فخامة رئيس الجمهورية الشعبية الديمقراطية الجزائرية سلام وتفسير السلام تذمر وبعد، قد يكون من غير اللائق أن أقض مضاجعكم، فخامة الرئيس، وأنتم في عز الاستمتاع بشهوركم الأولى رئيسا للجزائر في انتخابات لم تتجاوز نسبة المشاركة فيها 39 في المئة بحسب وزارة الداخلية، و31 في المئة وفقا لأرقام الهيئات السياسية ووسائل الإعلام المستقلة الجزائرية. ومن غير اللائق أيضا مكاتبتكم ووضعكم الصحي والنفسي المتدهور (شافاكم الله) لا يتحمل أي انتقاد لنهجكم وأي كلام عن الأوضاع الاجتماعية التي أشعلت مع بداية انتخابكم وما تزال فتيلا من المظاهرات والاحتجاجات المطالبة برفع مظاهر التهميش والظلم أو ما يسميها الجزائريون ب"الحكرة"، فيما الوضع الاقتصادي لبلدكم الغني، آخذ في التدهور وطرق أبواب المنطقة الحمراء. فقط فخامة الرئيس، أود قبل التطرق لأسباب تجاهلكم ليد المصالحة الممدودة من المغرب من أجل بناء جسور الثقة وفتح صفحة واعدة في العلاقات المغربية الجزائرية، أن أعرب لكم عن اشمئزاز المغاربة وحسرتهم على ما صدر منكم (بيان الرئاسة) من اتهامات للمغرب ومعه إسرائيل بالتآمر على بلدكم. اتهامات تغاضيتم من خلالها عن أوجه القصور التي أظهرتها سلطاتكم العسكرية والمدنية في التعاطي مع الحرائق الغابوية التي خلفت المئات بين قتيل وجريح، والحرائق الاجتماعية التي استعرت في الشهور الأخيرة والمرشحة أيضا لعواصف أعتى في ظل الفساد المالي والإداري الذي يميز أداء محيطكم العسكري على الخصوص. نفس التقزز فخامة الرئيس من النبرة المتعالية التي تغلفون بها تصريحاتكم المتتالية عن المغرب، وهي نبرة بقدر ما تثير السخرية والنفور، تنذر بضباب كثيف قد يلف العلاقات بين البلدين لسنوات أخرى.. فقد انتقلنا من رجل (الرئيس بوتفليقة رحمه الله) كان لوضعه الصحي والنفسي غير المتوازنين، تأثير كبير على علاقة الجزائر بمحيطها، إلى رجل كشف لأول وهلة أنه ميال إلى تغليب العجرفة والمزاجية في علاقات الجوار، على روابط الجغرافيا واللغة والدين والمصير المشترك. وضعكم الصحي والنفسي فخامة الرئيس، لا يسمح لكم بالدخول في هستيريا من الغضب والإسهال اللفظي، تعقيبا على مبادرة الملك محمد السادس بمدّ يد التصافح والمصالحة، ودعوته لبناء علاقات أساسها الثقة وحسن الجوار. إنكم بهذا الموقف تسيرون على نهج من سبقوكم ممن اصطنعوا كيانا اسمه "البوليساريو"، أرادوا من خلاله اجتثاث المغرب الجار من جذوره الإفريقية ومحاصرته على المستوى الجيوستراتيجي، لسبب بسيط أنه بتاريخه وحضارته يحظى بإشعاع متميز بإفريقيا وخاصة بدول جنوب الصحراء ودول غرب إفريقيا. قد نتفهم صم آذانكم عن دعوة فتح الحدود المغلقة لمدة تزيد عن ربع قرن، وهي مدة شهدت نشأة جيل جديد من المنعشين والمستثمرين الذين تؤرقهم هذه الحدود المغلقة.. فتح هذه الحدود هو بالتأكيد في غير صالح دولة مثقلة بالأزمات تعيش في دوامة من الاحتقان الاجتماعي الذي أصابها بالكثير من الوهن، لأنها على حد تعبير أسبوعية "جون أفريك الفرنسية" لا تقوى إلا "بقوة العسكر ولأن كل خيوط الحكم بيد الجنرالات عوض أن توزع بين عدة دوائر ومستويات". ومن هنا نفهم أنه أيا كان الشخص في موضعكم، فلن يتجاوب مع دعوة الملك محمد السادس لأنها ببساطة