لا يمكننا الاستمتاع بصحة جيدة وأمّنا الأرض عليلة. ولا يمكننا أيضا العيش في ظل مناخ بيئي نظيف ما لم نوقف عدواننا اليومي على كوكب الأرض، وما لم نقم بثورة حقيقية في طرق تفكيرنا وتعاملنا مع البيئة. تلك هي الحقيقة التي يجب الأخذ بها في مع المجال الإيكولوجي بشكل عام، إذا أردنا تجنب الأوبئة والفيروسات التي خلفت وما تزال ملايين الضحايا من مختلف الألوان والأجناس والقارات. ولدى تسليم زعيم قبائل الهنود الحمر شعبه وأرضه لسيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد الهزيمة النهائية سنة 1854، خاطب البيض الأمريكيين بالقول :"علموا أبناءكم كما فعلنا نحن، بأن الأرض هي أمّنا. فإذا بصق أحدنا عليها، فإنما يبصق على أمّه. وكل الأضرار التي تحدث للأرض، تحدث تلقائيا لأبناء الأرض". والحديث عن معالجة الاحتباس الحراري كشرط أساسي لإعادة التوازن للنظام البيئي، لا يمكن أن يتم بمعزل عن مشكل اللحوم الذي يعد الأكثر ضررا بكوكب الأرض لأنه الأكثر تسببا في انبعاث الغازات السامة. كيف ذلك؟ وأي دخل للحوم في الداء العضال الذي تشكو منه أمنا الأرض؟... الجواب يمكن اختزاله من خلال هذه الحقائق : يخصص العالم المتقدم 30% من الأراضي الزراعية لتغذية الماشية مما يؤدي أولا إلى زوال الأشجار، أي التصحر، وإلى زيادة استعمال المبيدات التي تسهم بشكل كثيف في تلوّث المياه الجوفية، وهي مبيدات ضرورية في زراعة الصوجا والذرة اللازمتين لقطاع الماشية، علما أن الغازات المنبعثة من الماشية تسهم في حرارة الأرض بضعف ما تسهم بها صناعات النفط والنقل بمختلف فروعهما. وقد أكد عالم البيئة الأمريكي، دافيد سيرفان شرايبير، في مقال علمي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" مؤخرا، بأن تقليص الاستهلاك الأمريكي من اللحوم بنسبة 20%، يعني تعويض جميع سيارات البنزين بالقارة الأمريكية بأكملها بسيارات كهربائية. ويرى أن أنجع طريقة للحفاظ على التوازن البيئي وعلى صحتنا هي التقليل من استهلاك اللحوم. وخلص الصندوق العالمي للأبحاث ضد السرطان من جهته، إلى أن الاستهلاك المتوسط من اللحوم لا يجب أن يتعدى 500 غرام في الأسبوع، علما أن معدل الاستهلاك بأوربا الغربية يقارب الكلوغرامين في الأسبوع، وأن الهندي الذي لا يستهلك أزيد من 400 غرام أسبوعيا، يعاني أقل بكثير من أمراض السرطان والقلب والأعصاب المتفشية في الأوساط الغربية. ثم إن الاعتداء على الغابات لأغراض صناعية وتجارية بقدر ما يسهم في انحلال التربة ويرفع نسبة التصحر، فهو يقضي بالمرة على غطائها النباتي، علما أن الغابات تمتص، حسب المختصين، ما يناهز 30 في المئة من انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي،وتحول دون زيادة درجة حرارة الأرض. وقد وعد أكثر من 100 من قادة الدول المشاركة في مؤتمر المناخ "كوكب 26" المنعقد حاليا في غلاسكو الإسكتلندية، من بينها الولاياتالمتحدة والصين وفرنسا، بدعم مالي بقيمة 19 مليار دولار لحماية الغابات، قوبل بارتياح وإشادة كبيرين من زعماء دول مثل البرازيل وأندونيسيا والكونغو، وهي دول تمثل مجتمعة 85 في المئة من غابات العالم. والسؤال الذي يجب طرحه وإعادة طرحه هو ما إذا كانت هذه الوعود التي تشمل غابات تفوق مساحتها 21 مليون كيلومتر مربع، ستترجم إلى واقع ينهي تاريخ طويل من اعتداء الآدميين على الطبيعة، وتحويلهم إلى حماة لها، أم أنها كسابقاتها مجرد تعهدات في تعهدات. ومن هنا فإن النجاح أو الفشل في تحقيق أهداف مناخية أكثر طموحا، سيقاسان من خلال حجم الخسائر في الأرواح وفي سبل العيش. ولا حاجة إلى التنبيه إلى أن الاعتداء على أمنا الأرض سيلحق ضررا فادحا بأبنائها، قد يبدأ بتدمير مدن بكاملها بما فيها من بشر وشجر وحجر، كما أشار إلى ذلك، في تحذير غير مسبوق، رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسونفي افتتاح "كوكب 26". تحذير وضعه تحت يافطة "لنحافظ على كوكب الأرض من أجل الحفاظ على أنفسنا". معادلة صعبة ولكنها ممكنة.