70 سنة في خدمة الوطن والشعب تصريح الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية بمناسبة الذكرى السبعين لتأسيس الحزب التقدم والاشتراكية معتز بمساره التاريخي الحافل على امتداد سبعة عقود من النضال والتضحية في خدمة الوطن والشعب جدلية الوفاء والتجديد خيط مرشد لكل مناضلات ومناضلي الحزب يحتفل حزب التقدم والاشتراكية بفخر واعتزاز، في شهر نونبر 2013 هذا، بالذكرى السبعين لتأسيس الحزب الشيوعي في بلادنا، والذي يعد حزب التقدم والاشتراكية وريثه الشرعي والمتمم الوفي والخلاق لمشواره النضالي المضيء، خدمة لقضايا الوطن والشعب. وبإحيائه لهذه الذكرى، إنما يسعى الحزب إلى ربط أمجاد ماضيه بحلقات البناء النضالي الحالي، واستشراف المستقبل، في أفق الإسهام في بناء مغرب الديمقراطية السياسية والعدالة الاجتماعية والرفاهية الاقتصادية. ذلك أن هذا الحزب لا يستحضر الماضي ليَرْكُن إلى دفء صفحات التاريخ جاعلا منها قمة ما يمكن لحزب سياسي بلوغه، بل محفزًا قويًا لكتابة صفحات مجيدة أخرى. الحزب ركيزة أساس للحقل السياسي الوطني بيد أن حزب التقدم والاشتراكية، بصرف النظر عن تقيده الدائم بآداب التواضع النضالي، يظل محقًا في الاستدلال بالقيمة المضافة التي أضفاها على الممارسة السياسية في المغرب، والتي تشبعت تدريجيا بما أدخله من قيم العقلانية والرصانة، مما أسهم، إسهاما وافرا، في جعل بلادنا تتميز على غيرها من البلدان المشابهة، بشيء من التفرد والريادية، في القدرة على تدبير تناقضات الشأن السياسي، بعيدا عن المشاحنات العقيمة، ووفق منهجية تضع المصلحة العليا للبلاد فوق أي اعتبار آخر. ومهما كانت الأمور، فإن التاريخ سيظل حافظا لأمر أساسي هو أن هذا الحزب كان أول حزب يرفع لواء الفكر الاشتراكي بالمغرب، في وقت كان البعض يصور الاشتراكية على أنها فكرة دخيلة على مجتمعنا وحضارتنا وأنه محكوم عليها بأن تظل فكرة هامشية موسومة بانتمائها لأوروبا، إلى أن تحولت اليوم بفضل الكفاح الدءوب للأجيال الأولى من المناضلين الأفذاذ، إلى مرجعية تتقاسمها صراحة أحزاب عديدة، رغم بعض الخلافات القائمة بينها، حيث يرجع الفضل في هذا الصدد إلى حزب التقدم والاشتراكية في أنه أول من عمل على تكريسها كمكسب عظيم للإنسانية جمعاء، لا ينال تعدد تجاربها الميدانية من قيمتها المبدئية في شيء. كما أنها مناسبة يؤكد فيها الحزب على قناعته الراسخة بضرورة إيلاء مسألة دلالات الاشتراكية في بداية القرن الواحد والعشرين أهمية أساسية، لاسيما بعد فشل التجربة التاريخية لما كان يسمى «الاشتراكية الفعلية» في العقد الأخير من القرن العشرين. الحزب أدمج مقاربته للاشتراكية في محيطها الثقافي الوطني ولعل هذا ما يفسر كيف أن هذا الحزب دأب، منذ البدء، على إدماج مقاربته الاشتراكية في محيطها الثقافي المغربي كبلد عربي أمازيغي يدين جل مواطنيه بالإسلام. ذلك أنه سرعان ما اعتنى الجيل الأول من القادة المغاربة للحزب، من أمثال الراحلين: علي يعته، عبد السلام بورقية وعبد الله العياشي، وبعدهم عزيز بلال وعبد الهادي مسواك وشمعون ليفي وشعيب الريفي وغيرهم، سرعان ما اعتنوا، عناية فائقة، بصياغة مفهوم متطور