ما شهدته مصر في الأيام الماضية وبلغ ذروته أمس ليس حدثا مقتصرا على مصر وحدها. سبقته أحداث تحولت ثورة في تونس. واكبته تظاهرات في اليمن والأردن. واضح أننا أمام ارتجاجات لا تقتصر على مكان بعينه. ربما كانت دول المنطقة تدفع فاتورة تأخر حكوماتها في اتخاذ قرارات صعبة في السنوات الماضية. قرارات جريئة في ميدان الإصلاح السياسي والاقتصادي. قرارات بالإصغاء إلى الناس بدلا من المسارعة إلى اتهامهم. قرارات بفتح النافذة قليلا حتى ولو حمل ذلك خطر تسرب الرياح. لم تتنبه الحكومات إلى أن تسرب الرياح يبقى أفضل من توفير الظروف لاندلاع عواصف واسعة. لم تتعلم دول المنطقة مما شهدته مناطق أخرى في العالم. لم تدرك أن معالجة الهزات الصغيرة أفضل من التحصن وانتظار الزلزال. اخطر ما يمكن أن يحصل هو استحكام القطيعة بين الحكومة والناس أو قسم كبير منهم. أن يشعر المواطن العادي بانسداد الأفق. وان الحوار غائب. ولا جدوى منه إن حصل. وان صوته لا يصل. ورسائله تبقى بلا رد. أخطر ما يمكن أن يحدث هو غياب الأمل. وغياب النوافذ. أن يشعر الشاب أن الإجازة الجامعية مجرد بطاقة عضوية في نادي العاطلين عن العمل. وان المسكن اللائق حلم بعيد المنال. وان الأشياء جامدة لا تتغير. وان تبديل الحكومات لا يعنيه. وان الانتخابات التشريعية تفاقم القطيعة بدل إنهائها. وان المشاركة متعذرة. وانه مهمش. وان الحديث عن مكافحة الفساد هو مجرد أسلوب لامتصاص النقمة. وان ذهاب فاسد يعطي الفرصة لحلول فاسد جديد. اخطر ما يمكن أن يحدث هو أن يقرر المواطن عدم التصديق. أي أن لا يصدق التلفزيون الرسمي والصحف الرسمية. وان يبتسم إذا تحدث وزير الإعلام. وان يقطب وجهه إذا تحدث وزير الداخلية. وان يصل به التشكيك إلى عدم تصديق أرقام خطة التنمية. وعدد السياح. وحجم الاستثمارات الخارجية. وخطط محو الأمية. ونتائج الانتخابات البلدية والتشريعية. ونتائج الشهادة الثانوية وحتى فحوص الدم. إنها أزمة ثقة عميقة. شعور عميق بالإحباط. مشاعر غضب تتحين فرصة التعبير عن نفسها. وفي غياب المؤسسات التي يمكن أن تشرك المواطن في التعبير عن رأيه. وتشركه في تغيير واقعه. يصبح الشارع هو الخيار. وهو في بلداننا خيار محفوف بالأمل مرة ومحفوف بالأخطار مرة أخرى. وبعض الممارسات التي رافقت الاحتجاجات في مصر تثير القلق من احتمال الانتقال من حلم التغيير إلى خطر الوقوع في الفوضى. لم نكتشف هذه المشاعر البارحة أو في الأيام الأخيرة. يستطيع الصحافي العربي أن يشم رائحة التوتر في عواصم عربية كثيرة على رغم اختلاف الظروف. وهذه المشاعر ليست جديدة. لكن العالم القديم لم يكن يسمح بانتشارها. كان الإعلام حكوميا بالكامل. كان باستطاعة الأنظمة إغلاق بلدانها. ومعالجة الاحتجاجات بإخفائها وإنزال العقاب الصارم بمرتكبيها. الجديد هو أن العالم تغير. اغتالت ثورة الاتصالات قدرة الحكومات على الحجب والحظر والقمع. أشعرت ملايين الشبان بقدرتهم على رفع صوتهم وتغيير الواقع الذين يشكون منه. يمكن القول إن معظم الحكومات العربية تأخرت في قراءة التحولات التي عصفت بالعالم قبل نحو عقدين. اعتبرت انهيار جدار برلين حدثا بعيدا. وانتحار الاتحاد السوفياتي حدثا بعيدا. لم تلتفت إلى هزيمة نموذج وقاموس. أساءت أيضا تقدير آثار دخول الفضائيات إلى المنازل العربية. وانضمام الملايين إلى جيش مستخدي الانترنيت ووسائل الاتصالات الحديثة. أساءت أيضا قراءة يقظة مشاعر الشباب وشعورهم بحقهم في المطالبة بالخبز والحرية والكرامة. لا خيار غير الإصغاء إلى الناس. يمكن للإجراءات الأمنية أن تمنع الانزلاق نحو الفوضى. لكنها لا تكفي لاستعادة الاستقرار. تحتاج حماية الاستقرار إلى قرارات جريئة تنهي القطيعة مع الجمهور. قرارات تعيد فتح نوافذ الحوار والأمل. إن خروج مصر من وضعها الحالي ضرورة مصرية وعربية.