المرضى يدفعون ثمن عدم تسوية الخلافات بين أطراف التأمين من خلال ارتسامات عدد من المرضى المنخرطين في نظام التأمين الإجباري على المرض، يبدو أن حق الاستفادة من التغطية الصحية المتعلقة بهذا النظام ما زالت تعوقه عدة مشاكل وتعترضه عراقيل من شأنها أن تضرب من مصداقيته وتحد من فعاليته في منح تغطية صحية حقيقية للمأجورين. فالعديد من المنخرطين في هذا النظام يندهشون من هزالة التعويضات التي يتوصلون بها عن مصاريف الاستشفاء والعلاجات والأدوية. وسبب الاندهاش هو الفارق الكبير الموجود مابين مبلغ المصاريف الفعلية والمبلغ الذي يتوصلون به كتغطية لتلك المصاريف. حيث لا تتجاوز نسبة التغطية، في حالات عديدة، ما بين 15 إلى30 في المائة مقابل النسبة المعلنة من لدن مدبري نظام التغطية الصحية الأساسية والتي تتراوح ما بين 70 و90 في المائة. ويعود سبب ذلك، حسب أطباء، إلى كون الأساس الذي يتم وفقه احتساب التعويض عن مصاريف العلاجات والأدوية مازال يطرح مشاكل وخلافات بين الأطراف المتدخلة في نظام التأمين الإجباري على المرض. وقد ظلت هذه المشاكل عالقة منذ انطلاقة هذا النظام حيث لم يحسم في الأسعار المرجعية التي على أساسها يتم احتساب التعويضات ومشكل تعريف سلة العلاجات والأدوية القابلة للتعويض. هذه الخلافات زادت حدة إثر انسحاب نقابات طبية من نظام التغطية الصحية هذا، وتجميد انخراط عدد من المصحات فيه كإجراء عقابي من قبل الوكالة الوطنية للتأمين الإجباري على المرض، وهو ما أدى إلى عدم تمكن المرضى من الحصول على ملفات التحمل خاصة أولئك المقبلين على إجراء عمليات جراحية. ورغم أن الوكالة الوطنية للتأمين الإجباري عن المرض حددت التعرفة المرجعية في 80 درهما بالنسبة للطب العام و150 درهم بالنسبة للطب الاختصاصي، فأغلبية الأطباء لا يعملون بهذه التسعيرة. ويستفاد من تصريح لرئيس تنسيقية هيئات أطباء القطاع الخاص، محمد الناصري بناني لبيان اليوم أن «الأطباء انخرطوا في البداية في هذه الاتفاقية، واحترموا قاعدة العمل بتسعيرة 80 درهما في القطاع العام و150 درهم بالنسبة للقطاع الخاص، وتسعيرة 22.5 درهما فيما يخص وحدات الجراحات، رغم أن هذه التسعيرات منخفضة تماما عما هو معمول به في الواقع حيث تعادل التسعيرة العادية 250 درهما في حال الاستشفاء عند الخواص و120 درهما في القطاع العمومي، كما تكلف وحدات الجراحات 30 درهما على الأقل». وأوضح بناني أن «هذا الأمر كان مفروضا ألا يتجاوز العمل به سنة واحدة كمرحلة مؤقتة لتشجيع سياسة تعميم نظام التغطية الصحية ليتم مراجعة تلك التسعيرات فيما بعد». وثمة نقطة أخرى خلافية تتعلق بنوعية الدواء الذي يصفه الأطباء. ففيما تحث الوكالة على ضرورة وصف الأدوية الجنيسة لانخفاض ثمنها، يصر أغلبية الأطباء على وصف الأدوية الأصلية وهي مرتفعة الثمن ولا يتم التعويض على أساسها. في هذا الإطار تصر هيئتا تدبير التأمين الإجباري على المرض على احتساب التعويض على أساس الدواء الجنيس إن وجد «خاصة وأن لائحة الأدوية القابلة للتعويض بلغت 70 في المائة من الأدوية الموجودة في السوق»، حسب بلاغ للصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي. هذا البلاغ الصادر مؤخرا عن اجتماع المجلس الإداري للصندوق، أشار إلى أن مدير «الكنوبس» عرض تقييما لتجربة اعتماد الدواء الجنيس في الصيدلية التابعة للصندوق، حيث بينت النتائج أن هذا الأخير اقتصد حوالي 13 مليون درهما في غضون ستة أشهر, كما أن سعر بعض الأدوية انخفض إلى 70 في المائة. يأتي هذا في الوقت الذي أعلن فيه سعد أكومي رئيس فدرالية أطباء القطاع الحر الاختصاصيين، أن «الأطباء الاختصاصيين لن يعملوا سوى بالتعرفة التي يرونها ملائمة لهم دون أي اعتبار لما تنص عليه الاتفاقية مع أطراف التأمين الإجباري على المرض». أكومي برر هذا القرار في تصريح سابق لبيان اليوم بكون «الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي قاد عملية دفع المفاوضات الجارية منذ يناير 2010 بخصوص مراجعة الاتفاقية الموقعة بين أطراف التأمين الصحي الإجباري إلى الباب المسدود». وقال إن إدارة الصندوق تذهب إلى حد «رفض المقترحات التي لا تكلف شيئا من ميزانية التسيير بالصندوق». كما أن «الكنوبس» يعتبر أن «وصف الأدوية الجنيسة يعد أولوية غير قابلة للنقاش»، وهو ما لا يقبله الأطباء الذين يعتبرون تقييدهم بلائحة محدودة للأدوية تدخلا في استقلالية العمل الطبي التي ينص عليها قانون ضوابط الممارسة الطبية. وإضافة إلى الانسحابات، خرجت عدد من المصحات من نظام التغطية الصحية الإجبارية كإجراء عقابي على عدم التقيد ببنود الاتفاقية التي تجمعها بالوكالة الوطنية للتأمين الإجباري على المرض. وتتهم هيئتا تدبير نظام التغطية الصحية هذه المصحات «بتضخيم مصاريف العلاج والاستشفاءات».كما تتهم بعض مقدمي العلاجات «بممارسة أنواع من الابتزاز والتلاعب في إعداد ملفات طلب التحمل من التعاضدية عبر مطالبة المرضى بالتسديد الفوري والمقدم لمبالغ مالية تعتبر خيالية». غير أن هذا لا يقتصر على المصحات الخاصة. فاستنادا إلى مصدر نقابي فإن «ما تمارسه المصحات التابعة لبعض المصالح الاجتماعية لبعض المؤسسات العمومية والشبه عمومية أو المصحات الموجودة تحت اسم «مؤسسات لا تسعى إلى تحقيق الربح»، تستعمل مبرر تقديم خدمات اجتماعية لهذه الفئة أو تلك من المواطنين، كوسيلة للاستفادة من الإعفاءات الضريبية وغطاء لتبذير أموال الصناديق الممولة من طرف المنخرطين، إما عبر الزيادة الغير مبررة في أيام الاستشفاء، أو المغالاة في بعض الفحوصات والتحاليل بدون مبرر علمي». كل هذا أدى بإدارة «الكنوبس» إلى اتخاذ قرار «بالعمل في 2011 بالتصفية المدققة للخدمات والتي ستمكن من التحكم في نفقات الأدوية ومحاربة حالات الغش في ملفات المرض». كما قررت «رقمنة ملفات التسجيل ووضع وتطوير تدبير المخاطر المرتبطة بالغش والتحكم الطبي في نفقة العلاجات وتنظيم حملات الوقاية وإحداث مركز اتصال لفائدة المؤمنين ومنتجي العلاجات». ومن خلال هذه الاتهامات والاتهامات المضادة وعد التفاهم حول قاعدة لتسوية الخلافات يبدو أن نظام التأمين الإجباري على المرض مازال مشروعا لم يتحقق وأن تمكين المنخرطين فيه من تغطية صحية ملائمة تتماشى مع قدراتهم الشرائية الضعيفة مازال أمرا بعيد المنال.