للاشتراكية المغربية، قائم على جدلية الوفاء والتجديد، وهي الجدلية التي ظل الحزب متشبثا بها إلى اليوم باعتبارها المدخل المنهجي القويم لتدبير الشأن الإيديولوجي والسياسي والتنظيمي بما يجعل الحزب قادرا على أن يحتل، عن جدارة واستحقاق، موقعه كاملا في الفضاء الاجتماعي والسياسي الوطني. واعتمادا على ذلك، صاغ الحزب جدلية الربط بين المرجعية الطبقية قصد انعتاق وتحرر الطبقات والفئات المستغلة والمضطهدة، من جهة، والمرجعية الوطنية في أفق تحرر الوطن من القمع الاستعماري ثم بناء الدولة الوطنية الديمقراطية في كنف الوحدة الترابية غير القابلة للتجزئة. وهو بذلك يفند، إيديولوجيا وسياسيا ونضاليا، المقولات الهجينة المرتدية، زورا، لرداء «الاشتراكية العلمية»، والقائلة بأن من تكون مرجعيته طبقية لا يلتقي مع الوطنية التي هي في رأيهم مرادف للشوفينية. وقد عمل الحزب، باستمرار، على دحض هذه النظرية، ضعيفة المرتكزات وضيقة الأفق، الأمر الذي جعله يكون من الأوائل الذين تجندوا لنصرة قضية الوحدة الترابية في الصحراء الغربية المغربية والثغور الشمالية المحتلة، فجاءت التجربة لتؤكد صواب الموقف، صوابا مطلقا. ويعتز الحزب، في هذا الصدد، بأنه لم يَنسَق أبدا، رغم الضغوط، وراء من كانوا، في الداخل والخارج، ينظرون إليه كحزب تخلى عن المرجعية الأصل، وارتمى في أحضان العدو الطبقي. وهذا ما جعله يصمد في مواقفه اعتبارا لكونها تستقي جذورها ليس من مقاربة انتهازية مهزوزة، وإنما من مناهل إيديولوجية رصينة وتحليل سياسي جدي. الشخصية القوية للحزب جعلته يحافظ على استقلالية قراره حتى في علاقته بالحركة الشيوعية والعمالية العالمية إن الحزب، وهو يحيي هذه الذكرى العظيمة، لا يسعه إلا أن يستحضر، باعتزاز، أن من بين المحطات الجليلة لمساره التاريخي، تبرز بقوة تلك المرتبطة باجتهاده العميق لتجديد الفكر الاشتراكي والممارسة السياسية، مما أدى في بعض الحالات إلى بروز اختلاف قوي ومعلن مع الحركة الشيوعية والعمالية العالمية في عدة قضايا، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، التي كان الحزب ينظر إليها لا كقضية لاجئين ولكن كقضية شعب يخوض معركة تحرر وطني، وكذا قضية الصحراء المغربية التي كان البعض ينظر إليها من منظار الحرب الباردة وتموقعاتها الإيديولوجية السطحية، فيما كان موقف الحزب أنها قضية استكمال وحدة تراب بلد مزق الاستعمار أراضيه. ومن بين القضايا الخلافية الكبرى، ينبغي التذكير بتصادم الآراء مع هذه الحركة، وبعض مكوناتها أيضا، حول مسألة إيديولوجية أساسية تتعلق بمفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية كمرحلة تاريخية تفتح آفاق الاشتراكية، حيث كانت بعض الأحزاب في الخارج تنتقد الحزب بسبب الخلاصات المنطقية من نظرية الثورة الوطنية الديمقراطية، والتي تهم علاقات الحزب مع السلطة الملكية، وموقفه من العمل داخل المؤسسات. ولم تثنه الانتقادات، الصادرة بالخصوص من قبل أحزاب شقيقة في أوروبا، عن الثبات في الموقف المبني على فهم عميق لواقع المجتمع المغربي، علما بأن مسار الحزب، سواء في مرحلة الحزب الشيوعي المغربي (من 1943 إلى 1969) أو مرحلة حزب