حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تبرير التراجع في السياسة الفرنسية بخصوص تنحي رئيس النظام السوري بشار الأسد والحوار معه، إذ قال إنه "لا مفر من الحوار مع الأسد" مستدركاً، "رغم ذلك، فإنه لا يغير حقيقة ارتكابه فظاعات، ولن يفلت من شعبه أو من القانون الدولي". وتناول ماكرون، في مقابلته التي أجراها مع القناة الثانية الفرنسية وبثت مساء أول من أمس السبت، قضايا تخص الداخل الفرنسي والإصلاحات "التي تتوالى دونما خوف من معارضة برلمانية" على حد تعبيره. وعرج الرئيس الفرنسي على انهيارات تنظيم "داعش"، ومؤتمر المناخ المصغر الذي أجراه مؤخرا، الذي سرق الأضواء من "كوب 23" الألماني. ولم يتوقف الرئيس عن إطراء أداء حكومته، من دون أن يفوته لدغ سابقيه أو إظهار تميزه عنهم. وقال إن كل الإصلاحات التي أعلن عنها أقرّت في وقتها، وهو ما يعني أن سبعة أشهر من الحكم لم تشهد أي تراجع عن وعد من وعوده الانتخابية ومن برنامجه. وخصّ بالذكر قانون العمل الذي تجنبته فرنسا خلال عشرين سنة، وطلب من الفرنسيين انتظار نتائجه في السنوات الخمس المقبلة. ولأن الرئيس الفرنسي يراهن على الخارج، فقد حرص على التذكير ب"عودة صوت فرنسا للعالم"، فوعد الفرنسيين بأن "الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي ستنتهي قريبا، من الآن إلى منتصف فبراير/شباط 2018). ولم يفت الرئيس أن يكرر ما قاله من قبل، وهو ما يجعله يختلف عن مواقف الرئيسين السابقين، ساركوزي وهولاند، بخصوص الأسد. فقد أشار إلى أنه لا مفر من الحوار مع الأسد "لأنه سيكون هنا. وحضوره عائدٌ إلى من حموه، من الذين ربحوا الحرب، سواء تعلق الأمر بإيران أو روسيا. لا يمكن القول إننا لا نريد التحدث إليه أو إلى ممثليه". لكن موقف التفاوض مع الأسد لن يغير حقيقة أن "الرئيس السوري متهم بارتكاب فظاعات، ولن يفلت من شعبه ومن القانون الدولي". وفي ما يخص مسألة المناخ، اعترف ماكرون أنه لم يكن منذ عقود، "ناشطاً في المناخ، ولكنه التقى بأناس استطاعوا إقناعه بذلك". ووعد بالحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وبخصوص المحطات النووية، وعد الرئيس الفرنسي بإغلاقها لكن بشكل تدريجي، وليس قبل توفير طاقات بديلة كافية تستطيع تعويض اعتماد فرنسا في الكهرباء على نحو 75 في المائة من استهلاكها. وعاد الرئيس الفرنسي للحديث عن انتخابه من قبل الفرنسيين، فاعتبر أن الأمر "أذهل أوروبا والعالم"، أي انتخاب "رئيس في التاسعة والثلاثين من عمره، والذي لم ينضمّ لأي حزب سياسي، ولم يكن يعرفه أحد، والذي خرج من مكان لم يتوقعه أحد". ثم منح نفسه شهادة رضاء ذاتي، فقال: "أنا أفعل ما قلته. هذا يثير الدهشة وربما يزعج آخرين. ربما هذا الأمر لم يحدث منذ فترة طويلة". يعترف ماكرون بأنه لا يكترث للأصوات المنتقدة لقراراته، ويُشهر في وجهها سلاحَ برنامجه الانتخابي والوعد الذي قطعه على نفسه أمام الذين صوّتوا له. ولهذا انتقل بعد إقرار إصلاحاته القاسية في العمل إلى مجال المهاجرين واللجوء. وعلى الرغم من أن قانون "الهجرة واللجوء" سيرى النور في بداية السنة 2018، إلا أن الحكومة الفرنسية لم تنتظر صدوره. فقد أصدرت، بموافقة ماكرون، مراسيم للتسريع في ترحيل أعداد كبيرة من المهاجرين وطالبي اللجوء. ووصلت عملية المطاردة شكلاً غير مسبوق في فرنسا، حيث سمحت لقوات الأمن بانتهاك مراكز إيوائهم التي تشرف عليها الشؤون الاجتماعية، لتفتيش المهاجرين، بغرض ترحيلهم. وقد أثار إرساء هذه "المراقبة والتفتيش المعمم على الأجانب في الأماكن العمومية"، غضب تحالف عريض من الجمعيات الحقوقية والإغاثية، فقامت بمراسلة "المدافع عن الحقوق"، جاك توبون، الذي كشف عن مراسلات له مع وزير الداخلية، جيرار كولومب، ظلت من دون رد. وتساءل توبون عن إمكانية لجوء هؤلاء الأشخاص الذين يتم إبعادهم من أماكن الإيواء، إلى القضاء. ورأى أن "مسألة حق هؤلاء في الطعن هي مسألة جوهرية". وحذّر توبون من أن "بعض الإجراءات التي تم إقرارها اليوم يمكن أن تسقط تحت طائلة الإدانة من قبل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان"، لكن توبون، الذي انتقد التصرفات الحكومية، لا يُنصَت إليه بشكل دائم. وكيف يمكن أن تُتَّبَع توصياته إذا علمنا أن الرئيس ماكرون، تلميذ بول ريكور، الذي تحدث في حملته الانتخابية عن اللاجئين بتعاطف كبير: "شرف فرنسا في استقبال اللاجئين"، أصبح، الآن، يتماهى مع مواقف وزير الداخلية جيرار كولومب، المعروف بتشدده تجاه المهاجرين واللاجئين، وهو تشدد يحظى، من حين لآخر، بمدائح اليمين.