للحديث عن تجربة البيان، يجب التطرق لها من وجهة نظري على ثلاث مراحل: 1. مرحلة التأسيس (1972-1980) أول مساهمة نشرتها كانت عبارة عن قصة قصيرة بعنوان «ميلاد ثائر»…. وقد هداني لوجود هذه الجريدة السيد إدهمو، أستاذ اللغة العربية بثانوية محمد الخامس سنة 1972 وكنت أوقع كل ما أكتب باسم مستعار هو «حميد محمد» وسني لا يتجاوز 17 عاما… وأتبعتها بمقالات عن بعض مشاكل الشباب آنذاك وبعض القضايا الدولية مثل انقلاب بينوشي في الشيلي بتاريخ 11 شتنبر 1973 حيث حررت نداء تضامنيا مع سالفادور الليندي الرئيس الشرعي المنتخب ديمقراطيا ووقع على هذا النداء مجموعة كبيرة من سكان درب الكبير – لعفو (درب السلطان) وسيدي الخدير (الحي الحسني) بالدارالبيضاء… في شهر دجنبر من نهاية سنة 1973 توصلت برسالة خطية عبر البريد من الأستاذ علي يعته يهنئني فيها على مساهماتي في الجريدة بنسختيها العربية والفرنسية ويدعوني لمقابلته بمقر إدارة الجريدة… وفعلا انتقلت إلى مكتبه بزنقة ليدرو رولان (6 نونبر حاليا). استقبلني في البداية بمكتبه في نهاية البهو على اليمين الشاعر أحمد هناوي الذي كان بمثابة رئيس التحرير (ورئيس جمعية رواد القلم) قبل أن يستقبلني السيد علي يعته بمكتبه عند مدخل المقر على اليسار وكان مقر الجريدة صغيرا ولا يتجاوز عدد المكاتب (أو الغرف) الستة بما فيها مكتب المدير المزين بلوحة تجمع ماركس وانجلز ولينين… لقد بدا لي السيد علي يعته مفاجأ من خلال نظراته الأولى لي وهو ما سيؤكده لي بالفعل سنوات فيما بعد حين أصبحت علاقتنا أكثر تلقائية، تفاجأ بهندامي الفوضوي والدجين وشعري الغيواني الطويل وسألني بصوت هادئ مصحوب بابتسامة لطيفة جدا عن سني كما ألح ممازحا على معرفة إن كنت فعلا أنا هو «حميد محمد»… وبعد ملاحظته لحماسي، حدثني عن موضوع سياسي يتعلق بإنشاء حزب وأوضح لي بأن هذا الأخير سيتوفر على تنظيمات موازية للمرأة والشباب وأنه يرى مكاني إلى جانب بعض المناضلين الشباب في هذا المكان بالضبط. وهو يشرح لي دور ذلك في بناء الحزب، كنت أسرق نظرات على مكتبه وأوراق «الزبدة» التي يستعملها لأخذ بعض الملاحظات حينما كنت أجيب عن أسئلته ومما لاحظت خلسة، برقية على مكتبه موجة له بتوقيع من ليونيد بريجنيف الأمين العام للحزب الشيوعي السوفياتي ورئيس الاتحاد السوفياتي آنذاك، استويت في جلستي بعدما فهمت انني أمام شخص غير عاد، شخص بمثابة رجل دولة لم أكن أعرفه من قبل، فجريدة البيان التي كانت تطبع باللينوتيب ولوحات من أعمدة بالرصاص لم تكن تنشر صورا لهذه الأسباب التقنية وغيرها… مما أثارني عند هذا الرجل الذي كان يسميه المقربون منه ب «السي علي» بمزيج من العاطفة والاحترام هو تواضعه الكبير وإصغائه بتركيز لكل جواب مني عن أسئلته، هذا السلوك الراقي من رجل بهذه المكانة، وهو القوي البنية حتى وإن كان قد بدأ الشيب يغزو رأسه، هو الذي جعلني أحس بأنه قريب مني جدا لحد أنني أخدت أتجرأ عليه ومصارحته بعدم ميولي للعمل الحزبي المنظم وأفضل أن أبقى على مسافة منه للحفاظ على هامش من الحرية يمكنني من أن أعطي أحسن ما عندي لما أظنه الأقرب إلى مبادئي وأفكاري… لست أدري إن كان جوابي قد