التحرر والاشتراكية (من 1969 إلى 1974) ومرحلة الشرعية منذ 1974، اتسم كله بالمزج النضالي الخلاق بين العمل من داخل المؤسسات والعمل من خارجها كلما اشتدت الضربات التي كانت توجهها له الرجعية. القمع الذي تعرض له الحزب لم يكن لينال من كفاحيته وقدرته على الصمود لقد ظل الحزب قائما رغم المضايقات والقمع، حيث أمر الاستعمار الفرنسي بمنعه سنة 1952 إبَّان الانتفاضة الوطنية ضد الاحتلال، وتم منعه للمرة الثانية في سنة 1959، أي بعد مضي ثلاث سنوات على الاستقلال، ثم للمرة الثالثة بعد عام من الخروج للعلنية تحت اسم حزب التحرر والاشتراكية، سنة 1969. وفي كل هذه المحطات، لم يكن الحزب يرضى بالأمر الواقع، بل يظل وفيا لعهده النضالي في السرية المفروضة عليه، رافعا لمشعل التحرر والوطنية والاشتراكية، مستمرا في الدفاع، مهما تطلب الأمر، عن القيم النبيلة التي نشأ من أجلها، مؤديا الثمن بسبب ذلك، فداءً للوطن والشعب، حيث أدى قياديوه ومناضلوه، طيلة هذه الفترة، ضريبة الالتزام الوطني والتقدمي. ويظل حزب التقدم والاشتراكية فخورًا بكون التاريخ أنصفه وأتى بالحجة والبرهان على أنه كان موفقا في مواقفه ومعاركه، وبأن الخصوم هم الذين كانوا على خطأ. الاستقرار قيمة سياسية وخيار نضالي واعٍ يؤمّن الانتقال التاريخي بأقل تكلفة كذلك الشأن في ما يتعلق بقضية الاستقرار التي تعامل معها الحزب، دوما، لا كقيمة محافظة أو رجعية، وإنما كمبدأ أساسي، جريء يُؤمِّنُ الانتقال التاريخي بأقل تكلفة إلى ضفاف الدولة الحداثية المعتزة بتراكمات تاريخها الغني وحمولته الحضارية القيمة، الدولة المحتضنة لما تحمله قيم العصر من آفاق واعدة يعمل الحزب للانخراط فيها بعزيمة وإقدام، باعتبار أن مسالك الاستقرار هي بالضبط تلك التي تختصر المسافات لبلوغ أهداف الإصلاحات الكبرى التي كانت البلاد ومازالت تحتاج إليها. هكذا كان الخط النضالي للحزب، على الدوام، قائما على الخيار الديمقراطي، والثبات على المبادئ، والجرأة في خوض كل المعارك الطبقية والوطنية، خط متلائم باستمرار مع عدم المساس بمستلزمات الاستقرار، كأفق سياسي لا يجوز زعزعته بل يجب توظيفه لبلوغ أسمى المقاصد. هو نفس الحزب، بنفس المبادئ سواء في المعارضة أو الحكومة: الموقع وحده يتغير إن حزب التقدم والاشتراكية الذي يبدو للجميع اليوم كما بنته أجيال وأجيال من المناضلات والمناضلين على امتداد 70 سنة من الكفاح الصارم دفاعا عن القضايا الكبرى للوطن والشعب، يحق لعشرات آلاف أعضائه، وكلهم تقريبا ولدوا بعد نشأة حزبهم، أن يشعروا باعتزاز عظيم لانتمائهم لتنظيم سياسي جليل، وهب نفسه للوطن والشعب من خلال حمل الأجيال المتلاحقة مشعل الالتزامات العظمى التي بفضلها يبنى القرن الواحد والعشرين. إنه نفس الحزب بنفس التوجهات وبنفس الالتزامات ونفس المصداقية، لا تزيده الأيام إلا مزيدًا من التجذر والنضج، إنه نفس الحزب سواء كان في المعارضة - وقد جرب ما تقدمه له من صلابة- أو في الحكومة- وقد جرب ما تقدمه له من تجربة – وفي كلتي الحالتين، ما تحمله وضعية المعارضة وممارسة السلطة من محن ومعاناة، يتعين على الحزب أن يظل هو هو في كل ما تفرزه من مميزات. وهذا