كان مبعوث الجامعة العربية، الأمين المساعد للجامعة، حسام زكي، رفيقا بوزير خارجية الجزائر ونظامها العسكري رمطان لعمامرة عندما اختار كلماته بعناية لكي لا تبدو الصفعة مجلجلة. وبديبلوماسية مشرقية نبيهة، قال بأن مؤتمر القمة العربية لن يكون قبل شهر رمضان، فنَزَع نحو التقويم القمري عوض التقويم الشمسي، وتجنب بحبكة «جنتلمان» ذكر شهر مارس في تأجيل القمة. وبالرغم من كل القطن الذي وضعه على يده فإن الصفعة سُمعت في كل العواصم العربية. فقد كان «لعمامرة» قد تجاوز حدود اللياقة، و«الإيتيكيت» الديبلوماسي، في إعلان شهر مارس المقبل شهرا لمؤتمر القمة، بدون أن يتم أي اتفاق مع الدول المعنية، ومع الجامعة العربية المعنية ب«لوجستيك» القمة وجدول أعمالها. بل حرك حسام زكي السكين بلياقة السمكي، عندما ذكَّر لعمارة وهو في عقر داره بآداب تنظيم المؤتمرات، وطريقة اخراجها، لمّا أعاد العقارب إلى بدايتها وصرح بوضوح أن تاريخ انعقاد القمة « يخضع للمشاورات التي تجري بين الجزائر والأمين العام للجامعة العربية، للوقوف على أفضل تاريخ يناسب جميع الأطراف لضمان مشاركة أكبر قدر ممكن من القادة العرب». بط بط على رأس الفلاح الذي نسي المثال المغاربي «فاتك الغرس في مارس يا لعمامرة !».. كان حسام زكي يلقن العمامرة في بيته درسا خصوصيا في الديبلوماسية بأنه لا يمكن لغرور النظام العسكري أن يختار للعرب التاريخ وجدول الأعمال ونتيجة المؤتمر. والأمر الذي لا يمكن أن يغفله القادة العرب هو أن سياق القمة يعطيها كل المعنى الذي ارادته الجزائر الرسمية من ورائها..فقد اختار وزيرها في الخارجية الاعلان عن ذلك التاريخ، وعن جدول الاعمال في وقت كانت كل تحركاته عدوانية وتسير على نقيض ما هو مطلوب عادةً في الدولة التي تستضيف القمة.. فقد جرت التقاليد الديبلوماسية بأن تعمل الدولة المستضيفة بكل قوتها من أجل تذويب الخلافات بين الدول الأعضاء، وتعمل على تنقية الأجواء. وزاد من غرورها أن الوزراء الذين زاروا الجزائر كانت تلاحقهم تصريحات لعمارة بأن الجزائر ترفض أية وساطة أو خيط أبيض بينها وبين المغرب... والحال أن الجزائر كانت ترفض وساطة لم يطلبها أحد، لكنها في الوقت نفسه عرت عن وجهها العدواني وعن عجزها على خلق ظروف سياسية وعلائقية لعقد المؤتمر. لقد بدت عاجزة عن تجميع العرب حول عاصمتها.. والحالة الوحيدة التي سعت فيها الى الوساطة كانت في القضية السورية! ولم يتعطل الرد السعودي في هذا الجانب الذي تحرك ضد التوجه الجزائري، كما لم يخف عن العواصم العربية أن العملية كانت لأجل عيون ... طهران التي أصبحت الجزائر «لاقطاتها» الهوائية في الشمال الافريقي وفي غرب المتوسط وافريقيا جنوب الصحراء والساحل... وإمعانا في الغرور قررت الدولة المهزوزة، تنظيم القمة، ثم أعلنت قطع علاقتها مع المغرب وأعلنت القمة وأعلنت إغلاق الحدود في وجه الملاحة الجوية المغربية عسكريا ومدنيا. كما لو أنها تريد أن تقول :« سنعقد القمة بدون المغرب، ولن