يشهد لبنان من شماله إلى جنوبه احتجاجات واسعة لمناصري الزعيم السني سعد الحريري بعدما برز أول أمس الاثنين اسم رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي كالمرشح الأوفر حظا إلى رئاسة الحكومة بدعم من حزب الله الشيعي وحلفائه. ويتهم أنصار الحريري حزب الله بفرض ميقاتي من خلال ترهيب عدد من النواب لحملهم على التصويت له, بهدف الإطاحة بسعد الحريري, الشخصية السنية الأكثر شعبية في لبنان, من رئاسة الحكومة.وما إن اتضح, نتيجة الاستشارات النيابية التي بدأها رئيس الجمهورية ميشال سليمان أول أمس لتسمية رئيس حكومة, أن الحريري قد لا يعود إلى رئاسة الحكومة المخصصة في لبنان للطائفة السنية, حتى بدأت تجمعات شعبية وحركات احتجاجية في عدد من مناطق لبنان من الشمال وصولا إلى بيروتوالجنوب والبقاع (شرق) تخللها قطع طرق وإطلاق هتافات منددة بحزب الله ورافضة لميقاتي. وعقد تيار المستقبل الذي يقوده الحريري-فرع الشمال مؤتمرا صحافيا دعا فيه إلى «احتجاجات مفتوحة» حتى «إعادة الحق لأصحابه». وأعلن النائب محمد كبارة المنتمي إلى تيار المستقبل عن «يوم غضب عام في كل لبنان الثلاثاء استنكارا لما يقوم به الآخرون من تدخل في شؤون لبنان وشؤون اللبنانيين السنة». وقال عضو المكتب السياسي في التيار ومسؤول منطقة الشمال مصطفى علوش إن «الانقلاب الذي يقوم به حزب الله محاولة لوضع رئاسة الوزراء تحت وصاية ولاية الفقيه». واعتبر أن «الانقلاب يهدف إلى جعل حزب الله وصيا على الجمهورية اللبنانية وعلى رئاستها وبالأخص على رئاسة الوزراء». وأعلن علوش أن «التحركات الشعبية السلمية التي يكفلها القانون من تظاهر وإضراب واحتجاجات أصبحت مفتوحة إلى حين عودة القرار إلى أصحابه». ولا تزال حركة الاحتجاج مستمرة منذ ساعات, وان تراجعت وتيرتها بعض الشيء. وكانت بدأت بعد الظهر بتجمعات شعبية في طرابلس (شمال) ذات الغالبية السنية وصيدا (جنوب), مسقط رأس سعد الحريري. وقامت مجموعات من الأشخاص بقطع طرق عديدة في مناطق مختلفة كانت القوى الأمنية تعاود فتحها, وبعضها يقطع مجددا. ويهتف المحتجون بعبارات ضد الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله, وأخرى تأييدا للحريري. على طريق الجية (جنوببيروت), قال مراسل فرانس برس إن عددا من المحتجين قاموا بطلاء جدران على جانبي الطريق بعبارات «وليد جنبلاط خائن وعميل», في إشارة إلى الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي انتقل مع ستة من نواب كتلته من موقع وسطي إلى صف حزب الله, ما ساعد في ترجيح كفة ميقاتي. وتجمع مساء حوالي مئة شخص في وسط بيروت قرب ضريح رفيق الحريري, والد سعد الحريري الذي قتل في عملية تفجير في 14 فبراير 2005, رافعين لافتات تندد بحزب الله, بينها «لا لحكم حزب الله», و»الباسدران (الحرس الثوري الإيراني) غير مرحب بهم». واصدر الجيش اللبناني بيانا أشار فيه إلى أن «عددا من المواطنين أقدموا على قطع بعض الطرق (...) احتجاجا على سير الاستحقاق الحكومي». وحذر «أيا كان من العبث بأمن المواطنين», داعيا «المسؤولين كافة للارتقاء إلى مستوى المسؤولية الوطنية التي تتطلبها