بالضبط ما يجعل حزب التقدم والاشتراكية حزبا لا تفزعه لا ممارسة الشأن العام ولا العمل في المعارضة، حيث ينظر لكلا الموقعين على أنهما واجهتان نضاليتان لصالح المواطنين والمواطنات، دائم الاستعداد لتحمل مسؤولياته التاريخية متى تمت المناداة عليه لخدمة الوطن، من موقع المعارضة أو الحكومة. إن المتصفح الموضوعي لمسار هذا الحزب لا يمكن إلا أن يخلص إلى خلاصة أساسية هي أن نفس صفات الهوية التي انبى عليها ظلت ملازمة له على الدوام، وهي أنه حزب وطني تجري الوطنية في عروقه مجرى الدم، ظل محافظا على كامل استقلاليته تجاه الجميع، داخليا وخارجيا، باعتبار أن المغرب الجديد في حاجة ماسة لحقل حزبي قائم على التعددية والاستقلالية والمصداقية. إنه الحزب الباني لاستراتيجيته النضالية على النقاش الديمقراطي الداخلي الرصين وعلى التبصر السياسي، لا يخشى في قول الكلمة الحق لومة لائم، إنه الحزب الذي يؤسس التزاماته السياسية على التحليل العلمي الموضوعي لواقع اجتماعي وسياسي شديد التعقيد لا يحتمل الاندفاعية والانفعال، فأحرى الشعبوية. ولا يسع المحلل الموضوعي إلا أن يلاحظ ثبات الحزب، الدائم، على مرتكزاته الإيديولوجية. وهو الثبات الذي جعله من بين الأحزاب القليلة المستندة إلى نفس المرجعية الفكرية، التي استطاعت أن تصمد أمام الهزات الملاحقة لانهيار المنظومة الاشتراكية، قبل ربع قرن، بل والتي استطاعت، بفضل حسن التحكم في جدلية الثابت والمتحول، أن توسع من دائرة نفوذها وإشعاعها وتأثيرها. وسيواصل الحزب على المسار ذاته، متشبثا بهويته الاشتراكية، وفيا لانتمائه اليساري والتقدمي القوي. المرحلة تقتضي قدراً عالياً من الالتزام والمسؤولية لإنجاح مسار الإصلاحات الكبرى لذا، فإن حزب التقدم والاشتراكية، وهو يربط أمجاد الماضي بنضالات الحاضر ووعود المستقبل، يوجه نداء أخويًا صادقًا لكل القوى الحية في البلاد، وخاصةً منها القوى التقدمية، كي يستحضر الجميع دقة المرحلة وما تستوجبه من التزام وطني صادق وكفيل بأن يمكن البلاد من الاستفادة من عطاءات مختلف الفاعلين في حقلنا السياسي الوطني متنوع الروافد، خدمة لبناء المغرب الجديد، في إطار من الاحترام المتبادل بين كل الفرقاء السياسيين، من أجل النهوض بالفعل السياسي إلى متطلبات هذه المرحلة التاريخية الدقيقة، التي تستوجب قدراً عالياً من الالتزام والمسؤولية لإنجاح مسار الإصلاحات الكبرى. كما يعرب الحزب عن جميل العرفان لما قدمه الرعيل الأول من المناضلين، لبناء الوطن الحر والديمقراطي، وعن صادق التهاني إلى كل المناضلات والمناضلين، عبر مختلف ربوع البلاد، منوها بكفاحاتهم إلى جانب الجماهير الشعبية، مجددا الدعوة للمزيد من الالتحام بها خدمة لأهداف الحزب السامية. وهي مناسبة أيضا لتوجيه نداء حار لكل مغربية ومغربي يشعرون أنهم مستعدون لخدمة البلاد من موقع الالتزام الوطني التقدمي، للالتحاق بصفوف حزب جعل دوما مصلحة البلاد فوق كل المصالح الأنانية والذاتية. فحزب التقدم والاشتراكية يمد يده، ويفتح صفوفه، لكل أبناء المغرب الأحرار، لنمشي معا في أفق تشييد المغرب المتقدم، والذي ينعم فيه كل مغربي ومغربية بكل ما يستحقه من حقوق وكرامة.