في هذا الحوار يحكي خالد الناصري عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، الذي عاصر علي يعته وعاش معه مراحل كثيرة من العمل النضالي السياسي، كيف كان علي يعته يتعامل مع الأوضاع والتجادبات السياسية المغربية حيث كان ينزع نحو الحل الوسط التاريخي انطلاقا من مفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية في نطاق الاستقرار المؤسساتي. يتحدث الناصري أيضا في الحوار الذي أجرته معه بيان اليوم، عن الإيمان الراسخ لعلي يعته بمبادئ النضال الوطني، وكيف امتص الضربات السياسية وغضبات القصر، حيث لم تؤثر بأي شكل من الأشكال على توجهه في الدفاع المستميث عن القضايا الوطنية الكبرى سواء تعلق الأمر بالوحدة الترابية، أو بقضايا المواطنين وهمومهم. كيف تنظر لتمثلات الفكر السياسي لعلي يعتة في الوقت الراهن؟ أعتقد أنه تمثل يستحضر بالدرجة الأولى القناعة الراسخة التي كانت تحرك علي يعته في عمله النضالي، وهذه القناعة هي أن الفكر الذي ينهل منه حزب التقدم والاشتراكية مستنبط أساسا من التربة المغربية، خلافا لتحليل سطحي ينظر للموضوع على أنه إيديولوجيا مستوردة. لا شك أننا كحزب نعتبر، موضوعيا، أول من أدخل الفكر الاشتراكي إلى المغرب. وليس في نيتنا أن نقفز عليه. وهي قناعة راسخة لدى علي يعتة كي يجعل من الاشتراكية العلمية أداة لتحرير الوطن والمواطن. هل يمكن أن نقول إن علي يعته قام بتكييف الفكر الاشتراكي مع الواقع المغربي؟ لا شك في ذلك، فعملية التكييف، تكييف الفكر الاشتراكي مع التربة المغربية، كانت هاجسا يلازم تحركات علي يعته في كل محطة وفي كل زمن ومرحلة تاريخية مرت منها بلادنا، ومر منها النضال الوطني والطبقي الذي يقوم به علي يعتة وحزبه، وبالتالي ننظر إلى الفكر الاشتراكي على أنه تفاعل مع مقومات الواقع وسياق الواقع الوطني المغربي. وذلك حتى لا نرتكب خطأ الاستنساخ السطحي، ولو فعلنا ذلك لكنا قد ارتكبنا خطأ جسيما. وهذا يدفع إلى القول بأن الحزب هو حزب الفقراء والطبقة العاملة، وطورنا هذه الفكرة وأضفنا إليها المكون الثالث وهو المثقفون الثوريون أو التقدميون. خلال مرحلة الاستعمار التي نشأ فيها الحزب، كان تحرير المواطن والوطن يفرض نفسه، وبالتالي ومنذ الوهلة الأولى دخلنا في عملية التأقلم بين الفكر الاشتراكي الذي ننهل منه والواقع الوطني الذي نعمل على تغييره، انطلاقا من مقولة كارل ماركس التي نؤمن بها، حين يقول إن أكبر خطأ يرتكبه الفلاسفة هو أنهم يكتفون بتأويل العالم، في العملية التحليلية، في حين أن المطلوب هو تغيير العالم. لذلك ننطلق من التحليل إلى ما هو أبعد من التحليل وهو تغيير الواقع في اتجاه يخدم مصلحة العدالة الاجتماعية والحرية والاستقلال بالنسبة للوطن. هل كان علي يعته يؤمن بوجود تقاطع بين الفكر الاشتراكي وروح الدين الإسلامي؟ كان يشدد على ذلك، حيث يرتكز على ثقافة إسلامية قوية جدا، وكان في كثير من المناسبات يستشهد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية انطلاقا من قناعته التي لم تكن تعاملا سطحيا، إذ كان دائما يعتبر أن البعد التحرري للإسلام يوجد لدى الاشتراكية والعكس صحيح. وفي هذا السياق قال يعته ذات مرة عندما سأله أحد الصحفيين في نهاية الستينات "هل تنتمون إلى المنظومة الشيوعية القريبة من الاتحاد السوفياتي أم من المنظومة الشيوعية القريبة من الصين الشعبية"، فكان جواب يعته أنه لا موالاة لهذا أو ذلك، وإنما الولاء للوطن المغربي المسلم، يعتة كان واضحا في هذه القضية. هذا يؤدي بنا إلى استحضار مقولة كارل ماركس التي تقول "الدين أفيون الشعوب" كيف كان يعتة ينظر إلى هذه الفكرة وكيف يؤولها؟ يعتة كان واضحا دائما، ووضع النقط على الحروف فيما يتعلق بهذه المقولة، والتي حملت ما لا تحتمل. حيث إن ماركس حين تحدث عن ذلك، فإنما تحدث عن الاستغلال السياسوي للدين من أجل الحفاظ على السيطرة الطبقية، وحين يقول "الدين أفيون الشعوب"، فإنه يتحدث على أن طبقة النبلاء، وبالأساس في أوروبا الغربية، كانت في تحالف مع الكنسية في كثير من الحالات من أجل توطيد التوجه المحافظ، إن لم نقل الرجعي للمسألة السياسية والدينية، وكان ضد هذه المسألة التي تتعارض مع مصلحة تحرر الشعوب. هذا هو المعنى الأساس ولا يمكن أن نحمله ما لا يحتمل. هذه النظرة إلى روح الدين الإسلامي في علاقتها مع الفكر الاشتراكي، هل هي ما جعل علي يعته على وئام مع المؤسسة الملكية منذ عهد المرحوم محمد الخامس؟ هذه من الميزات الأساسية التي ميزت حزب التقدم والاشتراكية، بدء بمرحلة الحزب الشيوعي المغربي، ومرحلة حزب التحرر والاشتراكية، وهي أننا نعمل في نطاق الاستقرار المؤسساتي الذي لا يعني استقرار القمع ولا استقرار التفاعلات السلبية بين مكونات المجتمع، بل إن الحزب يعتبر أن الاستقرار الحقيقي يقوم على الديمقراطية، وذلك ما جعله يركز تركيزا شديدا على العمل من أجل الديمقراطية التي هي مدخل لتحرر المواطن المغربي دون أن يعني ذلك أنه سيدخل بالضرورة في مواجهة مباشرة مع الملكية. ولم يحصل أن سجل على حزب التقدم والاشتراكية في أي محطة من محطات العمل السياسي، وفي أوج الصراعات السياسية مع المؤسسة الملكية، أي مغامرة، ولم يكن له أن يدخل في مجازفات من هذا القبيل، بل كانت للحزب قناعة وبإيعاز من علي يعتة رحمه الله، وكانت هذه القناعة لدى كل أعضاء الحزب، تتلخص في كون الأساس والقاعدة ليس الصراع مع النظام، وإنما تصحيح مساره من أجل وضع حد لاستغلال الإنسان للإنسان، ووضع حد للفوارق الطبقية لإعمال منهجية العدالة الاجتماعية. في فترات سابقة، كانت بعض الأطراف السياسية تدفع إلى المواجهة مع المؤسسة الملكية، في حين كان علي يعته يتجه عكس التيار، كيف أسس لهذا التوجه؟ هذه النظرة كانت منطلقة من تحليل أيديولوجي وفلسفي وسياسي وتاريخي مندمج ومنسجم، ولم تكن مجرد مقاربة براغماتية، وإنما كانت الأمور مؤسسة على قواعد علمية دقيقة، وأسس يعتة لذلك بناء على نظرية "الثورة الوطنية الديمقراطية" انطلاقا من تطوير الفكر الاشتراكي، الذي أسس له ماركس وانجلز، وقام لينين بتجربة تاريخية معينة في بناء الاتحاد السوفياتي بعد ثورة 1917، لكن جاء جيل جديد من الماركسيين اللينينيين، خاصة في إيطاليا التي لعب فيها "غرامشي" بالخصوص، دورا متميزا، من خلال الإشارة إلى ضرورة "الحل الوسط التاريخي"، والذي يستند على أنه بالإمكان إيجاد حلول وسطى مع الطبقات والفئات السياسية التي نحن في صراع مباشر معها. وكان علي يعتة يشتغل من هذا المنظور، حيث كان يعتبر أن الثورة الوطنية الديمقراطية في نطاق الاستقرار المؤسساتي التي تؤمن الطريق للعدالة الاجتماعية والديمقراطية السياسية، هي المدخل الآمن نحو المسلكيات التي تؤدي إلى بناء الاشتراكية. بالرغم من التوافق الذي عمل عليه المرحوم علي يعته، تعرض في بعض الأوقات لغضبات من قبل القصر، ما السر الذي جعله يتملك أعصابه ولا يتصرف من منطق الانفعالات؟ صحيح، كان يقول كلمة مأثورة، قالها لي ذات يوم بالفرنسية "on ne fait pas la politique avec des sentiments ou avec des ressentiments"، ومفادها: لا نقوم بالسياسية بالعواطف أو بالانفعالات. كان يدعو إلى الحكمة دائما، دون أن يزيغ المرء عن المسار الذي يؤدي إلى البرنامج الذي سطره والهدف الاستراتيجي الذي وضعه، وكان يركز تركيزا شديدا على أن حزب التقدم والاشتراكية هو حزب ينبذ الخطاب المزدوج، وينبذ الالتواء، ومحاولة الاحتواء السياسي باللف والدوران، كان يعته بعيدا عن هذا المنطق، انطلاقا من قناعاته وتراكماته النضالية، فكان يعتبر أن السياسة هي أخلاق أولا، والأخلاق تبدأ بالخطاب المنسجم الشفاف الذي يسمح لك أن تقول للخصم ما يجب أن تقوله في حضوره وغيابه، هذا هو منطق علي يعته، وهذا هو ما استنسخناه من تراكماته وما يجعلنا نصمد في وجه المحطات الصعبة التي نمر منها. هذا سيؤدي بنا إلى العمل الذي قام به يعته فيما يتعلق بالدفاع على قضية الوحدة الترابية، حيث كان مدافعا عن هذه القضية في مجموعة من المحافل الدولية بالرغم من المضايقات التي تعرض لها، ورغم ذلك لم يحقد واستمر في الدفاع عنها، كيف يمكن أن نفسر هذا الموقف من علي يعتة؟ أفسره بكونه رجلا يؤمن حتى النخاع بضرورة الاستماتة في الدفاع عن المواطن والوطن، ولا يتعامل مع مسألة الدفاع عن المواطن والوطن من منطلق انتهازي أو من ينتظر جزاء أو شكورا، كان يقوم بما يقوم به لأنه مؤمن بأنه واجب عليه مهما كان الثمن ومهما اعترضت سبيله تحركات هوجاء بعيدة كل البعد عن القراءة الموضوعية للأشياء، عاش مناضلا صنديدا. في مراحل الاستعمار واجه الاستعمار بشراسة ونفي مرارا وتكرارا ومنع من الدخول إلى المغرب، وكان كل مرة يبحث عن منفذ للعودة، حيث كان يعتبر أن موقع المناضل هو داخل الوطن وليس خارجه. وبعد الاستقلال تعرض الحزب لمكائد، من طرف جهات سامحها الله، لم تكن تفهم أن مصلحة البلاد تقتضي أن يفتح المجال لممارسة حزب تقدمي بكل حرية بقناعاته وسياساته، وذلك ما قاله يعته للمرحوم محمد الخامس عندما استقبله بعد عودته من المنفى، وذلك ما قاله أيضا للملك الراحل الحسن الثاني عندما استقبله من أجل الدفاع عن قضية الوحدة الترابية. ما الذي جعل الحسن الثاني يكلف يعته بالترافع عن قضية الوحدة الترابية لدى بعض الدول؟ الحسن الثاني كان يعلم أن علي يعته تتوفر فيه خصلتان أساسيتان، الأولى أنه وطني حتى النخاع، والثانية أنه يؤمن بالمقاربة الأممية وبالأخوة بين الشعوب وضرورة مخاطبة القوى الأخرى التي قد لا تشارك المغرب والقوى التقدمية المغربية قناعته في قضية الوحدة الترابية، وحتى أكون دقيقا وواضحا، عندما رفع حزب التقدم والاشتراكية، منذ نهاية الستينات، ضرورة التعجيل باسترجاع الساقية الحمراء ووادي الذهب، لم يفهم عدد كبير من الأحزاب التقدمية والشيوعية موقف الحزب الشيوعي المغربي في هذا الموضوع، وكان عدد منهم يتساءل: كيف تساندون الحسن الثاني وأنتم ممنوعون وحزبكم مقموع؟ وكان جوابنا: نحن نساند الأمة المغربية في استرجاع جزء من أراضيها انتزعها الاستعمار. والحسن الثاني كان يعلم ذلك. وعندما كلف علي يعته مع بعض الزعماء الآخرين بالدفاع عن قضية الوحدة الترابية في المحافل الدولية خاصة لدى الدول الاشتراكية، كان يعلم بأنه يبعث إليهم إنسانا يتسم لدى الجميع بكثير من المصداقية. وهنا أستحضر القوة الإقناعية لعلي يعته، أتذكر في سنة 1974، أي قبل المسيرة الخضراء وقبل استرجاع الصحراء، كان هناك لقاء بين حزب التقدم والاشتراكية، (ءانذاك تحت اسم حزب التحرر والاشتراكية الممنوع)، والحزب الشيوعي الإسباني في باريس وكنت حاضرا مع علي يعته. والحزب الشيوعي الإسباني معني بالوحدة الترابية للمغرب لأن بلده هي التي تستعمر سبتة ومليلية وتستعمر الصحراء الغربية المغربية. وكان الحزب الشيوعي الإسباني هو الآخر ممنوع في إسبانيا. وكان اللقاء بين حزبين يجمعهما قاسم مشترك هو الحظر. في ذلك الوقت ما زلت شابا حديث العهد بالحزب، انبهرت بالطاقة الإقناعية التي يمتلكها علي يعته في مخاطبة الأحزاب الشيوعية الأخرى، حتى وإن كان الأمر يستلزم منها مجهودا كبيرا لم تبذله كل الأحزاب. واستطاع يعته أن يقنع الحزب الشيوعي الإسباني وانتزع منه الاعتراف بمغربية سبتة ومليلية. وأتذكر كذلك أنه في تلك المرحلة كنا قد أصدرنا بيانا مشتركا بين حزب التحرر والاشتراكية وبين الحزب الشيوعي الإسباني، يقول بمغربية سبتة ومليلية، غير أن الحزب الإسباني تراجع عن هذا الموقف فيما بعد. ولذلك فتوظيف هاتين الصفتين في قدرة علي يعته على إقناع مخاطبيه كان بمثابة معطى أساسي جعل الأحزاب الشيوعية الأوروبية في معظمها لا تسئ للمغرب حتى وإن كانت متحفظة عن استرجاع الصحراء، فهي لم تسئ إلى المغرب، والحزب الشيوعي الوحيد الذي أساء إلى المغرب هو الحزب الشيوعي الكوبي، رغم المجهود الذي قام به علي يعته في الذهاب إلى كوبا والحديث مع فيديل كاسترو وطرح موضوع الصحراء المغربية معه، لكن فيديل كاسترو "كان راسو قاسح"، كان مقتنعا بأشياء أخرى. تحركات علي يعته لم تقتصر على الدفاع عن القضية الوطنية، بل امتدت أيضا لتشمل الدفاع عن القضايا الإقليمية، ومنها القضية الفلسطينية؟ طبعا وله مقولة معروفة جميلة جدا وصحيحة مفادها "القضية الفلسطينية تجري في عروق المغاربة مجرى الدم" وهو نفس الأمر بالنسبة إليه، ويكفي أن أذكر في سنة 1969 في المؤتمر العالمي للأحزاب الشيوعية والعمالية الذي انعقد في موسكو، وحضره بمعية علي يعته الرفاق الرفيق شعيب الريفي، ومولاي إسماعيل العلوي، وقدم دفاعا مستميتا عن القضية الفلسطينية أمام هذا المجمع الشيوعي العالمي، وعبر لهم عن تحفظه للمقاربة التي تنتهجها الأحزاب الشيوعية في مقاربتها للقضية الفلسطينية حيث كان يقول لهم "ترتكبون خطأ حين تعتبرون قضية الفلسطينيين مجرد قضية لاجئين، قضية الفلسطينيين هي قضية شعب مشرد وليست قضية لاجئين، وهذا هو الفرق بيننا وبينكم في هذه القضية". وعلى امتداد الستينات والسبعينات والثمانينات والتسعينات، كانت نقطة الفصل التي تميز حزب التقدم والاشتراكية بإيعاز من علي يعته والقيادة المحنكة التي كانت تدبر شؤون الحزب، هي أن هناك تلاقيا مبدئيا في جوهرية الفكر الاشتراكي، لكن هذا التلاقي لا ينفي وجود خلافات في قضيتين أساسيتين بالنسبة لنا، الأولى هي قضية الوحدة الترابية، حيث كان للمجمع الشيوعي العالمي رأي مخالف لرأينا. والثانية هي القضية الفلسطينية حيث كان للمجمع رأي مخالف كذلك. واستمر الأمر هكذا، ولم يكن يزعجنا كثيرا أن يكون لنا موقف مخالف له، لأننا حزب نؤمن باستقلالية التفكير والقرار، وكذلك نشأنا وكذلك نستمر إلى اليوم. ومن لا يستحضر هذا المسار التاريخي في محطات العمل النضالي لحزب التقدم والاشتراكية، لن يفهم تشبتنا الكبير اليوم، بالحفاظ على استقلالية القرار لدى حزبنا. عرف عن علي يعتة أنه كان سياسيا شرسا في الدفاع عن قضايا المواطنين خلال عمله البرلماني، حيث دعا إلى التوزيع العادل للثروة وفرض الضريبة على الثروة، وهي أمور ما زالت حاضرة في المشهد السياسي المغربي، هل كان يعته يستشرف المستقبل، أو هل يمكن أن نقول إنه أسس بشكل استباقي لما يجب أن يكون عليه العمل السياسي والبرلماني بالخصوص؟ كان يعته على بينة واضحة بأن الاختناقات الكبرى التي ستعثر مسار المغرب نحو التقدم والتنمية هي المتعلقة بالملفات الاجتماعية وبالتراكم الخاص بالعدالة الاجتماعية، كان يتألم بشدة للفوارق الاجتماعية التي تعرفها بلادنا، وذلك ما جعله في اتصال مباشرة مع المواطنين الذين كانوا يأتون إليه أفواجا أفواجا كل يوم إلى مكتبه بمقر جريدة البيان بالدار البيضاء ليطرحوا عليه ملفاتهم ومشاكلهم، وهو يعيد طرحها إما في الجريدة من خلال تحرير مقالات تتحدث عن مشاكل المواطنين وتدافع عن مصالحهم، أو يطرحها في البرلمان حينما كان نائبا برلمانيا، أو خلال تواصله مع الوزراء. وبالتالي كان منطقيا مع نفسه، هو مناضل ويتصرف كمناضل ويستحضر الهموم اليومية للمواطنين ولا يكتفي بالخطب. دعا كذلك إلى نموذج اقتصادي متكامل أساسه التأميم والتصنيع والإصلاح الزراعي؟ كانت هذه المقاربة هي السائدة لدى حزب يشتغل في السبعينات والثمانينات، طورنا الأمور بعد حين، لأننا لا نكتفي بالمقولات التي انطلقنا منها في مرحلة ما وإنما نخضعها للتحليل الموضوعي، وظل الهاجس الأساسي لدى الحزب هو بناء اقتصاد مستقل يمر عبر التأميمات والإصلاح الزراعي والتصنيع. وفيما يخص مسألة التصنيع لم تزدها الأيام إلا رسوخا، إذ لا يمكن أن نتصور تقدما للمغرب بدون تصنيع لأنه يخلق فرص الشغل للمواطنين ويقضي على البطالة. وبالتالي كان علي يعته، مستشرفا للواقع وكان ضد فكرة أن المغرب يجب أن ينحصر نشاطه الاقتصادي في الزراعة فقط. أما فيما يخصص التأميم فقد طورنا الفكرة على أساس أن القطاع العام يجب أن يلعب دورا ليكون قاطرة للعملية الاقتصادية. هكذا نطور المقاربة انطلاقا من تأكيد صلاحيتها من خلال تلاحق الأحداث. لو كان المرحوم علي يعته حيا إلى الوقت الراهن، كيف كان سيتعامل مع الوضع السياسي والاقتصادي الراهن للمغرب؟ هذا سؤال صعب من الناحية الأخلاقية، لأنه لا يمكن القول إنه لو كان حيا لكان يفعل ما كنا نفعله، وإن كنت مقتنعا أن ذلك هو الحقيقة، لأن التصرفات السياسية التي كان يقوم بها علي يعته والفريق الذي يقود المكتب السياسي واللجنة المركزية، هي تصرفات ما زلنا ندين بها نحن كذلك إلى اليوم. أي أنها تصرفات مبينة على مرتكزات أيديولوجية متينة بعيدة كل البعد عن خطأين اثنين تفاداهما علي يعته ونظل حذرين لتفاديهما. الخطأ الأول هو الدوغمائية التي تنظر إلى الأشياء انطلاقا من فكر متحجر وهذا مخالف للفكر الاشتراكي. والخطأ الثاني هو الانتهازية والركوب على ملفات صحيحة لبلوغ أهداف غير صحيحة. وطالما نظل محتكمين إلى هذه المرجعية التي تستبعد الدوغمائية والانتهازية نظل على الخط المستقيم الذي يجعلنا لا نتخذ قرارا ولا نبني سياسة إلا وكان القرار في خدمة تطور الفكر السياسي المتحرر والمستقل الذي يخدم المصلحة العليا للوطن والمواطنين، وذلك ما يجعلني أقول إنه إذا كنا في هذا التوجه، وأعتقد أننا ما زلنا كذلك، فأتصور أنه لو كان سي علي حاضرا معنا لدبر معنا أو لدبرنا معه مرحلة شديدة التعقيدات مركبة إلى أقصى درجة. ماذا عن علي يعته والكتلة الديمقراطية؟ كان يؤمن بها إيمانا راسخا.. لأنه كان يعتقد بأن حزب التقدم والاشتراكية وحده لن يفلح وحزب الاستقلال وحده لن يفلح، وكذلك بالنسبة لحزب الاتحاد الاشتراكي، وكان يعتبر بأن تضامن الأحزاب الثلاثة سياسيا من شأنه أن يخلق الإطار المناسب للدينامية السياسية التي تحتاج إليها البلاد. وقد أكدت التجربة السياسية، تجربة الكتلة الديمقراطية عندما نشأت في بداية التسعينات، على صواب هذا المنطق. كيف كان ينظر إلى المرأة في العمل السياسي؟ ينظر إليها على أنها جزء أساسي لا يمكن الحديث عن أي تطور اجتماعي في غيابه، لأنه كان مدافعا عن المرأة، إلى درجة أنه هو الذي أشرف على إنشاء أول منظمة نسائية، تعنى بالقضايا النسائية. وهي التي أسسها الحزب تحت اسم "الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب" التي صارت اليوم مؤسسة حرة مستقلة، لكن تظل جزء من تاريخ حزب التقدم والاشتراكية ويرجع له الفضل في إنشائها. وعلي يعته كان يؤمن إيمانا راسخا بالمساواة ومقاربة النوع وبضرورة دعم القضية النسائية.