هذه المرحلة». وشدد تيار المستقبل على «أن ما يحصل هو عبارة عن تحركات شعبية عفوية وليست منظمة على الإطلاق», مؤكدا التزامه الدستور والقوانين المرعية الإجراء. واصدر المكتب الإعلامي لميقاتي بيانا من جهته «أهاب بالمناصرين عدم الانجرار وراء انفعالات قد تسيء إلى الاستقرار العام». وكان ميقاتي قدم نفسه على أنه «مرشح الوفاق والاعتدال», إلا أن قوى 14 آذار (الحريري وحلفاؤه) رفضت ترشيحه, معتبرة أن هذا الترشيح منسق مع قوى 8 آذار ويشكل «طعنة» للأكثرية السنية. وأعلنت قوى 8 آذار (حزب الله وحلفاؤه) في الاستشارات النيابية دعم النائب نجيب ميقاتي الذي وصل إلى البرلمان في الانتخابات الأخيرة في صيف 2009 على لائحة مدعومة من الحريري. وأقفلت الاستشارات أول أمس على 59 صوتا أعطيت لميقاتي مقابل 48 للحريري, ويتوقع أن يتجاوز عدد مؤيدي ميقاتي مع انتهاء الاستشارات يوم أمس، ال 65 من 128 نائبا يشكلون أعضاء البرلمان. وسيؤدي انتقال سبعة نواب على رأسهم جنبلاط, إلى صفوف 8 آذار وخروج ميقاتي الذي يحتمل أن يجر معه نوابا آخرين منها, إلى فقدان قوى 14 آذار الأكثرية النيابية. وكان ميقاتي أعلن بعد اجتماعه مع سليمان انه يترشح «في هذا الوقت المأزوم في إطار مشروع إنقاذي للبلد». وقال «حان الوقت لان نكون جميعا يدا واحدة من دون استثناء», مؤكدا أن «التوافق يكون بالأداء», وأنه سيرد «بالأعمال إذا تم تكليفي». وتابع بلهجة الواثق بالفوز «أمد يدي الجميع. انأ لمصلحة لبنان مع كل اللبنانيين من دون استثناء دون إقصاء أحد. وأقول للرئيس سعد الحريري كلنا يد واحدة في سبيل لبنان». إلا أن الحريري كان قد أعلن قبل بدء الاستشارات أنه لن يشارك في أي حكومة يترأسها مرشح لقوى 8 آذار. وقال في بيان صدر عن مكتبه الإعلامي إن «تيار المستقبل» الذي يترأسه «يعلن من الآن رفض المشاركة في أي حكومة يترأسها مرشح الثامن من آذار», مؤكدا أن «أي كلام عن وجود مرشح توافقي هو محاولة لذر الرماد في العيون». وفي موقف للإدارة الأميركية من التطورات في لبنان, حذرت واشنطن من تداعيات تعاظم دور حزب الله الذي ستكون له انعكاسات على العلاقات بين الولاياتالمتحدة ولبنان. وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية فيليب كراولي «كلما تعاظم الدور الذي يقوم به حزب الله في هذه الحكومة كلما ازدادت إشكالية علاقاتنا» من دون أن يتوسع في التعليق مفضلا انتظار تشكيل الحكومة. وتابع المتحدث الأميركي «نواصل الإعراب عن الرغبة في رؤية حكومة تخدم مصالح اللبنانيين بدلا من أن تخدم مصالح دول أخرى». وتأتي عملية تشكيل حكومة جديدة في لبنان بعد سقوط حكومة الوحدة الوطنية برئاسة سعد الحريري في 12 يناير نتيجة استقالة احد عشر وزيرا بينهم عشرة يمثلون حزب الله وحلفاءه. وتفاقمت الأزمة التي بدأت في الصيف الماضي بسبب الخلاف على المحكمة الدولية المكلفة النظر في اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري, والد سعد الحريري, الذي يتوقع أن توجه الاتهام في الجريمة إلى حزب الله. ومارس الحزب ضغوطا كبيرة على سعد الحريري للتنصل من المحكمة من دون أن يلقى تجاوبا.