المطلبية للمركزيات النقابية». وأبرز لطفي أن الأوضاع النقابية والاجتماعية حاليا في المغرب تتميز بتصعيد غير مسبوق، وهو ما لا تأخذه الحكومة بعين الاعتبار. وقال «لا ننتظر شيئا كثيرا من جلسات الحوار الاجتماعي ما دامت الحكومة مصرة على اعتماد نفقس المنهجية السابقة ولجوئها إلى ما أسماه «المقاربة التجزيئية للملفات المطلبية، وعدم انكبابها على الملفات ذات الأولوية». وهو ما يزيد من تعميق الاختلالات وخصوصا تفشي الفوارق الاجتماعية والأجرية بين مختلف الفئات. وفي جوابه على دعوة الحكومة إلى اقتراح جدول أعمال للجلسة المقبلة، دعا الاتحاد المغربي للشغل في بلاغ له، إلى «إحداث لجنة مشتركة برئاسة الوزير الأول، تجتمع عند انطلاق جولة الحوار للاتفاق حول جدول الأعمال، وعند نهاية الجولة، من أجل وضع خلاصات وتوقيع محضر اتفاق إن اقتضى الحال». وشدد الاتحاد المغربي للشغل على ضرورة «تحديد جدولة زمنية لاستيفاء جميع النقط المسجلة في جدول الأعمال، مع تحديد سقف زمني لكل جدولة واعتماد الحوار الثلاثي بالقطاع الخاص، والثنائي بالقطاع العام، في إطار لجنتين»، على أن تكون «الأولى خاصة بالقطاع العام، ويترأسها الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بتحديث القطاعات العامة، وتتعلق اللجنة الثانية بالقطاع الخاص ويترأسها وزير التشغيل». وطالب الاتحاد المغربي للشغل بتوجيه مذكرة من طرف الوزير الأول إلى كافة الوزراء، لفتح حوارات قطاعية على مستوى الوزارات، وكذلك المؤسسات العمومية التابعة لها، ورفع تقارير للوزارة الأولى عن نتائج هذه الحوارات، والإجراءات العملية المتخذة لتنفيذ الاتفاقات المبرمة». وبتزامن مع استئناف المفاوضات بين الحكومة والفرقاء الاجتماعيين، أعلنت العديد من النقابات خوضها لإضرابات في جل القطاعات تقريبا خلال شهر فبراير الجاري، بدءا من قطاع العدل إلى قطاع الصحة مرورا بقطاع التعليم والبريد والجماعات المحلية، في خطوة تصعيدية بعد المذكرة التي رفعتها بعض المركزيات إلى الوزير الأول تدعوه فيها على ضرورة الخروج بحلول عملية تستجيب لجميع النقط الوارد في ملفاتها المطلبية منذ 2008.