أقنعنه أم لا، ولكن ما أعرفه هو أنه في أول محطة انتخابية، وقد كانت الانتخابات الجماعية لسنة 1983، دعاني شخصيا للترشح باسم الحزب واقتراح مرشح آخر عليه يكون ذا أخلاق عالية لنفس الغرض… صدرت جريدة البيان لأول مرة بتاريخ 24 نونبر 1972 لتكمل مشوار جرائد الحزب الممنوعة كالمكافح. صدرت في البداية كأسبوعية بالعربية في حجم صغير (طابلويد) وبعدها بقليل نسخة بالفرنسية ونصفها لا يقرأ إلا بصعوبة بسبب مشاكل عدم وضوح الطبع، قبل أن تصبحا يوميتين في بداية الثمانينيات، وسنتان بعد صدور البيان، تم تأسيس حزب التقدم والاشتراكية الذي لم يتم الاعتراف به رسمياً إلا يوم 23 غشت 1974. خلال كل تلك الفترة لعبت البيان دورا طليعيا في التأثير على نخبة المثقفين وفي مقدمتهم الجامعيون والسينمائيون والكتاب والتشكيليون ورجال المسرح وكان معظمهم متعاطفون مع الحزب. 2. المرحلة الذهبية (1982-1992) بين سنوات 1980 و1986، كنت مواظبا دؤوبا على ممارسة النقد السينمائي شفويا في نقاشات بعض الأندية السينمائية العفوية قبل أن أتوجه إلى كتابته إلى جانب بعض المقالات الفكرية التحليلية… يعود حبي للفن السابع إلى طفولتي في بداية الستينيات حيث كان أخي، الذي كنت أعتبره بمثابة أبي الثاني علما بأن الوالد كان عاملا مهاجرا بفرنسا، يصطحبني معه وأنا في سن الثامنة إلى جل القاعات السينمائية مثل فوكس وأوبرا وأبولو وفوكس وريجان وفيردان وأبس ولامبير والريف ولانكس ولوكس ولوتيسيا والريتز والتريونف وليبيرتي وغيرها من قاعات مركز المدينة وريو وميدينا وأمبريال بالمدينة القديمة ومونديال وريكس ومونتي كارلو وفاميليا بالمعاريف قبل أن أكتشف بدوري صحبة بعض أصدقاء الطفولة والشباب المبكر قاعات بقية أحياء الدارالبيضاء مثل قاعات درب السلطان (الذي كان يسمى أيضا بالمدينةالجديدة) وهي الكواكب والزهراء وموريطانيا والملكي وشهرزاد والأطلس والشاوية والباهية والمامونية… وقاعات الفنون ولارك ببوركون والمُغرب والرجاء بحي كوبا وريفييرا بالبوسيجور والرياض بدرب غلف والمطار ثم أنفا بالحي الحسني والصحراء بعين الشق والمدنية بسباتة والعثمانية بسيدي عثمان والشِّريف بالحي المحمدي والبوليو بعين السبع وروكسي بروش نوار وأولامبيا ببلفيدير وغيرها من القاعات كالمسرح البلدي والمكتبة البلدية إلخ، فالدارالبيضاء وحدها كان بها أكثر من 70 قاعة سينمائية، أي أكثر من ضعف مجموع القاعات بالمغرب حاليا… كان لزيارة هذه القاعات، التي تعمدت ذكرها بالتفصيل ليعرف القارئ الشاب أين كنا وأين صارت الأمور، تأثيرا كبيرا على تنوع فكرنا وسلاسة تفكيرنا وتعبيرنا الفصيح باللغتين العربية والفرنسية دون تكلف… وقد كان لكل قاعة شبه تخصص في نوعية الأفلام التي تعرض، فسينما ريجان مثلا بساحة مارشال (وليس ماريشال كما ترجمها أحدهم من بغض الدخلاء على بلدية الدارالبيضاء) متخصصة في أفلام الممثل الفرنسي جان غابان أما الأفلام الهندية فقد كانت من تخصص قاعات ريو والرياض وموريطانيا وغيرها والأفلام العربية بفيردان والكواكب وشهرزاد والأطلس وفيما بعد بأوبرا التي كانت من قبل متخصصة في أفلام الملاحم الهوليودية الكبيرة… ومعظم القاعات كانت