اعتبر وزير خارجية الجزائر رمطان لعمامرة أن مقالا مجهول المصدر سببٌ كافٍ لكي يعود الى ركوب موجته القديمة في اعلان رفض وساطة بين بلاده وبين المغرب، لم يطلبها أي أحد. وعادت الآلة الديبلوماسية الخارجية الى اعلان رفض هذه الوساطة، باعتبار الرفض ضربة حاسمة في إفشال «مؤامرة مخزنية» (كذا) بطرح الوساطة السعودية بين الرباطوالجزائر، بِنِيَّة « دق الإسفين» كما تقول العرب القديمة ، و«الشَّرْيات« باللغة الدراجة الحديثة، مع الدولة السعودية ! وقد تم التأكيد على ذلك مرة ثانية في ظرف أسبوع، عن طريق وكالة الانباء الرسمية التي نشرت تصريحا لمصدر رسمي .... لم تذكر اسمه! وقالت في ما قاله إن المغرب يريد «رهن» العلاقات الثنائية الجزائرية السعودية... وبما أن الأمر يتعلق بتفسير النوايا، يصعب على المحلل المنطقي أن يفهم معنى »رهن« العلاقات السعودية بواسطة .. خبر في موقع من بين ملايين المواقع؟ الحقيقة أنه منذ مدة والخارجية الجزائرية ومعها نظامها العسكري ، تعتبر إن افشال وساطة وهمية تارة من طرف الامارات وتارة من طرف المملكة العربية السعودية سيأتيها بنجاح باهر، وأنه قد يكون سببا لكي تتقدم على خارطة العلاقات العربية العربية كقوة لا تلين ولا تتنازل عن خطوطها الحمراء! فقد نقلت قناة «الجزائرية» الدولية، عن الوزير الجزائري، يوم السبت الأخير، أنه «لا وجود لأي وساطة بين الجزائر والمغرب» ... واعتبرت الدعاية الجزائرية، عن باطل وسوء نية أن » هذه التصريحات تأتي على خلفية، ما نشرته عدد من وسائل الإعلام المغربية بشأن وساطة أطراف دولية بين الجزائر و المغرب، خاصة بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير خارجية المملكة السعودية».. الحقيقة الساطعة بسيطة وعناصرها هي ما يلي لم تكتب اية مصادر اعلامية مغربية مسؤولة ومعروفة رسمية كانت أو غير رسمية، ورقية كانت أو بديلة، لا من قريب ولامن بعيد.. في الموضوع ، ولهذا ، فإن البحث عن مصدر ما لبناء موقف وهمي هو من صميم التوهم والفزع السياسي أكثر ما هو رد فعل ديبلوماسي معقول. والحقيقة الثانية أن الموقف بناه القياديون الجزائريون على خبر في موقع يتابع قضايا المغرب الكبير، وتناقلته عنه مصادر قريبة من الجزائر ، واولها «القدس العربي» « وراي اليوم»، وهما مصدران اصبحت علاقتهما مع النظام الجزائري لا تحتاج الى دليل.. وهو ما دفع الكثيرين الى السخرية من الخفة التي يتحرك بها نظام العسكر وواجهته المدنية...فيدقضية حساسة وجدية، من قبيل العلاقات مع دول عربية كبرى في قضية تفترض الحد الادنى من »الصواب«. الحقيقة الثالثة : لقد تيقن المغرب أنه امام نظام سياسي لا يعرف الديبلوماسية، وأنه بالاحرى لا يقيم للجوار السياسي أي معنى الا معنى الهيمنة والتطاول ، أو خلق المشاكل للجيران... ولو قام بها كل العرب وكل دول العالم وكل البحر الابيض المتوسط .. وأن معضلة الجزائر مع الدول العربية لا تقف عند حد الحقوق المغربية، تلك الحقوق التي يرافع عنها العرب بنفس القوة وأكثر من المغاربة أحيانا، والديبلوماسية الجزائرية اذا لم تكن تملك ارشيفا حول هذه المواقف المشرفه للعواصم العربية، فهي بالفعل تحتاج الى اعادة تأهيل وتحيين يخرجها من الزمن الستاليني البارد.. والبائد.... بل آن المعضلة تتجاوزها الى قضايا أخرى في الشمال الافريقي وفي عمق الصحراء وفي العلاقات مع ايران وفي الاولويات الجزائرية في حوض المتوسط الخ..! الحقيقة الرابعة : ان المغرب ، اعتاد ، طوال وجوده المعاصر وما قبله أن يبني علاقات مودة مع كل جيرانه ومع غير جيرانه ، ويطرح الاشياء بوضوح تام، كما وقع مع إسبانيا وألمانيا وفرنسا.. وغيرها من الدول، وهو لم يتردد في اعتماد ذلك مع القوى الكبرى، فنال بذلك الاعجاب والاحترام والمعاملة بالمثل. أما أن يطلب المغرب وساطة فقط لكي »يُأزِّم« علاقات الجزائر مع السعودية، فقد تجاوزت التهمة أعراض الوهم المرضي الى ...الخبل! الحقيقة الخامسة: إن السلوك الجزائري سلوك يكرس ما يقوله المغرب وغير المغرب من كون نظام العسكر غير مُأهل لاحتضان قمة عربية تسبقها، اجباريا تنقية الاجواء والقدرة على التفاوض جميع الأعضاء وتحقيق الحد الادني من التوافقات لعقد القمة، والحال أن تأجيلها من مارس الى نونبر القادم هو بحد ذاته اعلان فشل ذريع وحجة ضد الجزائر، اللهم إذا كان من «الذكاء« العسكري للعسكر الشرقي اعتبار رفض الوساطة احسن تاكتيك لتنقية الاجواء...! أو لعله يذهب بعيدا في حمقه باعتبار أنه قادر على تنظيمها بالرغم من أنف المغرب!!! الحقيقة السادسة: تتصرف الجزائر وكأن هذه الوساطة المفترضة تتم مع ... طرف واحد هو نفسها !، والحال أن الطرف الثاني والاجباري في أية وساطة. وهو المغرب .. صامت تماما! ويعرف المغرب، إن السبب الرئيسي في التأزيم منذ عقود، واليوم قبل الأمس، هي الجزائر وأن القرارات التي اعلنتها الجزائر، سبقت الوساطة وسبقت السياسة وسبقت الجوار.، بالتالي فهو يعرف المداخل الديبلوماسية الحقيقية لحل النزاعات وسبق لعاهله أن وضع خارطة طريق للعمل المنتج بين الجارين ، قبل التأزيم الجنوني الذي سلكته الدولة الجزائرية في الرد على كل مبادراته. وخلاصة القون أن العالم العربي بل والعالم أجمع ليس أعمى ولا أطرش ولا أحمق .. العالم يرى ويحلل ويفهم! عندما لم يحدث أحدُ الديبلوماسي لعمارة بدأ يوهم الجزائريين بأن المتَّصِلين والوسطاء كُثر، وهو ما يذكرنا بقصة ذلك المغني الشعبي الذي ركب حافلة اوتوبيس في الدارالبيضاء، وعندما لم يتعرفوا عليه ، صار ينادي نفسه ويعيد اسمه.. ثم يتظاهر بأنه سمع النداء ويصيح في الناس: «شكون عيَّطْ علي ... شكون ناداني »! حتى يعرف الراكبون أنه ..هو!