سينما لطيف لحلو.. قضايا مجتمعية ورهانات سينمائية شهد يوم الجمعة الماضي الليلة الثالثة والأخيرة من برنامج التكريم الذي خص به حزب التقدم والاشتراكية، السينمائي لطيف الحلو، حسب فقرات البرنامج الذي سطرته الخلية التنظيمية المنبثقة عن فضاء أطر الحزب بالدارالبيضاء، التي تواصلت منذ يوم الأربعاء الماضي، وبعد عرض نموذج من فيلموغرافيا المخرج المحتفى به.. وبعد تكريمه ليلة الخميس الماضي من طرف حزب التقدم والاشتراكية في شخص أمينه العام الأستاذ محمد نبيل بنعبد الله، وبما أن سينما لطيف لحلو هي من النوع الذي يثير الأسئلة من خلال ما تطرحه من مواضيع، أو من خلال الميكانيزمات التي تشتغل عليها، كان لزاما أن تكون ليلة الختام خاصة بمناقشة هذه التجربة المغربية الطويلة والمتنوعة، تحت عنوان "سينما لطيف لحلو.. قضايا مجتمعية ورهانات سينمائية"، بحضور المخرج لطيف الحلو وكل من النقاد السينمائيين، محمد صوف، ومحمد باكريم، وعبد المجيد سداتي. واهتمت مداخلة محمد صوف برسم صورة أضاء من خلالها العديد من الجوانب التي تميز شخصية المخرج المحتفي به، معتبرا أنها تنقسم إلى بعدين: البعد الظاهر للعين المجردة والبعد الرمزي الخفي الذي يتجلى من خلال شاعرية الصورة في أفلام لطيف لحلو انطلاقا من شريطه الروائي الأول "شمس الربيع" عن رواية للكاتب المغربي عبد الكريم غلاب، إنتاج سنة 1969. حيث يرصد حياة موظف بسيط مجهض الأحلام... وعاد صوف إلى لقاء جمعه بالمخرج أسفر عن حوار تم نشره بالملحق الثقافي لجريدة البيان، قبل عدة سنوات، عقب خروج فيلمه الثاني "غراميات" عن رواية للكاتب الجزائري رشيد بوجدرة... وكيف تم التركيز فيه على التناقضات بين الممارسة والخطاب، على عكس التجربة الأولى "شمس الربيع" التي حاول المخرج من خلالها تمرير العديد من الخطابات، كما يحدث دائما في التجارب الأولى حيث يحاول المخرج قول كل شيء ربما بسبب خشية هذا الأخير ألا تتاح له فرصة أخرى للتعبير عما يريد قوله. وعرج الناقد على شريط "سميرة في الضيعة" كفيلم يتحدث عن المرأة ومعاناتها داخل مجتمع ذكوري، ليؤكد على الجانب الاجتماعي في سينما لطيف الحلو، واعتبر أن الفيلم ما قبل الأخير وهو "الدار الكبيرة" قد توفق في إبراز التشنج وصراع ثقافتين وبيئتين من خلال الزواج المختلط ليختم بالفيلم الأخير "حفلة ميلاد" واعتبر محمد صوف أن هذا العمل يدور حول الانتهازية مقابل الثبات على المبادىء، "إنه فيلم عن رجل اليسار حين يذوق كعكة السلطة". وهذا يلخص أن الإنسان داخل محيطه هو ما شكل سينما لطيف لحلو، وجعل منها سينما ناضجة لا تهدف إلى الإثارة بقدر ما هي سينما تتساءل وتدفع إلى طرح الأسئلة. مستخلصا أن الكاميرا والشعر يشكلان حيزا أساسيا في التجربة السينمائية للمخرج، إضافة إلى ثقافته واهتمامه بالأدب والشعر وميله إلى الصدق وحبه للإنسان. وهي الخصال التي جعلتنا نلتقي حوله هذا المساء لنعبر له عن الحب لشخصه ولأعماله. ووجه الناقد المغربي حميد نحلة إلى المخرج رسالة حياه من خلالها واعتبر أن معرفته بلطيف الحلو قديمة مستحضرا جزئيات من ذاكرته، ارتبطت بحضوره تصوير فيلم "شمس الربيع" ومؤكدا من خلال بعض الشهادات على النضال المستمر الذي خاضه لطيف من أجل حضور قوي لسينما وطنية هادفة. وخاض الناقد السينمائي عبد المجيد سداتي في تشريح علامات ورموز الصورة السينمائية في سينما لطيف لحلو من خلال فيلمه "سميرة في الضيعة"، بعد أن نوه بالمخرج باعتباره مؤسسا للسينما الاجتماعية في المغرب.. فالمخرج في عمله يشبه عمل السوسيولوجي حيث يشخص الظاهرة ولا يتوخى أية إجابات، يضيف المتدخل، وعن فيلم "سميرة في الضيعة"، يقول المتحدث، إن علاقة الشخصيات في الفيلم قد تم نسجها بشكل رصين وغير مشحون بكثرة المؤثرات والصراعات الدرامية التي تعودنا عليها. فبعد أن يستعرض الفيلم عقده يترك المخرج المجال للمتفرج ليلاحظ تطور هذه الشخصيات وتحولاتها، من جهة أخرى اعتبر أن الحكي في الفيلم لم يكن مع ذلك خطيا بقدر ما تضمن العديد من الاسترجاعات استنطق من خلالها المسكوت عنه بين شخصيات فيلمه ولجوئه إلى توظيف العديد من الرموز لتمرير خطاباته المتعددة بشأن الحصار المفروض على الشخصية الرئيسية في الفيلم، وإصرارها على نيل حقوقها الشرعية من زوج عاجز جنسيا، تستسلم بعده، في الأخير، لنداء جسدها المكتوم. الناقد محمد باكريم كان آخر المتدخلين وانطلق من إبراز جانب خفي يتعلق بتاريخ الفيلم الوثائقي، الذي أعاد لحظة بروزه إلى ستينات القرن الماضي مؤكدا على أن لطيف لحلو كان من بين مؤسسيه الأوائل، مذكرا بأن المحتفى به ينتمي لأول جيل سينمائي صور المغرب، وقبل ذلك لم نكن نرى سوى صورة الآخر عن المغرب، وعاد باكريم إلى الدلالات والرموز في حفل التكريم بحد ذاته متسائلا حول بعض الاختيارات والدافع إليها، وتساءل باكريم عن العلاقة الاجتماعية في شكلها الصدامي الذي تمليه سيادة القيم الرأسمالية، وذلك خلال حديثه عن الشريط الوثائقي " سين أكفاي" الذي يؤرخ لبدايات لطيف الحلو معتبرا الشريط في حد ذاته وثيقة حية، عن نمط علاقات ثقافية أصلية قبل أن تكتسحها قيم مجتمع الاستهلاك. وبخصوص واقع القاعات السينمائية في المغرب، دق باكريم ناقوس الخطر حول تناقص عدد هذه القاعات المتواصل، وكون السينما المغربية وهي جزء من الثقافة الشعبية صارت تتلقى الضربات بشكل مسترسل ويومي مختتما كلامه بالإشارة إلى الأزمة التي يعيشها النقد السينمائي في المغرب وهو التيمة التي يتمحور عليها كتابه الجديد.