تبرمج شريطين مختلفين تماما في حصة الظهيرة. كثيرا ما كانت بعض العروض تتخللها انقطاعات وأعطاب تقنية مما يثير حنقنا ونعلن غضبنا بعنف على تقني آلة العرض وإغراقه بشتى أنواع الشتم من قبيل «وا العور !» «وا القرع !» مع ضرب الكراسي بقوة وهذا السلوك التمردي كان يمزحنا كثيرا كأطفال مشاغبين حتى ولو لم نكن نفهم في غالب الأحيان كل ما يدور في الفيلم، فنحن لا ننتظر سوى «المدابزة والتقاتيل» ومؤازرة «الولد»، أي بطل الفيلم، والتضامن مع «البنت»، أي صديقته، وخصوصا «ميخي» الذي كان يضحكنا ضد الأشرار. كنا أطفالا يبحثون عن أي سبب لإشعال «الحماس» والتنفيس عن قمع الكبار تماما كما كنا نفعل في مدرجات سطاد ضونور الذي سيصبح بعد ألعاب البحر الأبيض المتوسط سنة 1983 مركب محمد الخامس بعد توسيعه وإضافة قاعتين مغطيتان بقربه… بالإضافة إلى تلك القاعات التجارية، كان هناك نشاط كبير للأندية السينمائية التي تجاوز عددها في تلك الفترة السبعين، كما لعبت قاعات المراكز الثقافية الأجنبية ببلادنا دورا رياديا في التأسيس لثقافة سينمائية متقدمة، وأذكر على سبيل الذكر لا الحصر مراكز غوته الالمانية ودار أمريكا وخصوصا المركز الثقافي الفرنسي بشارع الزرقطوني حيث كنت أحضر فيما بين سنوات 1968 و1986 كل عروضه يومي الأربعاء والجمعة بعد الزوال، قبل أن يمنحنا الصديق كلود إيفرار، مدير المركز الثقافي آنذاك، والذي كان أيضا صديقا للبيان، قاعة المركز السينمائية صبيحات الأحد لعروض نادي الطليعة السينمائي الذي كنت أرأسه مقابل أداء أجرة تقني إرسال العرض (البروجيكسيونيست) فقط، وكان لكل ذلك دور فعال في هذه التجربة الفريدة التي كانت تجمع بين جمهور من الأحياء الشعبية البيضاوية الهامشية وبعض المثقفين الفرنسيين الذين يقطنون الأحياء الراقية لمناقشة الأفلام بعد عرضها وتبادل الرأي مباشرة بالفرنسية أو بالعربية مع الترجمة وبدون حرج… تجربة أثارت حفيظة بعض الأصدقاء كنورالدين الصايل الذي كان يرأس حينها الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب وتأسفه وبعض المحيطين القلائل به… لقد دار حوار طويل بينه وبيني بفندق باليما ثم بمقهى الدوتشي فيتا بمدينة الرباط حضره المخرج مصطفى الدرقاوي ونشرت أجزاء كبيرة منه بموافقته في جريدة البيان سنة 1982على هامش المهرجان الوطني الأول للفيلم… في هذا المناخ لم نكن نرفض أي نوع من الأفلام كيفما كانت مواضيعها وتوجهاتها وهكذا تكونت ثقافتي السينمائية، ثقافة شعبية استهلاكية في البداية ثم نخبوية معمقة فيما بعد، ومكنني ذلك من التفتح على كل التيارات والتوجهات السينمائية خصوصا والفكرية عموما وكانت لهذه التجربة الطويلة والمتنوعة والمتناقضة دور كبير في تأسيس نقد سينمائي تدريجي… لكن ما كان يحز في نفسي كما في نفس جل الشباب من أبناء جيلي هو تكون هذا الحس الوطني المؤلم بغياب صورتنا كمغاربة على الشاشة وعدم استيعاب غياب سينما مغربية بكل معانى الكلمة ثقافة وصناعة؛ فبين سنوات 1956 و1976 لم يكن عدد الأفلام المغربية يتجاوز العشرة ! مما أجج في جيل بكامله الإحساس بالحكرة والغبن وأصبحت المطالبة بسينما وطنية في تلك الحقبة جزءا من المطالب