تحط طائراته، بما فيها طائرة الوفد المشارك في القمة على أرضية مطار هواري بومدين»! لقد شيدت قبة حديدية في وجه المغرب ووضعت لنفسها مظلة من إسمنت حتى لا تمر تحتها طائراته، ودعت العرب الى مناقشة فلسطين... والصحراء ! فالقصة مند بدايتها كانت من أجل إدراج القمة كقطعة في «بازل» puzzle أو شطرنج الهجوم على المغرب. نذكر أن الإعلان عنها تم في تزامن مع التصعيد حول قضية المغرب الترابية، بل ارتكب الوزير لعمارة زلة اللسان التي تصاحب المغرورين عندما جعل ضمن جدول الأعمال المقترح من عساكره القضية الفسلطينية ...وقضية الصحراء. وبعد «أن وقعت الفاس في الراس» كما يقال، أراد أن يغلف الصفاقة الكبرى، ليقرر مكان العرب ما يريده العرب، وغلف كلامه بخبث التواصل، فقال في ندوة صحفية نظمتها «ليكسبرسيون» له لهذا الغرض أن «القضية الفلسطينية ليست سياسة رشيدة تتبعها الحكومة فحسب، بل هي جزء لا يتجزأ من مكونات وعي الشعب الجزائري، والتزامه الأصيل بحق الشعوب في التخلص من الاستعمار والاحتلال الأجنبي». ولا يحتاج أي عربي إلى نباهة خارقة لكي يعرف من اللمز الجزائري والغمز العسكري أن الاحتلال مقرون هنا، في التعميم، بالمغرب، الذي يكيل له نظام الجزمات هذا التوصيف بدون خجل ولا حشمة.. والعماء الذي أصاب العمامرة ورؤساءه، لم يدعه يرى ما كان يجول في العواصم العربية التي تملك أكبر النفوذ، كما هي دول الخليج. ففي الوقت الذي كان يعمل فيه ليل نهار ضد المغرب في قمته المعلنة من جانب واحد، اجتمع مجلس التعاون الخليجي ،في دجنبر 2021 ليعلن دعمه للمغرب على أربعة محاور ترفضها الجزائر وتعاديها: أولا تاكيد مجلس التعاون الخليجي عل مواقفه وقراراته الثابتة الداعمة لمغربية الصحراء ثانيا دعم الحفاظ على أمن واستقرار المملكة المغربية ووحدة أراضيها ثالثا: الاشادة بقرار مجلس الأمن رقم 2602 الصادر بتاريخ 29 أكتوبر 2021 بشأن الصحراء المغربية رابعا :التأكيد على أهمية الشراكة الاستراتيجية الخاصة بين مجلس التعاون والمملكة المغربية وتنفيذ خطة العمل المشتركة.. وبذلك أعلن أكبر تكتل عربي، يعد اليوم الأول نفوذا وتأثيرا في السياسة العربية وفي السياسة الاقليمية بل الدولية عن انحيازه الى المغرب، واصطفافه معه في كل القضايا ذات الصلة بوحدة ترابه وموقعه في خارطة النزاعات الدولية ..طبعا لا يفوتنا السعي الجزائري في عقد القمة في سياق استئناف العلاقات بين المغرب واسرائيل، ومحاولة استمالة الفلسطينيين عبر زيارة عباس ابومازن و ايضا الاعلان عن استضافة قمة فلسطينية فلسطينية للمصالحة، غير أن التخبط العسكري بلغ مداه، عندما أراد أن يستميل مصر والامارات العربية المتحدة، وهما الدولتان اللتان كانتا سباقتين إلى التطبيع وليست فقط إستئناف العلاقات، مما رمى بمياه العار على عتبة النظام العسكري، الذي يستعمل كل الاساليب مهما كانت متناقضة لمعاداة المغرب. ستتردد الصفعة إلى ما بعد رمضان. وستليها صفعات أخرى على خذ «اللي ما يحشم»..