لا أريد أن أغضب صديقاتي وأصدقائي من أصحاب ومدراء القاعات الفنية، ولكنني مضطر إلى أن أخبرهم أن هناك واحدا منهم فقط يقوم بالبحث عن الفنانين والاتصال بمَن يراه مناسبا لمزاجه وذائقته الجمالية والاهتمام به من أجل تنظيم عروض فنية له. هذا ما يقوم به مدراء القاعات حول العالم، تقليد استطاع من خلاله فنانون مميزون أن يخترقوا المسافة التي تفصل بين صمتهم وشهرتهم. الدور الذي يلعبه صاحب القاعة وهو يفتش عن المواهب الحقيقة يساهم في طمأنة الفنانين إلى أن ثقتهم بالفن تجد صداها لدى الآخر، سيكون في إمكانه أن يروّج لتلك الثقة بين الجمهور. ويظل الفنانون في حاجة إلى وسيط من أجل أن تصل أعمالهم إلى الجمهور، ذلك الوسيط هو مدير القاعة الذي كان ينتظر، لدينا، أن يطرق الفنان بابه ليسمح له بالدخول إلى قاعته. وحده اللبناني صالح بركات كان ولا يزال الاستثناء، لقد دأب الرجل منذ عشرين سنة على أن يطرق أبواب الفنانين، يفاجئهم في محترفاتهم ويحمل أعمالهم وينظم لهم معارض، لم يكن أحد منهم يحلم بها. بركات الذي يقوم بواجبه يظل استثناء في محيط ضربه الكسل، كان التونسي رضا العموري قد فعل الشيء نفسه قبل سنوات. الآن لا يملك معظم مدراء القاعات الرغبة في القيام بعمل طليعي من ذلك النوع، إنهم يعملون على تلبية طلبات ذلك المتلقي بذائقته التقليدية. وهو ما جعلهم يستريحون إلى كسلهم، إنهم كسالى لا يبحثون عن الجديد، لذلك فإنهم يروّجون لما يعرفون أنه رائج في السوق، وهم في ذلك لا يصنعون سوقا، بل يستسلمون لسوق يصنعون من خلالها أرباحهم. بركات وحده يغامر في صناعة سوق، يعرف أنه لن يخسر فيها، إنه سيدها مادام يثق بالفن، عن طريق ذلك السلوك النبيل تمكّن بركات من أن يكون منسّق معارض فريدا من نوعه في العالم العربي، لقد وضع الرجل خبرته في خدمة فنانين، يثق بمستقبلهم وليس برواج أعمالهم في السوق.