النضالية والحقوقية بمفهومها الشامل. أصبحنا كلما ناقشنا شريطا بعد عرضه نختم تعاليقنا بالمطالبة بسينما وطنية وأصبحت هذه اللازمة تتكرر حتى عندما أكتب مقالا حول أي فيلم مهما كانت جنسيته أو موضوعه… ووجد هذا التوجه صدى عند الأحزاب التقدمية وعلى رأسها حزب التقدم والاشتراكية الذي كان السباق إلى تخصيص حيز مهم في برنامجه السياسي للمطالبة بسينما وطنية. نعم كان سباقا بفضل استقطابه للأغلبية المطلقة من أحسن المخرجين السينمائيين والمهنيين والنقاد والمهتمين. في هذا المناخ أيضا اقترحت على الأستاذ علي يعته تخصيص صفحة سينمائية أسبوعيا بجريدة البيان تحت تسمية «البيان السينمائي»… لقد تحمس السي علي للفكرة وأعطاني الموافقة الكاملة فورا واضعا رهن إشارتي كل الإمكانيات التقنية والمعنوية لإنجاز ذلك ابتداء من التحرير والانتقاء إلى الإخراج والإشراف التقني دون أي تدخل… وهكذا أخذت الأمر بجدية وبدون أدنى مقابل مادي لإنجاح هذه التجربة كل أسبوع في عددي السبت – الأحد آنذاك لمدة سبع سنوات. أصبحت أعد موادا متنوعة عبارة عن دراسات أفلام وإجراء حوارات مع مخرجين وممثلين وتقنيين ومهنيين وغيرهم، وتغطية تظاهرات ومهرجانات وتجميع كل ما له علاقة بالنشاط السينمائي محليا ووطنيا ودوليا. وإذا كان للتجربة من نجاح – وقد تبعتها تجارب أخرى بالجرائد الوطنية الجادة -، فهو يعود بالأساس إلى تفاني التقنيين والعمال بجريدة البيان وأغلبية أعضاء هيئة التحرير والعاملين بالمطبعة بلاجيروند من أصدقاء عزيزين أحتفظ تجاههم بأجمل الذكريات والأحاسيس من أمثال محمد بن الصديق والمرحوم ندير يعته وعبد القادر الجمالي ونور اليقين بنسليمان وبلعيد بويميد وعبد الكريم بن الصغير ولطيفة مكرامي ومحمد الروحلي وزبيدة الخواتري وعمر محيي الدين وعمر الزغاري وبعض الأصدقاء من أمثال الكاتب محمد صوف والشاعر إدريس الملياني والمحامي الراحل محمد أنيق والروائي عبد الحميد الغرباوي والصديق العربي بلعكاف الذين وجدت فيهم جميعا، وغيرهم ممن حصل لي شرف التعرف عليهم وملاقاتهم دون أن أتذكر أسماءهم، تعاطفا كبيرا ودعما معنويا رائعا طيلة هذه التجربة. ساهمت هذه الصفحة، والواقع أنها كثيرا ما كانت تمتد على صفحتين أو ثلاثة بالإضافة – في بعض الأحيان- إلى الملحق الثقافي، ساهمت في إثراء النقد السينمائي وتنشيط الحقل الثقافي مما شجع كثيرا من الأقلام من مختلف التوجهات والأعمار والجنس على النشر بها… استمرت التجربة ما بين سنوات 1981 إلى 1987، أي حوالي 330 عددا لازلت أحتفظ بمعظمها في أرشيفي بالمنزل، إلى أن غادرت المغرب بعد التعرض لمضايقات من بينها اعتقالات متتالية وسحب جواز السفر وترصد تحركاتي بطريقة استفزازية أصبحت لا تطاق ووحدهم المقربون مني كانوا يعرفون تفاصيلها، وبعد رحيلي إلى الديار الفرنسية بقي «البيان السينمائي» يصدر تحت إشراف الصديق محمد صوف… وخصصت لهذه التجربة حيزا مهما في أطروحتي لنيل الدكتوراه التي زاوجت فيها بين تخصصي في علوم التسيير واهتمامي بكل ما يتعلق ببنيات القطاع السمعي البصري والسينمائي بالمغرب منذ البدايات إلى سنة 1992… وأعتقد بصدق أن هذه التجربة توفقت، إلى جانب غيرها