سيحفظ التاريخ لبيدرو سانشيز، رئيس الحكومة الإسبانية الحالي، أن لا أحد من الزعماء والملوك الاسبان أمعن في إذلال إسبانيا وقبل هوانها وسقوطها أكثر منه، سوى "لوذريق" آخر الملوك القوطيين الذي كان قد سلّم مقاليد الأندلس للفتح الإسلامي في عام 911 ميلادية. وسيتذكر التاريخ المعاصر كذلك أن المغرب كان يشترك في الجغرافيا مع دولة اسمها إسبانيا، لا يخجل رئيس حكومتها من استجداء وتوسل اجتماع مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، فلا يحصل منه سوى على تحية عابرة من جانب واحد عند مدخل قاعة الندوات الخاصة بحلف الشمال الأطلسي. وسيتذكر الإسبان أيضا، بجرعات الإهانة ومرارة الأسى، أن رئيس حكومتهم قدم طلبات متواترة للقاء الرئيس الأمريكي، فلم يسمح له فقط سوى ب"السلام عليه" في مسيره على الأرجل نحو قاعة الاجتماعات، مع توثيق ذلك في صورة وتسجيل فيديو لم يتخط سقف عشرين ثانية فقط. ولن ينس الإسبان عبارة "كفاية السيد الرئيس it's enough mr President" التي أراد صاحبها وضع حد لهرولة بيدرو سانشيز وراء الرئيس جو بايدن وكأنه رغب في تذكيره بقوله "إننا سمحنا لك فقط بالسلام على الرئيس وتوثيق ذلك في صورة، ولم نسمح لك بخرق بروتوكول رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية وشغل حيز أكبر في رزمانته". وهل هناك كذلك من هوان وذل أكبر من التعليق الذي قالته رئاسة الحكومة الإسبانية لجريدة الباييس على هامش "مصافحة الرئيس". لقد زعمت وهي راضية بالاهانة "أن رئيس الحكومة ورئيس الولاياتالمتحدة أجريا محادثات قصيرة مباشرة بعد التقاط الصورة العائلية. وكما ذكرنا سابقًا، أراد الاثنان تحية بعضهما البعض والاجتماع شخصيًا وإجراء اتصال أولي، وقد كانت هذه هي الطريقة التي اتفق عليها فريقا عملهما". فهل الاجتماع الشخصي يكون وسط حشود من كبار المارة؟ وهل هناك اجتماع شخصي لا يتعدى سقف عشرين ثانية؟ وهل هناك اجتماع يخاطب فيه رئيس حكومة إسبانيا "ظل" الرئيس الأمريكي؟ وإمعانا في استطابة الذل والإهانة، نشرت الصحافة الإسبانية نقلا عن مصادر في "مونكلوا" أنه "من بين أمور أخرى، فقد تم الاتفاق على أن تلتقط الكاميرات تحية الرئيس الأمريكي ورئيس حكومة إسبانيا كدليل على العلاقة الممتازة القائمة بين البلدين". وكأن إسبانيا كانت في حاجة لصورة تلتقط في الخارج لتقول لأصحاب الداخل أنها في تناغم وانسجام مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. ليس هناك إهانة أكثر مما شاهدناها اليوم، ونحن نرى أصحاب البروتوكول في حلف الناتو ينعطفون بمسار الرئيسي الأمريكي قليلا ليقطعوا الطريق على بيدرو سانشيز، الذي طأطأ رأسه وراح وحيدا يجر وراءه خيبات حكومته وهوان الإسبان، ليبحث له عن مقعد في الكراسي الخلفية من القاعة. لكن يبقى الذل الحقيقي هو ذاك الذي يتصف به بعض المحسوبين علينا ممن يمنون النفس بانتكاسة المغرب أمام اسبانيا الذليلة.