يشارك زعماء العالم وعددهم يفوق مئة رئيس دولة أو حكومة في قمة المناخ المرتقبة في نهاية الشهر الجاري بباريس، بغية التوصل إلى اتفاق عالمي حول المناخ يسمح باحتواء ارتفاع درجة الحرارة في العالم وإبقائها دون عتبة الدرجتين المئويتين مقارنة مع مستوى ما قبل الثورة الصناعية. وفي حال تجاوز هذه العتبة يتوقع العلماء عواقب كارثية على البيئة والاقتصاد.. وأمام زعماء العالم الكثير من نقط الخلاف التي يتعين التغلب عليها وأهمها غلاف المساعدة المالية من دول الشمال إلى دول الجنوب لتمويل سياساتها المناخية، وتوزيع الجهود بين الدول الصناعية والناشئة والفقيرة لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، ورفع سقف التعهدات التي قطعتها الدول الصناعية للحد من انبعاث الغازات السامة. وفي سياق الاستعدادات لهذه القمة المناخية العالمية، احتضنت باريس أمس ندوة دولية حول "الأرض المغلوبة" نظمتها الجمعية الدولية "كلنا مع البيئة" بحضور خبراء بيئيين من القارات الخمس. وأجلت الندوة حقيقة مفادها أنه لا يمكننا الاستمتاع بصحة جيدة وأمّنا الأرض عليلة. ولا يمكننا أيضا العيش في مناخ بيئي نظيف ما لم نوقف عدواننا اليومي على كوكب الأرض، وما لم نقم بثورة حقيقية في طرق تفكيرنا وتعاملنا معها. الندوة تطرقت للانبعاث الحراري وسبل معالجته من أجل إعادة التوازن للنظام البيئي، ووقفت طويلا على الثورة الصناعية وتداعياتها الكارثية على المناخ، وضبطت بالأرقام الغلاف المالي (400 مليار أورو) الواجب على مدى سنتين من أجل التغلب على السموم الغازية. كما وقفت طويلا على قطاع اللحوم الذي يعد الأكثر إضرارا بكوكب الأرض لأنه الأكثر تسببا في انبعاث الغازات السامة : كيف؟ وأي دخل للحوم في الداء العضال الذي تشكو منه أمنا الأرض؟... الجواب كما يلخصه البيئيون، هو أن العالم المتقدم يخصص 30% من الأراضي الزراعية لتغذية الماشية وهو ما يؤدي أولا إلى زوال الأشجار، أي التصحر، وثانيا إلى زيادة استعمال المبيدات التي تسهم بشكل كثيف في تلوّث المياه الجوفية، وهي مبيدات ضرورية في زراعة الصوجا والذرة اللازمتين لقطاع الماشية، علما أن الغازات المنبعثة من الماشية تسهم في حرارة الأرض بثلاثة أضعاف ما تسهم به صناعات النقل والصناعات البترولية بمختلف مكوناتها. وفي مقال علمي نشرته صحيفة "علوم وحياة" في عددها الأخير، أكد عالم البيئة الأمريكي، دافيد سيرفان شرايبير، بأن تقليص الاستهلاك الأمريكي من اللحوم بنسبة 20%، يعني تعويض جميع سيارات البنزين بالقارة الأمريكية بكاملها بسيارات كهربائية. ويشدد في هذا السياق على أن أنجع طريقة للحفاظ على التوازن البيئي وعلى صحتنا هي التقليل من استهلاك اللحوم. ومن جهته، خلص الصندوق العالمي للأبحاث ضد السرطان سنة 2013، إلى أن الاستهلاك المتوسط من اللحوم لا يجب أن يتعدى 400 غرام في الأسبوع، علما أن معدل الاستهلاك بأوربا الغربية يقارب ثلاثة كيلوغرامات في الأسبوع، وأن الإنسان الهندي الذي لا يستهلك، على سبيل المثال، أزيد من 200 غرام من اللحوم أسبوعيا، يعاني أقل بكثير من أمراض السرطان والقلب والأعصاب المتفشية في الأوساط الغربية. ولدى تسليم زعيم قبائل الهنود الحمر شعبه وأرضه لسيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية سنة 1854، خاطب البيض الأمريكيين بالقول :"علّموا أبناءكم كما فعلنا نحن، بأن الأرض هي أمّنا. فإذا بصق أحدنا عليها، فإنما يبصق على نفسه، لأن الأرض لا تنتمي للإنسان بل الإنسان هو من ينتمي إليها. واعلموا أن كل ما يحدث لأمنا الأرض، يحدث بصورة تلقائية لأبنائها".