من التجارب في المنابر الوطنية، في خلخلة الوضع والتأثير بقوة على التوجه نحو بناء قطاع سينمائي وسمعي بصري وطني ابتداء من أول ندوة وطنية أسند رئاستها الحسن الثاني لعلي يعته في بداية التسعينات إلى أن تحمل الحزب مسؤولية وزارة الاتصال والإشراف مباشرة على إصلاح القطاع السمعي البصري… صحيح أنه لم يتم تحقيق كل أهداف الإصلاح ولكن شتان ما بين فترة الركود سنوات السبعينيات والثمانينيات ومرحلة الإصلاح في التسعينيات والألفينيات… ولازالت أوراش أخرى مفتوحة… كان للحزب إشعاع قوي لذى المثقفين مما سهل علي التعرف على أغلبيتهم مباشرة وبناء صداقات قوية استمرت لسنين، لكن للأسف وبسبب هذه الصداقات نفسها تخليت فيما بعد عن النقد السينمائي عندما أصبحت أشعر بضيق المسافة بين النزاهة الفكرية والموضوعية اللازمة في تحليل عمل سينمائي والإحراج الحقيقي الذي كان يسببه لي ذلك مع هذه العلاقات… وعوض النقد السينمائي توجهت نحو البحث السينمائي وإنجاز دراسات حول الجمهور والتوجهات السينمائية والتصنيفات الفيلمية واقتصاديات السينما وغيرها، في هذه الفترة لم يعد تعاملي ينحصر على جريدة البيان وحدها، بل بدأ يتنوع، فقمت بنشر جل دراساتي في مجلات وجرائد وطنية ودولية مثل مجلات لاماليف والأساس وسندباد والسؤال وملحق العلم الثقافي ولوبينيون والوطن العربي وليبراسيون الفرنسية بالإضافة إلى البيان بنسختيها وملحقها الثقافي «البيان الثقافي» حيث كنت أتعاون مع الأصدقاء محمد صوف وإدريس الملياني وأحمد المصباحي، وهو الملحق الذي كان يحظى باحترام الكتاب والسينمائيين والفنانين والمثقفين بصفة عامة إلى جانب ملاحق العلم والمحرر… كانت فترة ذهبية بكل المقاييس وبكل ما تحمل الكلمة من معاني في تاريخ الجرائد الوطنية ومن ضمنها جريدتي البيان… 3. مرحلة التسيير الاحترافي (1992-2017) تتميز هذه المرحلة بدخول الحزب إلى التجربة الحكومية ابتداء منذ سنة 1998 وإلى اليوم. تغيرت أشياء كثيرة في العالم وفي المغرب وتغيرت كثير من المفاهيم والأفكار… بعد عودتي من فرنسا سنة 1993، ناقشت مع الأستاذ أحمد الزاكي الذي كان مديرا آنذاك للجريدتين بعض الخطوط العريضة لتوجه استراتيجي طويل الأمد لتنمية وتموضع الجريدتين، وقد كان حينها شرع في ورش بمجهود جبار، كما عرفت الجريدتان تطورا كبيرا تحت إدارة محمد نبيل بنعبد الله رغم المصاعب والتحديات… ولازالت تتطور رغم كل الإكراهات. فتحية لأسرة جريدتي البيان وبيان اليوم تحت إدارة الأستاذ محتات الرقاص وهو بالرغم من شبابه، يعتبر من أحد قدماء مناضلي الجريدة. وتحية لفريقه ولكل المشرفين على إصدار هذا المنبر، الذي يعتبر مدرسة مرجعية في مجال الصحافة الوطنية أعتز بها، على مواصلتهم العمل من أجل استمرارها وتطويرها رغم صعوبة الوضع مع تراجع القراءة وظروف المنافسة خصوصا من طرف وسائل النشر الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة… ففي هذا الاتجاه يجب تطوير التجارب الصحافية عموما والجرائد الورقية خصوصا لمواكبة متطلبات وتوجهات قارئ اليوم الذي أصبح أكثر إلحاحا على الجودة في تقديم الخدمات الإعلامية والتعامل بذكاء ومهنية مع انتظاراته وحاجياته.