ستكشف بجلاء للمواطنين الجزائريين عن البون الشاسع بين البلدين في البناء الديمقراطي والمسار التنموي والارتقاء الإنساني. قد نتفهم أيضا تعاملكم بسخاء مع ما تبقى من دول إفريقية داعمة لانفصاليي البوليساريو، على حساب أموال الشعب الجزائري الذي لم يعد يتحمل مزيدا من هدر ثرواته وإمكاناته في قضية مفتعلة لا طائل منها. لكن لا يمكن فخامة الرئيس لعقل سديد أن يستوعب دفاعكم الهيستيري عن حق تقرير مصير الشعوب، وعلى رأسها ما تسمونه ب"الشعب الصحراوي"، واعتمادكم في نفس الحين شعبوية إعلامية أخذت طابع التسميم،بمجرد إثارة مندوب المغرب في الأممالمتحدة هذا الحق لسكان منطقة القبائل. فكما حق تقرير المصير عزيز عليكم، هو أيضا عزيز علينا حتى وإن طرحه المغرب جانبا لعقود طويلة مراعاة لتقاليد حسن الجوار،وتغليبا لمبدأ الحياد الإيجابي الذي تبناه المغرب في الملف القبايلي، وفلسفته تقوم على إصلاح ذات البين مع ترجيح الحوار على التعصب، وتحويل مواطن الخلاف إلى مادة للتفاهم والتراضي بما يخدم روابط التاريخ والمصير المشتركين. تلك هي مبادؤنا فخامة الرئيس، فيما تتسارع قنواتكم وإعلامكم المكتوب الرسمي وغيرالرسمي بإيعاز من قصر المرادية، إلى شحن أفراد الشعب الجزائري بأقراص عدائية تجاه جارهم المغرب بما يكرس التضليل ويغذي الحقد والكراهية وانعدام الثقة بين أبناء البلدين الجارين. ودعوة مندوب المغرب في وثيقة وزعت على الدول الأعضاء في حركة "عدم الانحياز" تتحدث عن تقرير المصير لمنطقة القبائل الجزائرية، ما هي إلا رد ديبلوماسي لبق على عقود من التحامل العدائي لاستهداف المغرب في كيانه السيادي ووحدته الترابية. ردّ لقي استحسانا وتجاوبا كبيرين من لدن جميع فئات الشعب المغربي التي لم تتوان في التعبير عن دعمها القوي لنضال سكان القبائل من أجل إرساء حكم ذاتي من شأنه تجنيب الجزائر التفكك والانفجار، على اعتبار أن الحركة من أجل حكم ذاتي في منطقة القبائل الجزائرية، هي حركة سلمية وديمقراطية لا تريد أكثر من حل سياسي عادل لوضع منطقة القبائل. ولعلمكم فخامة الريس أنني كنت أول الصحفيين المدعوين في أواسط شهر ماي من سنة 2010 إلى قصر المؤتمرات بباريس لحضور حفل الإعلان رسميا عن تشكيل الحكومة المؤقتة لمنطقة القبائل الجزائرية التي أوكلت لها ملفات عديدة، وفي مقدمتها حقوق الإنسان، حيث النظام الجزائري مطالب بالكشف عن جرائمه وما أكثرها في حق الشعب القبائلي بشكل خاص. وقد تزامن الإعلان مع مرور 30 سنة على أحداث "الربيع الأمازيغي" المأساوية وما رافقها من تشريد وتقتيل تحت ذريعة تهديد أمن الدولة. وكنت أيضا السيد الرئيس أول المتحدثين إلى رئيس الحركة، فرحات مهني، الذي ما زال يحمل بين ضلوعه لوعة اغتيال ابنه البكر في مظاهرة احتجاجية سنة 2004. وقد أعرب لي بشأن التماثل القائم بين قضية الصحراء وقضية القبائل، عن مباركته للمقترح المغربي للحكم الذاتي بالصحراء بقوله "نحن نطالب بحكم ذاتي في القبائل، ولا نرى كيف يمكننا أن نرفض ذلك لسكان الصحراء المغربية، علما أن القادة الجزائريين لا يمكنهم التخلص بسهولة من عقدة الغل التي تسكنهم تجاه المغرب وتجاه القبائليين أنفسهم". وتفضلوا فخامة الرئيس بقبول أسمى عبارات التقدير. Envoyé de mon iPhone